أنفاقٌ معتمةٌ


سالم أبو شبانة *


المجنونُ


معي تتأهّبُ السّاعاتُ، تنهضُ متثاقلةً. وظلِّي مشبوحًا على الجدارِ، كيف احتملني كلَّ هذا العمرِ؟ الغضبُ، اليأسُ، الخطواتُ التي خطوناها معًا؛ بأفكارٍ سوادءَ ومشاعرَ ملتبسةٍ، كتبٍ أرهقتني وآباءٍ وَسَمُوني بالحياةِ؛ ثمَّ قالوا: سِحْ في الأرض، بعدَما قيدوني بحبلِ لِيفٍ، ذكرياتٍ وخرائبَ معدّةٍ سلفًا، بداوةٍ بالانتسابِ. لم أنظرْ في عينِ مَنْ جلدوني بعنفِ محبّتِهم، لأصطادَ السّمكَ من الخُلجانِ وأجفِّفُه أمامَ الشّمسِ الحارقةِ. باحثًا عن اللهِ في حقولٍ شاسعةٍ، وأكوامِ الورقِ المُتّسخِ بالحبرِ الأسودِ. يا اللهُ أسألُكَ ساقيّ نعامةٍ؛ لأفرّ من الخُرافةِ والقُمّلِ والسّحرِ. وأنا أتململُ تحتَ ذراعِ أُمّي ، بعرقي ودموعٍ مالحةٍ شربتُها حتى تشققتْ شفتاي. قفزتُ من هذا المستنقعِ إلى حدائقِ الخيالِ، ودخلتُ تجربةَ الله بلا تجربةٍ؛ بقلقِ روحي وبرقِ الشّهوةِ؛ أفرّ أوسطَ أربعةٍ إلى فوضي الأفكارِ وجحيمِ الأسئلةِ؛ سيتركوني على قارعةِ الطّريقِ وحيدًا ولن يبكوا عليَّ. عادوا لأبي وقالوا: يا أبانا إنّ ابنكَ قد جُنّ، وما كان لنا من حيلةٍ.



شهوةُ الرقصِ


تعالَي أقولُ لكِ شيئًا أيّتها الحياةُ: أنتِ كلبةٌ. هل سمعتِ؟ أنتِ كلبةٌ عنيدةٌ. سأرميكِ بحجرٍ ثمَّ أمشي مرحًا في شارعِ البحرِ. ربَّما ألتهمُ الآيس كريم، أرقصُ مثلُ زوربا على الرّملِ؛ التقطُ صورَ النساءِ بعينيّ. وأنقشُ على الصّخرِ اسمي وامحوه سريعًا. قد يغريني البحرُ بصيدِ الطّيورِ المهاجرةِ؛ تسقطُ إعياءً
بعدَ عناءِ الرّحلةِ. فهل كنتُ طائرًا مهاجرًا مكدودًا، تطاردينني بأنيابِكِ في ماءِ البحرِ أغمسُ قدميّ ؛ تبرزُ تقرّحاتٌ قديمةٌ؛ تفسرُ وفشلَ سيطرتِي على نساءِ البحرِ. أنا رجلٌ برملٍ في ذاكرتِي، أقفُ وثلاثين عامًا قبالةِ البحرِ. ولأنّ الحياةَ احتمالٌ أوغلُ في الغيِّ. فضّلتِ الكلبةُ الشّبقةُ طريقًا بعيدًا عنّي.




اغترابٌ


الصقرُ المتعبُ من التحديقِ في الفراغِ؛ ينتصبُ وحيدًا؛ فوقَ حافةِ البنايةِ محدّقاً في عيونِ المارّةِ شاردًا؛
فارقَ الفريسةَ قلقُها. والخلاءُ العريقُ صندوقٌ يفيضُ: بالأفكارِ، بقايا الطّعامِ، الهّوسِ، الأسلحةِ الخفيفةِ والثقيلةِ، الأعضاءِ البشريّةِ، المرابين، المافيا، والأعلامِ السوداءِ؛ وما زالتِ اليدُ الكبيرةُ تعملُ، تزرعُ النفاياتِ، الأحقادَ، البناياتِ الشاهقةَ، وأنهارَ العطنِ في الفرودسِ الأبديِّ. تحطُّ الأجنحةُ بغابةِ الأسمنتِ
ولا تطيرُ؛ إلى أين سينمو السّرطانُ بجسدِ الصّحراءِ المُنهَك؟




* شاعر من مصر

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *