نعمات البحيري هل تعودين كي نرى طلاء أظافرك الأحمر؟



إسراء عبد التواب *

أتذكرها الآن وأنا أفتش عنها ويمر رحيلها بخفة وأربع سنوات مضت يوم ودعتنا فى جمعة حزينة وافقت الثامن عشر من عام 2008 ولأن نعمات البحيرى كانت تتمنى الثورة على القهر السياسى الذى إرتكبه النظام فى حق المصريين.فقد كان يوم الجمعة الحزينة ملائمأ تماما لرحيلها هو نفسه اليوم الذى يمثل للمصريين علامة للتمرد بعد إندلاع ثورتهم ليزيح بها النظام السياسى الفاسد.جمعة لم تكن تنتظرها لأنها لا تحب إنتظارالموت فإختطفها وهى تبتسم للقطط التى صارت أبنائها فى شقتها فى الدور12 بالمجاورة 6 بمدينة السادس من أكتوبر،وهى تقاوم مرض السرطان.كانت تنتظرنى كعادتها قبل رحيلها هناك تجلس في شرفتها وتفتح نوافذ شقتها للهواء المندفع بقوة وهدوء يطغى على المكان فيحول الأنس لدفئ حقيقي.

تستقبل كل زوارها بإبتسامة صادقة تعرف أنه رصيدها الوحيد لمواجهه الموت كتبت عن نفسها على صفحتها الشخصية على موقع التواصل الإجتماعي”الفيس بوك”:أعترف أنني كنت صادقة قولآ وفعلأ حد البلاهة”ولأن صدقها لا يناسب مواءمات الحياة ركضت البحيري وراء قصة حب من ناقد عراقى شهيرولم تلتف لخوف أهلها عليها وهم يحذرونها من الدخول فى تجربة غيرمأمونة تركت الحكمة وإختارت صدقها وراء الحبيب.كانت تحلم بفارس عربى يخلصها من قهرعملها كأخصائية بالشئون الإدارية بوزارة الكهرباء لأنها خريجة كلية التجارة ولم يكن لها إحتكاك قوى بالوسط الثقافى بعد تخرجها يؤهلها للإنغماس فيه.ذهبت إلى العراق بإرداة حرة متمردة لتختبرقهرأجديدأ من نوع فريد،وكتبت تجربةعشقها وإنكسارها فى روايتها”أشجار قليلة عند المنحنى”إستقبلها النقاد بحفاوة كبيرة.قال عنها الشاعرالعراقي”عواد ناصر”فورصدورها:أنها رواية لا تتملق أحدأ وشهادة عربية خارج مراسم السيادة الرسمية وبروتوكلات العلاقات السياسية بين البلدين.

سبق صدورروايتهاعدد من المجموعات القصصية منها”شاى القمر”،”العاشقون”،”إرتحالات اللؤلؤ”،”نصف إمرآة”تركت فيها البحيرى بصمتها كإمرأة واعية خطرة تعيش وسط مجتمع ذكورى كل ما يفعله إتجاهها هو إصراره المريض على كبت أحلامها.كان أبوها رمزأ لهذا الإنكسارتحكى لى فى أحد الحوارات التى جمعتني بها ذات ليلة بعيدة:”كان أبي قاسيأ وكنت لاأرى ضحكة ترتسم على وجهه سوى ضحكة سخرية منى”تصمت قليلأ وتعاود التذكر:”أمي كانت الدفئ الوحيد لى”أشاكس ذاكرتها قليلأ”هل تصالحت معه بعد وفاته الموت يفتح لنا نافذة للتسامح”.إبتسمت وقالت:”كان مشروع فنان شاهدته مرة يلتقط الكاميرا ويصوربها مشاهد غاية فى الإنسانية وحينما حاولت التطفل على الصور سحب منى الكاميرا وخبأها .. وقتها أشفقت عليه عندما تذكرت حكى جدتى الفظة القاسية وهى تحدق فى وجهي وتعترف لى أنها أرضعته لبن غوازي ولبن أثداء بنات الغجر.

تعود نعمات البحيري من العراق وهى تهرب من الموت قالت عن تجربتها “رفضت الموت المجاني هناك وتركت كل ما أملك وعدت لبلدى وفى يدى سلسلة ذهب فقط هذا كل ما أمتكلته من الغربة “،لكن سرعان ما يهاجمها سرطان الثدى وتسجل يومياتها معه،وتصير الملاءات البيضاء وأدوات جراحة الأطباء وسلالم المستشفيات بطلات جدد يرسمن سطورا كثيرة فى مجموعتها القصصية”إمراة مشعة”والتى سجلت فيها بوجع يومياتها مع الأطباء وهى ترى نفسها تتحول لمجرد رقم جديد يضاف إلى قائمة المرضى .ينظرون لها ولايهتمون لوجعها فقط يفتشون فى ثديها لتتبع مساره، فلا تجد ردأ على تلك الإهانة سوى بالسخرية من الموت تكتب “البحيرى”بقوة لمواجهته:يبدو أن الإحساس المقيم والمستقر والمتصل بأن المرء الذى لا يحمل مرض السرطان يعيش حياة ترانزيت فوق الأرض يجعله يطلق الصراح لضربات الألم ولا يسكتها فكل المسكنات تبوء بالفشل فيقفز على الألم قفزات هائلة ويستن لنفسه مخارج غير الآهات وعض الأرض ونبش التراب وكأنه بمغامرة يأسه يشق طريق الأمل لغيره.

تبصق البحيري على الأطباء وتذهب إلى شقتها لترتب قصص الورد الملونة وتتأنق وتداعب وجهها بفرش المكياج وتطلى أظافرها بالون الأحمرلأنها مثل جدتها لأمها لا تطيق الحزن والكآبة وتحب كل ألوان البهجة.تضع الطعام فى أوانى قططها الصغيرة وتلتقط ألبومها الشخصى وهى تقلب فيه لتريني كيف كان وجهها جميلأ قبل السرطان أداعبها فى غزل:ولكن وجهك ما زال جميلآ لأنى أراه بروحي.تضحك بقوة :مهما الزمن يضربك لازم تقومي زى الأسد”

* صحفية من مصر

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *