شاكر نوري *
ما يجري الآن في العديد من الصحف والمجلات الأوروبية والأميركية بل وفي وسائل الإعلام الغربية عامة، من محاولة لتشويه صورة العرب عند المواطن الأوروبي والأميركي، بل وفي العالم أجمع،بحكم السيطرة العالمية على وسائل الإعلام الغربية الحديثة، ليس سببه كما يظن الكثيرون، أنها محاولة هنا لاستغلال بعض «التجاوزات» التي يقع فيها بقصد أو بدون قصد، بعض الأثرياء العرب أثناء زياراتهم للعواصم الغربية. انما هو خطة قديمة ـ حديثة يساهم فيها الكثيرون من رجال سياسة ورجال فكر وفلاسفة وعلماء ومستشرقون وسينمائيون وفنانون.
صورة العربي في السينما المعاصرة تثير اكثر من اشكالية على صعيدي النقد والتحليل، فبالرغم من اتساع الموضوع وتشعبه، فإنه من الممكن أن نتتبع المؤشرات الفكرية الرئيسية التي تسير طبقها هذه الصورة.
هذه الصورة كثيراً ما خضعت للمفاهيم النمطية السائدة التي يحاول الغرب نشرها وترويجها عن العرب. وكثيراً ما نخضع هذه الصورة لمقياس أوروبي بعيد كل البعد عن حقيقة الوطن العربي. ذلك لأن اولئك المخرجين كونوا افكارهم حول البلدان العربية من خلال كتب الاستشراق الغربية أو أنهم يعملون تلك الافلام ضمن اغراض ايديولوجية وفكرية مشبوهة ومحددة مسبقاً. والحقيقة ان هناك العديد من الأفلام التي تعرضت للإنسان العربي باعتباره إما موضوعاً رئيسياً أو هامشياً، فهي اما ان تكون واضحة أو متخفية بين ركام الصور التي يتكون منها الفيلم.
وهذه محاولة لتحليل العقلية والدوافع الايديولوجية الكامنة وراء اعطاء هذه الصورة، خاصة في السينما الأميركية.. السينما الأكثر انتشاراً بحكم سيطرة شركات التوزيع الاحتكارية.
البدوي العربي
لعل الشكل الأول لما ظهر عليه العربي على الشاشة هو لون الأمير البدوي الذي ينطلق على ظهر فرسه في الصحراء طولاً وعرضاً، وتهيم به الفتيات. ولقد أسهمت الكتابات الرومانية في القرن الماضي في خلق هذه الصورة، ومن ثم انتقلت إلى السينما.
وكان أبرز تجسيد لها هي الأدوار التي قام بها، في عهد السينما الصامتة، الممثل الايطالي المشهور (رودلف فالنتيتو) 1895 ــ 1926 الذي هاجر إلى أميركا واشترك في عدد من الأدوار ذات الطابع الروماني. ويبقى فيلم (الشيخ) 1921 وابن الشين (1926) حلما لدى الفتيات ان يخطبهن ذات يوم أمير عربي وسيم وينطلق بهن على فرسه في الصحراء، ولقد أسهمت شركات الدعاية السينمائية الأميركية في غرس مثل هذه الأحلام ونشرها، لا حبا بالعربي وانما للتدليل على بدائيته.
حكايات« ألف ليلة وليلة»
لحكايات ألف ليلة وليلة تأثيرها الذي لا ينكر على تعدد الأصول الشرقية لهذه القصص فإنها اكتسبت لبوسها الأخير في العربية، واذا كان تأثير أجواء الف ليلة وليلة في الفنون الأوروبية قديما وشاملاً لألوان متعددة ما بين القصة والأوبرا والمسرح والتأليف الموسيقي وغير ذلك، فإن السينما أولى من غيرها بالإفادة منها، خاصة بعد أن تعددت مواضيعها، وصارت الغرابة والطرافة أحد الأهداف الاساسية في صراع شركات الانتاج السينمائية الغربية للاستحواذ على المشاهدين.
وهكذا قدمت السينما الغربية رحلات السندباد البحري أكثر من مرة، غير ملتزمة بالنص العربي، بل مطلقة لخيالها العنان التوفير مجال أكبر للتشويق واستخدام الخدع السينمائية. وكان من هذه الأفلام الفيلم الأميركي الملون آنذاك (رحلات السندباد السبع) 1958 اخراج شارلس شنير. و(رحلة السندباد الذهبية) 1969 للمخرج نفسه، وهو من تمثيل ستيف ريفز الذي اشتهر في الخمسينيات بتمثيل أدوار هرقل. ومن أجواء ألف ليلة وليلة أيضاً كانت الأفلام المأخوذة عن حكايتي (علي بابا والأربعين حرامي) .
و(علاء الدين والمصباح السحري). وهناك فيلم فرنسي باسم (علي بابا والأربعين حرامي) اخرجه كلود لارا في عام 1954، الذي مثله الممثل الساخر المعروف فيرناندل واشتركت معه سامية جمال، ومن ابرز الأفلام المستوحاة من الف ليلة وليلة حكاية (لص بغداد) التي قدمت قديما في أيام السينما الصامتة في سنة 1924 في فيلم من تمثيل دوغلاس فيربانكس.
ومن الواضح أن السحر والمغامرة هما محوراه الاساسيان، كما أن صانعيه لم يهتموا بالدقة التاريخية بقدر اهتمامهم بخلق أجواء غريبة على المشاهد الأوروبي، فكانت السفينة المنحدرة في دجلة من بغداد إلى البصرة تسير وسط مرتفعات جبلية، وكانت ملابس الكومبارس خليطاً من الملابس الغربية والهندوسية والفارسية.
تتمثل في الأفلام المستوحاة من ألف ليلة وليلة عدة عناصر مشتركة، تحفل بالغرابة، ثم استمرار السحر، ومداعبة الخيال الطفولي. ومنذ قديم كان هناك حديث عن سحر هذا الشرق وغرابته وفنونه. وقد أجهد صانعو هذه الأفلام انفسهم في التفنن في استخدام الخدع السينمائية.
واذا كانت هذه الافلام تقدم صورة غير حقيقية عن الشرق، وغير مرغوب فيها في عالمنا العربي، فإنها في الأقل، تنتمي إلى موضوعات تاريخية ومسلمات مسبقة، وبالتالي فإن خطرها أيسر من الأفلام الغربية التي تتناول عالمنا العربي المعاصر.
الشخصيات العربية في الأفلام التاريخية
من النادر أن تظهر شخصيات عربية في الافلام التاريخية التي تتناول شخصيات حقيقية من التاريخ القديم أو القريب. والقليل منها، يهتم أساسا بشخصيات من التاريخ الأوروبي لحياتهم مساس بالعرب. ولعلنا لا ننسى كي تناولت هوليوود تاريخنا عندما قدمت صلاح الدين الأيوبي في فيلم (ريتشارد قلب الأسد) كشخصية مهزوزة.. بدون أبعاد، وجردت هذه الشخصية العربية من تاريخها المجيد وجسدته كبدوي يصرخ مثل طرزان ويخطف النساء مثل رعاة البقر ويقع في غرام فتاة شقراء لها صفات لا تمتلكها فتاة عربية.
هذا بالنسبة لتاريخنا، اما عن حاضرنا، فأرادت ان تعبئ الرأي ضد العرب من خلال فيلم (لورانس العرب) 1962 اخراج ديفيد لين، فيتحول الجاسوس البريطاني (لورانس) إلى أسطورة حية للسوبرمان الأبيض الذي يكره بلاده ويحب الصحراء العربية، وبفضله انتصر الملك فيصل على الاتراك وطردهم من الجزيرة العربية.
ولا تنسى هوليوود أن تشوه حركة التحرير العربي، فتناولت الاحداث المرتبطة بثورة السودان 1883 لأجل ابراز مواقف زائفة للجنرال الانجليزي، وحولت الثوار إلى مجموعة من الحمقى والخدم وتجار العبيد. أما موضوع الثورة فقد عولج بضعف في فيلم (الخرطوم) انتاج عام 1966.
كما تنبغي الاشارة إلى الفيلم الفرنسي (الاغتيال)، اخراج ايف بواسيه، الذي تناول قضية اغتيال المناضل المغربي (المهدي بن بركة) على يد الجنرال أوفقير، ولكن بأسماء مستعارة. وقد تجاهل الفيلم المواصفات التاريخية للحدث واهتم بالجانب التشويقي على حساب المواقف الأخرى، لكن الفيلم لم يحمل نوايا سيئة مكشوفة كالأفلام السابقة الذكر.
النظرة العنصرية للصهيونية
اما الأفلام التي تدور حول القضية الفلسطينية، فقد حرصت هوليوود على تنفيذ ايديولوجيتها التي تعمل على تكريس فكرة الاحتلال في اذهان المشاهدين. لهذا نجد أن هوليوود جنّدت ماكنتها الضخمة لصناعة أفلام تخدم السياسة الأميركية. فهي لم تصور العرب إلا كقتلة، مثلما فعلت في السابق مع الهنود الحمر وكما تفعل دوماً مع الشعوب الأخرى. لذلك فإن هوليوود انتخبت في الآونة الأخيرة مجموعة من الافلام لهذا الغرض، منها فيلم بعنوان (12 ساعة في ميونيخ)، اخراج ويليام كرهام بطولة فرانكو نيرو ووليم هولدن، وهو عن عملية ميونيخ الفدائية.
وخطورة هذا الفيلم يعتمد على مادة وثائقية وينطلق من فكرة معاداة العرب وتصويرهم كإرهابيين، والفيلم الثاني هو بعنوان (يوم الأحد الدامي)، اخراج جون فرانكهاير وبطولة مارتا كيلر وروبرت شو، وتدور احداث الفيلم حول وصول فتاة إلى أميركا لغرض القيام بعملية تفجير ملعب رياضي ثم تتكالب عليها المخابرات الأميركية والاسرائيلية من أجل انقاذ الجمهور. وفيلم (قراصنة الجو) يشبه هذا الفيلم إلى حد بعيد. وكذلك فيلم (انتصار على عينتابي) اخراج مناحيم جولان، و(90 دقيقة في عينتابي) اخراج جورج روي هيل، و(عملية بوناثان) اخراج فرانكلين شافتر.
المفاهيم النمطية السائدة
كثيراً ما يطرح المخرجون الأوروبيون مشكلة العربي بصورة هامشية للغاية، لكن هذا الطرح الهامشي يؤدي مفعوله في التأثير على العقل الأوروبي.
وهذا الطرح الهامشي نلاحظه في العديد من الأفلام الحديثة التي تعرض علينا مؤخراً. في فيلم (لالونا) ـ القمر ـ للمخرج الإيطالي بيرتولوتشي يعالج ابرز مشكلة تواجهها أوروبا وهي مشكلة تفشي المخدرات بين الشباب الأوروبي واخطار الهيروين على سلوكهم ومجرى حياتهم المستقبلية، ومن المعروف ان المخدرات متفشية بشكل واسع بحيث يعجز المجتمع الرأسمالي عن معالجتها وايقافها.
ولكن السؤال الذي نطرحه على بيروتوتشي هو: لماذا اختار شخصية العربي لكي يكون بائعا للمخدرات؟ يحاول بيرتولوتشي ان يبرر الدوافع الاجتماعية ـ الاقتصادية التي دفعت بالشاب المغربي مصطفى إلى امتهان بيع المخدرات، اذ يبرر مصطفى عمله هذا للحصول على المال للعودة إلى وطنه.
ويكشف لنا المخرج الاستغلال الذي يعانيه مصطفى من قبل تجار المخدرات الكبار، اذ انه لا يتقاضى سوى نسبة ضئيلة من الأرباح، ومن خلال بيع المخدرات للشاب الأوروبي الصغير (جو) تتكون بينهما علاقة صداقة حالما تكتشفها أمه «كاترينا» وتذهب للتعرف على مصطفى.
إلا أن بيرتولوتشي يبرر هذه الشخصية بقوله: «شخصية مصطفى مهمة جدا بالنسبة لكاترينا، لذلك نراها تقصده، وتجد حضوراً أو بالأحرى تجد في مصطفى غريما لحبها الامومي، أو أنه الشخصية المزدوجة لابنها، مصطفى ما هو الا انعكاس لابنها.. انه الوجه الثالث لشخصية «جو»، اشارة إلى بازوليني الذي بحث من خلال السينما عن البراءة المفقودة في ايطاليا.
شخصية «جو» موجودة في روما، في الصور التي منحتها لهذه الشخصية نجده بالتالي ينتقل إلى عالم مشرقي غريب في احلامي، في اناس الشرق الذين يمثلون لي دائما براءة الغرائز. وعلى الرغم من ان بيرتولوتشي ليست لديه مواقف معادية للعرب سواء في مقابلاته أو أفلامه، لكنه باختياره شخصية العربي كبائع للمخدرات ومصدر لتفشيها في أوروبا لا يصب في النهاية الا في الدعاية الصهيونية العنصرية التي تسعى على الدوام إلى تشويه وترسيخ المفاهيم والافكار الخاطئة عن العرب.
ولذلك ربما لاقى الفيلم دعما وترويجا واسعين في أوساط النقاد الغربيين لأسباب واضحة، وخاصة إذا ما عرفنا ان الفيلم من تمويل أميركي، ان امام بيرتولوتشي، بلا شك، الوجه الناصع الآخر لشخصية العربي الذي يعيش في المجتمع الرأسمالي، ويتحمل بالتالي كل أمراضه، وهو صامد في قلب مجتمع مريض. ونكرر ثانية: لماذا شخصية العربي؟
فهناك كل قوميات الدنيا على أرض أوروبا! فهل من المعقول ان الشاب العربي مصطفى هو الذي يفسد عقلية الشاب الأوروبي، ويزوده بجرعات يحقن بها ذراعه، ان تفشي المخدرات في أوروبا ما هو إلا مشكلة ترتبط بكل البناء الفكري والاخلاقي والاجتماعي لهذا المجتمع.
اما في فيلم «الجلد» للمخرجة الإيطالية ايضاً ليليانا كافاني، فقد حاولت ان تظهر الجنود المغاربة كونهم لا يعدون ان يكونوا اكثر من بلهاء ولوطيين ووحوش! ففي مشاهد من الفيلم نرى الجنود المغاربة يتعاملون مع الامهات الايطاليات لمضاجعة اطفال في العاشرة من أعمارهم..
وهم يتفحصون مؤخراتهم كما لو أنهم يشترون خرافاً!! وتحتج على هذا التعامل (اللا إنساني) «ديبورا» الارستقراطية الأميركية القادمة من بوسطن! هذا الموضوع جانبي للغاية في فيلم كافاني الذي تتبع فيه حياة الدمار والفقر والدعارة التي تعاني منها مدينة نابولي منذ احتلالها حتى ساعة تحريرها. ويطرح هذا الفيلم وافلام اخرى العرب بشكل هامشي. كما ان هذا الطرح النمطي يلقى تشجيعاً كبيراً في الغرب الأوروبي الذي شكل معظم خلفياته الفكرية من خلال هذا الطرح، سواء في السينما أم الأدب أم الفنون الأخرى.
ومن خلال متابعتنا لعدد كبير من الافلام لا يسعنا الا ان نقول ان الدعاية الصهيونية قد أحرزت نجاحاً كبيراً في هذا المجال، وهو الأمر الذي يستدعي مواجهة جادة لها. ولعل فيلم «براءة المسلمين» خير دليل على التشويه المقصود من ورائه، وهو الذي أثار موجة غضب عارمة وعنيفة في العالم العربي. ولا يزال هذا الفيلم غامضاً لحد الآن، ولم ينشر منه سوى 13 دقيقة في فيلم يوتيوب على الإنترنت.
نموذج «الجمل»
ساهمت نكسة يونيو 1967، في إفراز سينما نشطة متسمة بايديولوجية عنصرية متغطرسة، اتخذ الطرح السينمائي الصهيوني منحى آخر لكنه محافظ على الأسس التي ذكرناها تجاه صورة الإنسان العربي وسنعطي مثالاً على ذلك فيلم «الجمل» الذي أنتج عام 1968 وهو قصة وسيناريو وإخراج اوسامونا كاهاسن: عطا الله طفل بدوي من قبيلة صحراوية يقابل الطفلة أورلي من أحد الكيبوتسات» المتناثرة في الصحراء.. وتنمو بينهما صداقة من خلال الجمل الذي يملكه عطا الله والذي تنفر منه اورلي في البداية.
* روائي من العراق يعيش في دبي
( البيان )