وسط أجواء احتفالية دافئة، وبحضور للأميرة عالية الطباع، وكذا حضور وزير الثقافة د. صلاح جرار، وبالتعاون مع الجامعة الأميركية ورعاية وزارة الثقافة أطلق رواق البلقاء مساء الخميس الماضي في فندق كمبينسكي بالبحر الميت، وبرعاية منه، حفل توقيع كتابه الذي حمل عنوان «القدس مادبا» ضمن مشاريع مدينة الثقافة الأردنية.
الاحتفالية التي أدار فقراتها مؤسس رواق البلقاء خلدون الداود، تضمنت تنوعاً زاخراً بالفن والجمال. وفيها ألقى كثيرون كلماتٍ وأضاءوا أسئلة، وحرّكوا ساكناً، وتفاعلوا مع الزمان المفعم بعبق البحر الساكن أخفض بقعة فوق الكوكب، والمكان المطل على القدس وجوارها من جهة الغرب، ومادبا ومعالمها ومعانيها من جهة الشرق.
عرض أزياء تراثية بروح معاصرة، صممتها نجاح أبو هنطش وأشرقت على عرضها ومعها عارضاتها لانا بشارات، نص مكان أسسه وحلق فيه الشاعر جلال برجس ابن مادبا والناشط في عامها الثقافي، صور للمناسبة وللإطلالة المشرقة على القدس التقطها المصور الفنان عبد الرحيم عرجان، لوحات وأعمال تركيبية في المقدمة منها عمل تركيبي اجتمعت فيه الألوان مع حجارة البحر الميت، وملحه وطينه ونشيده الأزلي، هذه وغيرها، بعض جوانب الاحتفالية وفقراتها، من أجل كتاب مهم على صعيديّ المبنى والمعنى.
رئيس اللجنة العليا لمهرجان جرش أكرم مصاورة، ومعظم مثقفي مادبا، كانوا من بين حضور الاحتفالية، وكذا إعلاميون وفنانون وأصدقاء ومعنيون بالشأن المقدسي وشقيقه المادبوي.
النائب السابق والفنان التشكيلي رائد قاقيش ألقى في السياق كلمة، تحدث فيها عن دور الجامعة الأمريكية في الأردن بالاحتفالية، وكذا مدير فندق كمبينسكي ألقى بدوره كلمة أشار فيها إلى الشراكة الدائمة والمهمة بينهم وبين رواق البلقاء. طالبة من الجامعة الأمريكية ألقت هي الأخرى كلمة، وحفرت وعداً، وأضاءت في الفضاء شمعة.
كاتب نصوص «القدس- مادبا» الشاعر جلال برجس ألقى كلمة رائياً فيها أن الكتاب يمثل خط دفاع نهائي عن قيم الحب والعدل والجمال والسلام، وبالتالي عن القيمة الجمالية والإنسانية للمقدسات. برجس ذكر أن الكتاب يأتي في مرحلة حساسة وأحداث محيطة، وإساءات مقصودة ومبرمجة. وقال «وأنا مستغرق في نصوص الكتاب، رأيت القدس ومادبا على خط أفقي واحد، تربطهما وشائج تاريخية ووجدانية وشعرية واحدة. وعبر خط الأفق هذا تتعانق أجراس الكنائس مع مكبرات المساجد». وفي سياق وصفه لحظات التجلي والكتابة، يقول برجس «من على جبل نبو تخرج الأماكن وتتعانق بحيث يصبح التاريخ أكثر نقاء وكذا الجغرافيا والمعنى كله ودروب الإنسانية جميعها». ليختم بالقول «الجمال والحب هما أنبل الأسلحة التي من شأنها أن تعزز إنسانية الإنسان وترتقي به وتسمو».
«البشارة بدأت من المستشفى الجامعي»، قال إيلي من الجامعة الأمريكية في بيروت في سياق استعراضه طبيعة مشاركتهم في الاحتفالية، بشارة العمل الإبداعي المشترك، الذي شارك فيه أطباء وأنتجوا 300 لوحة. يوضح مشيراً إلى مشاركة طلبة من مختلف التخصصات.
مؤسس الرواق خلدون الداوود، قال: إن الرواق يحتفل بالربيع العربي بطريقته الخاصة، وهذا الكتاب الذي صدر ضمن مدينة مادبا مدينة الثقافة الأردنية يمثل قراءة لروح المكان في تشكلاته التاريخية، وبوصف المكان نصاً ينطوي على رواية يحملها الإنسان في وجدانه، ويعيد تشكيلها وفق متخيله بحب.
ومادبا هي المكان الذي يطل على جبال القدس، وفيها رأى النبي موسى القدس، وزارها يوحنا المعمدان، وأي حاج يأتي إلى مادبا سيقف على سفوح مادبا لرؤية القدس.
مصممة الأزياء نجاح أبو هنطش أعربت عن سعادتها واعتزازها بالمشاركة في الكتاب، لافتة أن للتطريز في الأردن وفلسطين تاريخ عريق، ويمثل هوية، كما يعبر عن مشاعر الناس وتراثهم ، وهو يمثل أيضا نوعاً من التدوين البصري للبيئة في الأردن وفلسطين، وهما يشتركان في التراث والتاريخ الواحد.
الكتاب جاء باللونين الأبيض والأسود، وبما احتواه في 300 صفحة من القطع الكبير يمثل نافذة تنفتح غرباً لتطل على شرفات القدس، وسفح ينهد على جبال مادبا، وهو في مثابة رحلة تقيم في المسافة بين المدينتين، تحمل الحكايات والقصص والأساطير التي حاول مؤسس الرواق حملها بين ثنايا السفر.
في الكتاب الجديد (المجلد)، كان صاحب الجدارية محمود درويش حاضراً في الغياب من خلال مقاطع شعرية تناجي القدس التي تلوح منائرها من الفحيص ومادبا وكل المدن الأردنية المطلة على النهر المقدس.
كان ممن شاركه الحلم فنانون عرب وأردنيون وأجانب، بمقترحات تنضاف إلى المكان باللون والإبرة والحرير والصورة، ومنهم: هاني الدلة محمد العامري، فادي الداوود، خلدون الداوود، فؤاد أبو عساف، ناديا بسيسو ، عتاب حريب «سوريا»، حازم الزعبي، حكيم العاقل «اليمن»، حسين نشوان، سهيل بدور «سوريا»، غاندي جيباوي، سعد يكن «لبنان»، عبد الرحيم عرجان، ستيبا، فرغلي، «مصر» بهجوري «مصر»، وداد الأورفلي «العراق»، آدم حنين، وسام زاكو، لؤي الداوود، محمد خليل «فلسطين»، سيروان باران العراق وشادي الداوود، ومجموعة من طلبة الجامعة الأميركية
الشاعر الفلسطيني سميح القاسم كتب: على نوافذ القدس الأسيرة تنمو ياسمينة غير مرئية الآن، لكن حضورها الإلهي الإنساني يقول توقه الساخن كالدم، إلى شمسنا الطالعة على رقاب الشهداء وسواعد المناضلين، محروسة بملائكة الورد والسنابل، عيون لا تنام، معانقة حلم يقظتها، رافعة القرابين إلى المذبح المقدس، مذبح يقظة حلمها وخفقان رايتها على أرضها الحرة، وتحت سمائها الحرة بمشيئة الله وإرادة الإنسان الإنسان.
القاص مفلح العدوان، كتب تحت عنوان:»القدس إشراقة الروح»، تهزني مهابة التاريخ، وكأنني أعود إلى تخوم تلك المرحلة ، حيث أرى ملك المدينة(ملكي صادق)، الذي وسع القدس، أتبع خطاه وقد أطلق عليها اسم أور سالم، مدينة السلام، ومنذ تلك الأزمنة، مرت عليها أقوام كثيرة، وأعيد بناء المدينة أكثر من 18 مرة عبر تاريخها الثري.
الشاعر جلال برجس اختار عنوان: «نوافذ مادبا تحرس القدس»:
يا مادبا لم نأت من فراغ، ولن نذهب للفراغ، تماما مثلك أيتها الشجرة الفسيفسائية الطالعة من تراب التاريخ،.. في بيت بنافذتين على جبل اسمه «نيبو» أطل على القدس، فأصاب بعدوى الحنين، وتصاب روحي بالكلام…
هنا في نحر نيبو بيت بنافذتين، وهنا أنا، وهناك أنت..
عندما تطل الشمس، وهي تجيء لك كقرص ذهب كوني مسجى على عربة الكون التي تجيء من الشرق تجرها أحصنة الصباح الأسطورية.. في حالة المدن الصباحية ، كطائر الفينيق، تولد أبجدية من أبجدية، ويولد حجر من حجر، يولد ماء من ماء، يولد حب من حب…
الصورة شعر، قصيدة تطرق باب العين، تخربش على جدار البؤبؤ بضع كلمات على محمل المجاز..
( الرأي )
الصور: خلدون الداوود مدير عام رواق البلقاء، صفحة من كتاب القدس ومادبا، جلال برجس