حقّاً إنه عصر انحطاط ..(يوميات)


محمد علي فرحات *


> الاثنين 15/10/2012: لماذا الانحطاط؟

يبدو العالم الإسلامي اليوم في أكثر عصوره انحطاطاً، على رغم احتشاد الإسلام السياسي في وسائل الإعلام وفي الحراك اليومي للمجتمعات.

وإذا تجاوزنا الخفة في أحاديث إسلاميين وكتاباتهم (يفتقد معظمهم الكتابة الصحيحة كأنهم لم يقرأوا القرآن ملياً واكتفوا بسماع آياته من الميكروفونات في مهرجانات يعوق ضجيجها حسن السماع)، نلمح خوفاً على الإسلام من هجمة هؤلاء الإسلاميين، خوفاً يلفت انتباه مفكرين وباحثين لا شك في علمهم وفي أمانتهم وفي نقاء وجدانهم. من هؤلاء رضوان السيد الذي يعلن منذ أشهر خوفه على الدين الإسلامي من هجمة إسلام سياسي يخلط بين الدين والأمة ويقدس تفاصيل تشريعية ارتآها فقهاء القرون الماضية لأحوال مجتمعاتهم. هكذا يتعرض مسلمو اليوم لغزو يتذرع بشعار الإسلام ليضرب إيمانهم ونسق عيشهم، ليدفع الأمة الى حروب غير متناهية بين أمراء ينسب كل منهم الى نفسه الإسلام الصحيح ويريد فرضه على خصومه كما على عباد الله الصابرين.

خوف على الدين يعلنه رضوان السيد في زمن صعود الإسلام السياسي المتعدد الألوان والمشارب والهيئات، أكثر مما هو خوف على الدولة وإدارة الشأن العام اللتين يتصدى لهما الغزاة الجدد على قاعدة الإلغاء ثم الاختلاف على البدائل.

وتصل الأمور في عصر الانحطاط هذا الى درك لم تعرفه مجتمعاتنا من قبل، فقد رأينا وسمعنا في قناة تلفزيونية مصرية رجلاً قيل إنه دكتور وقيل إنه شيخ، مع أن لباسه مدني، وبدا الرجل ضاحكاً تلمع عيناه برغبة جنسية واضحة حين يسمع التأييد عبر الهاتف لموقفه المسيء الى شرف مصرية معروفة، ويزداد لمعان عينيه حين يتلقى الإطراء فيتخيل عري الممثلة كراغب لم تتحقق رغبته، ويذهب الشيخ الضاحك مع مؤيديه الى تعميم إفتراءات على أهل الفن بأنهم عراة في بيوتهم وعلى الطرقات.

هذا التعدي المفتوح بلا دليل، لا مجال لعلاقته بالإيمان الإسلامي، انه مفارقات تحدث لأبناء الريف لدى وصولهم الى المدينة للمرة الأولى، شاهدنا نماذج منها في أفلام مصرية (العمدة الساذج ضحية المحتالين في المدينة)، وقبل ذلك في روايات أوردها الأصفهاني في «الأغاني».

لا علاقة للإسلام بمثل هذه المفارقات، لكن القناة التلفزيونية المصرية وبطلها الشهواني يقحمان الدين في الرغبات المقموعة من دون وازع من إيمان ومن ضمير.

مظاهر الانحطاط كثيرة، وهي ترفع بيارق دين يحتاج الى من يدافع عنه في عصر الانحطاط الذي نعيش.



> الثلثاء 16/10/2012: عالم الصور

صوَر العالم تحجب العالم، نلعب بالصور تكبيراً وتصغيراً وتقطيعاً وتجميلاً وتشويهاً، لكن العالم الحقيقي خارج أيدينا، يحتاج عواصف أو زلازل أو تحديثاً عملاقاً لتغيير قليل لا يلفت الانتباه.

يبقى العالم الحقيقي متروكاً للفقراء يحفرونه بالمعاول، بأيديهم، وأحياناً بأسنانهم، بحثاً عن بذور لم تنبت، عن ذهب ضيعه عابرون.

جلد الفقراء من جلد العالم، يلبسون ثياباً لا يستعيرون جلداً، يقرأون الأوراق الصفراء والتي لم تضربها الشمس بالصفرة.

نقرأ، لا نكتب، حتى نتشبه بالقواميس. تقع المفردات من آذاننا كما العملة المعدنية من جيوب مثقوبة. كم تشبه المفردات التراب، إنها حقلنا الثقافي الذي نألفه جيلاً بعد جيل.

نقرأ لا نكتب، حتى إذا كتبنا تصيبنا حمّى الإبداع ونغادر أرضنا، أهلنا، عالمنا، الى الصورة.

فجأة، نصبح جزءاً من الصورة، بشراً لا يتنفسون، الى الأبد لا يتنفسون.



> الأربعاء 17/10/2012: كيف الصحة؟

ليس حكمة هدوء هذا الصوت، وقد يكون علامة ملل. لا تكفي محادثة الهاتف، صوت بلا شفتين ليس صوتاً، وأين اللهاث من شوق، من تعب، من رغبة في الملامسة؟

الحب الغريب هذا، مرة في الشهر ومرة في الفصل ثم في نصف سنة. العالم المتقارب لا يستحق الفراق.

الرصيف رمادي هناك والشجرتان تعلوان البنايات القديمة، وينشر الخريف ألوانه مبقياً الكثير من الأخضر. لا تكتمل النهايات لأن الحياة باقية، مع ذلك تلبسين معارضة الفصول، ويكاد الصيف يغلب على أزيائك، يخجل الشتاء ويحبس أمطاره.

العجوز باق في محلّه/ الزاوية وطاولتنا تنتظر، ما من مرة سرقها غرباء. أنا وأنت من أهل الحي الصارخ بالإيطالية ونعرف لياقته الانكليزية، عميقاً نعرفها، رجلاً وامرأة، زميلين أو صديقين، ولكن، يوزعان ماء الحب على العمر المديد. كل نهار بدء وكل ليل اكتشاف أول.

الضجة سرّنا والهدوء نهديه للعالم. كيف الصحة؟ لقد تبدل السؤال، هل يجف ماء الحب أم يصير وطنياً؟ المطر هنا ليس المطر هناك، والسماء تقسمت والغيم يعبر الحواجز بصعوبة.

لا تسألي عن الصحة، ذلك فأل سيّء، عندما أحادثك والتلفزيون يعرض مسلسلاً لقاتلين ومقتولين.



> الخميس 18/10/2012: قضية مشتركة

ليلة بلا نوم. الابن يفتتح شبابه بالخيبة. شهادة جامعية وما من عمل. انها مشكلة معظم المتخرجين، نقرأ عنها ونسمع، لكنها الآن في البيت.

ليلة بلا نوم مثل آباء كثيرين. العائلات تتشابه والمشكلات واحدة.

الابن الشاب يفتش عن عمل في لبنان والعالم العربي وأوروبا وشمال أميركا، مستنداً الى جوازي سفره، الأوروبي والأميركي. سيخفف من شروطه ليقبل أخيراً أي عمل. قليلون يعملون في اختصاصهم. الدراسة ثقافة شخصية. هكذا كانت منذ اليونان القدماء وستبقى.

المهم العمل، وأن لا يغرق الشاب في إحباطه ويتردى في الحسد والكراهية، كما يتردى غيره ويصبح مشكلة لنفسه ولأهله وللعالم.

ليلة بلا نوم؟ لا خصوصية، لأن البشر أخوة في العمل وفي التفتيش عن عمل.



> الجمعة 19/10/2012: أوراق السيدة سمية

أعاود قراءة «أوراق النرجس» لسمية رمضان (منشورات مكتبة مدبولي – القاهرة). الكاتبة المصرية تفتح لكل قارئ باباً في روايتها المزيج من واقع وحلم، من أبعاد الذات وأبعاد الذين تختارهم. الشعرية تكتنف الرواية حتى تختلط الحدود. الأشياء دائرية، تتحول ولا تنتهي. ولهذا ختام الرواية باب يفتح على بياض ويدعونا الى ملئه:

«التفتّ فالتقطتُ وجهي في المرآة فوق التسريحة. مياه المرآة متعرجة، تتماوج، تتطلع إليّ، تراوغني كالزئبق، أراها ولا أراها، أستمســـك بمظاهر وجـــودها، كأنها قدت من ماء. وتنسرب من عيني شعاعاً رقراقاً كانت تسحّه بصيرتها القاسية، فأسترجع صدى توسلاتها المسحورة، وتحول نبراتها وهي تدعوني:

– أنت فقط، وحدك، تستطيعين. أنت دون الناس جميعاً. أنت فقط تخلصينني، تخلصيننا.

… المحو وإعادة الكتابة على نفس الرقعة.

أكتب وأمحو وأكتب. ماذا لو قرأ أحدهم هذه الأوراق قبل أن… تكتمل؟ الكتابة أبداً لم تكتمل ومع هذا يقرأها الناس! كيف يكتمل الشيء إلا إذا مات؟ هذه بديهة. كل شيء ما دام حياً، لا بد أنه في طور ما. فقط عندما نموت نكتمل. أو عندما يميتوننا في الكلمات. أحباؤنا الذين يصرون على الاحتفاظ بصورنا هكذا أو على هذه الشاكلة أو تلك. أو عندما نميت أنفسنا فيحلو لنا أن ندّعي أننا كنا على هذه الشاكلة أو تلك، أو ما زلنا. لأن هناك شيئاً يغوى في النهايات، إغواء أن نضع نقطة النهاية بأيدينا، نميت أنفسنا بأنفسنا. نختار العدم بديلاً. العدم أرحم. ذلك الآخر يتطلب ألا ننتهي أبداً… أبداً… أن نمحو ونعاود الكتابة والحياة من جديد، ربما


 


( الحياة – لندن )

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *