مجيد رفيع زاده *
آصف بيات باحث متميز في الحركات الاجتماعية ونشاط الطبقة العاملة والفقراء وسياسات المكان في الشرق الاوسط وقد صدر له حديثاً كتاب بعنوان “الحياة كسياسة: كيف يغير أناس عاديون الشرق الأوسط” . بيات متخصص في علم الاجتماع وكانت أعماله نتيجة بحوث ميدانية كما أنها، في ذات الوقت، متطورة من الناحية النظرية. وتعد أعماله مقارنة إلى حد كبير ويرجع ذلك لمعرفته الواسعة بإيران ومصر. وقد اشتغل بمنصب مدير أكاديمي في المؤسسة الدولية للدراسات الاسلامية في العالم الحديث والتي أسستها مجموعة من الجامعات الهولندية.
آخر كتبه يعطي منظوراً عاماً عن المشروع الفكري الذي انشغل به طوال العقد الماضي. ويقوم بيات بدراسة حياة الطبقة العاملة الفقيرة وجماعات أخرى تعتبر أقل شأنا في الشرق الاوسط من بينها المرأة . ويلاحظ بيات أن هذه الجماعات كانت قوى دافعة للتغيرات الاجتماعية والسياسية في المنطقة. وبناء على هذا يعرض نموذجاً نظرياً بديلاً لإحدى تيارات العلوم السياسية الأوروبية الأمريكية التي تزعم أن الصفوة السياسية الاجتماعية (الذكرية) هي العامل الوحيد المؤثر للتغير. وكتاب “الحياة كسياسة” عبارة عن مجموعة من المقالات التي نشرها بيات أصلاً في مجلات أكاديمية متنوعة ومجلدات محررة بين عامي 2000 و 2009.
ويشير بيات أنه من خلال نظريات الحركة الأجتماعية السائدة التي صيغت إلي حد كبير من قبل علماء الاجتماع في الغرب, استنتج الكثير من الباحثين بأن حركة الشباب و/ أوالمرأة ليس لها وجود في الشرق الأوسط لأن خصائص هذه الجماعات لا تتوافق مع مبدأ “الإطار”. ويستند هذا الاستنتاج بالتحديد على أنماط أوروبية أمريكية في تطورها التاريخي ونزاعاتها السياسية والاجتماعية . ونظرا لأن نظريات الحركات الاجتماعية هذه تعتمد علي تجارب الغرب يتسائل بيات عن المدى الذي تستطيع فيه هذه النظريات السائدة تفسير تعقيدات وتفصيليات الحركات الاجتماعية السياسية والاجتماعية الدينية في الشرق الاوسط. ويؤكد بيات أن عمل مقارنة بأخذ أحد عناصر المقارنة واعتباره “المعيار” الوحيد بدون التشكيك في “التكوين الأصلي” قد يسبب مشكلة. ولأن “النماذج” الغربية المسيطرة لها أنساب تاريخية معينة فإنه من المثير للجدل اذا كان بامكانها تفسير الدينامية المعقدة للمقاومات والاضطرابات في الشرق الاوسط بفعالية .
ويؤكد بيات فشل النظريات الاجتماعية الغربية السائدة في توليها اهتماما كافيا الي الطريقة التي حرمت شباب المدن في المنطقة ” خلال كفاحهم اليومي المتواضع والهادئ من تخيل حياة جديدة ومجتمعات لأنفسهم ووقائع مدنية مختلفة على أرض مدن الشرق الاوسط … وليس من خلال قنوات المؤسسات الرسمية والتي هم مستبعدون منها الي حد كبير ولكن من خلال النشاط المباشر في مناطق الاستبعاد نفسها. ” (ص 5)
ويجادل الكتاب أن العديد من الغربيين الذين يروجون لفكرة التغير الاجتماعي في الشرق الأوسط مخطئون فهم يفشلون في أن يدركوا قابلية تغير الناس والهياكل الاجتماعية والحركات والثقافات. وقد ساهم “الحياة كسياسة” في وضع تصور للحركات الاجتماعية والواسطة والسياسة في الشرق الأوسط عن طريق إدخال مصطلح ” اللاحركات الاجتماعية ” . ووفقا لبيات “اللاحركات الاجتماعية” تشير الى النشاطات الجماعية لناشطين غير مجتمعين : هم يمثلون مشاركة أعداد كبيرة من الناس العاديين وأنشطتهم مجزأة لكن متشابهة وتؤدي إلى تغير اجتماعي بدرجة كبيرة على الرغم من أن تلك الممارسات نادرا ما يتم توجيهها من قبل ايديولوجيا أو قيادات ومنظمات معروفة.” (ص 14)
وتتطور”اللاحركات الاجتماعية” عن طريق “فن الوجود” و”الشجاعة والابداع لتأكيد الإرادة الجماعية على الرغم من كل الصعاب للتحايل على القيود ، وذلك باستخدام ما هو متاح واكتشاف مساحات جديدة يمكن من خلالها الإنصات ورؤية وشعور وادراك النفس. ” (ص 26) بالنسبة لبيات فإن اللاحركات هي أيضا نتاج “تجاوزات هادئة لأناس عاديين” والتي يسعى من خلالها فقراء المدن من خلالها في الشرق الأوسط الي التعامل مع أثر السياسات الاقتصادية الليبرالية الجديدة والعولمة، وفشل الدولة لتلبية احتياجاتهم. “التعديات الهادئة ” هي “أنشطة لاجماعية لكن مطولة ومباشرة من أفراد وأسر مشتتة للحصول على ضروريات أساسية في حياتهم (مثل الأرض مقابل المأوى والاستهلاك الجماعي في المناطق الحضرية أو الخدمات الحضرية، والعمل غير الرسمي وفرص العمل والأماكن العامة) وذلك بأسلوب هادئ ومتواضع وغير قانوني” (ص 45)
وهناك مثال لللاحركات وهي الطريقة التي تمكنت من خلالها المرأة الإيرانية من تجاوز وتحدي قوة مجتمعها الذكوري على الرغم من محدودية المجالات والفرص لنشاط سياسي مفتوح. هناك أمثلة أخرى تتضمن مكافحة الشباب في المناطق الحضرية لخلق مساحة لنمط حياة “ممتع” وايدولوجيات لا توافق عليها الدولة أو الحركات الإسلامية ؛ مثل ادارة فقراء المدن خدمات مواقف سيارات خاصة بهم ؛ واقامة شباب ايران لحفلات وراء أبواب مغلقة ؛ والتعايش اليومي بين المسلمين والمسيحيين في احدى ضواحي مصر ؛ وارتداء النساء المسلمات الحجاب حسب اختيارهم الفردي ؛ وتعبير الشباب المصري والايراني عن أنفسهم بالموازنة بين الله والمرح والجنس ؛ والطرق التي حولت الأماكن العامة في المناطق الحضرية الي مواقع صراع في أجزاء كثيرة من الشرق الأوسط.
ويقارن بيات هذه الحركات مع الحركات الاجتماعية المنظمة في الغرب من حيث التناقض. وفقا لعلماء الاجتماع الغربيين تنشأ “الحركات الاجتماعية” عن طريق ثلاثة عناصر أساسية. أولا ، يجب أن يكون للحركات تنظيم وتدعيم لمطالبها من السلطات . ثانيا يجب أن تكون لديها ذخيرة من الاداء مثل المسيرات في الشوارع والاجتماعات العامة والجمعيات والتصريحات الإعلامية. ثالثا ،ينبغي أن تكون لدى الحركات مجموعة متنوعة من الأنشطة السياسية وهي “تمثيلات عامة من اجل قيمة القضية ووحدتها وأعدادها والتزامتها” . ومن ناحية أخرى تحمل الحركات الاجتماعية في الشرق الاوسط خصائص مختلفة. أولا ، لديها الميل أن تكون غير ناطقة لكن نشيطة في وجودها. مطالبها مبنية على أسس فردية وليست جماعية تحركها ايدولوجيا مسموعة وموحدة. ثانيا ،على الرغم من فرض الحكومة لعقوبات ، فإن الشعب يمارس مطالبه مباشرة وهذا عوضا عن الحشد والتنظيم تحت يد قادة يقومون بالضغط على السلطات. وأخيرا تجري المقاومة خلال الحياة اليومية وليس من خلال أعمال استثنائية مثل حضور اجتماعات ، أو عرض التماسات ، أو وضع ضغوط . . . الخ.
“الحياة كسياسة: كيف يغير أناس عاديون الشرق الأوسط” كتاب هام يستحق المطالعة فهو عمل قيم نظرا لاسهامه المعرفي في حقل الحياة الاجتماعية المعاصرة في المناطق الحضرية في منطقة الشرق الأوسط. وهو أيضا مصدر ضروري للباجثين والناشطين الذين يسعون إلى الحصول على تفسير شامل وعميق لصراعات الناس المستمرة في الشرق الاوسط من أجل حياة أفضل في مواجهة الظروف الاجتماعية والاقتصادية القاسية ووحشية وقمع النظم الديكتاتورية
* باحث سوري ايراني يقيم في اميركا
( جدلية )