كنت أنا …!


جميلة عمايرة *

 الرجل الذي سُمّي باسمَين اثنَين بالمجاز، لم يكن باستطاعته أن يكون أحدهما كاملاً، فبقي موزعاً بين «الهُنا» و»الهُناك»، مقسَّماً كرغيفٍ من منتصفه، حيث القلب، فسال دمه القاني واستقر في بحيرة لم يجف دمها بعد، مقسوماً بين حلم يتوهج ثم لا يلبث أن يخبو، وواقع سوريالي يجري على مبعدة منه، في المدينة التي علّمت العالَمَ الحرف!
ينبت له شاربان خفيفان بخطّين صغيرَين ناعمَين كزغب طيور وُلدت للتو، بلون أشقر أو أصفر يشبه رأس سنبلة قمح متوهجة بفعل أشعة شمس آب اللهاب، وجهه طولاني، بأنف صغير، بعينين حالمتين ناعستين ترنوان نحو أفق بعيد تطوقه أسلاك حديدة شائكة غليظة، لن يتمكن حتى الطير في سمائه من أن يتوقف فوقه ذات صدفة.
– إلهي: ارفع عني هذه الكأس.
سيقول ذات صباح أحمر نهض فيه متأخراً على غير ما اعتاده في سابق أيامه ولياليه، ولم يجد مدينته، مدينة إقامته المؤقتة، في حلم عودة مباغتة طال سرابها.. سيستذكر من على مقربة منه، مقولته هذه، ومن صاحبه «المعمداني» الذي ضمت رفاتَهُ المدينة، بعد أن بشّر به ولم يره قط، مدينتَهُ التي لم يتعرف لملامحها هذا الصباح. المدينة نفسها التي سترميه ذات صباح نحو الأفق المسيج للمرة الأولى منذ ثلاثين عاماً أو يزيد، غير أنه لم يعرف أنه سيعود سريعاً مرغماً على عودته، كذهابه تماماً، نحو المدينة ثانيةً تاركاً وراءه قلبه.


 


* قاصة من الأردن

شاهد أيضاً

يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت

(ثقافات) يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت حسن حصاري منْ يمُدُّ لي صوْتا غيرَ صوْتي الغائِب؟ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *