من سيقتل شهريار ..؟؟


سعيد الجريري *

ثقافات


إشارة:



علاقة التجاور المكاني بين العنوان واسم كاتب المقال، ليست حاسمة في تركيب السؤال وإجابته:


– من سيقتل شهريار؟!
– سعيد الجريري.
غير أن الكاتب والآخرين جميعاً معنيون بالإجابة عن هذا السؤال الجوهري والتاريخي، فبدون الإجابة الواقعية عليه، ستظل إعادة إنتاج زمن شهريار وشهرزاد، مفتوحة على إجابات ملغومة بالبلاهة التاريخية.

لا يبحثون عن ( هيفاء ) ذات العشرين كتاباً:
بمجرد أن تكتب “هيفاء” في محرك بحث السيد “جوجل” على شبكة الانترنت تنفتح أمامك روابط صفحات عن هيفاء ضربت شهرتها الآفاق، هي فتاة الإعلانات “هيفاء وهبي” التي أصبحت بين عشية وضحاها “مغنية” تكرسها في أقطار الدنيا العربية فضائيات وشركات إنتاج ويلاحقها متعهدو حفلات، ويتابع أخبارها الملايين المحرومون بصور شتى!.



وتلك صورة من صور البؤس أو الخواء العربي، الذي يعبث بروحه مالكو الفضاء والأقنية، إذ يسطحون الوعي والذائقة، ويخاطبون الغرائز الفردية والجمعية في المجتمع العربي الذي تعبث به السلطة والمال والمذهب، وتتجاذبه، بكيفيات متعددة، في عملية تدويخ تاريخية، تفرغه من عناصر قوته، وتلهيه بالهامشي، والعابر، انسجاماً مع هيمنة النمط الاستهلاكي، تكريساً لاستراتيجية السوق العربية وعلاقتها الطفيلية التابعة، والمراد لها أن تظل تابعة أبداً.
غير أن البحث عن هيفاء أخرى على النقيض من هيفاء وهبي، يلزمك أن تكتب اسمها الثنائي، فالانشغال عنكبوتياً بتتبع أخبار هيفاء وهبي ( وفضائحها) يفوق العناية بمعرفة جديد وإبداع هيفاء أخرى، على ضفة مغايرة تماماً، كأن تكون مثلاً: القاصة والروائية “هيفاء بيطار” ذات العشرين كتاباً.



كثيرون في هذا البلد العربي أو ذاك لا يعرفون هيفاء بيطار، أو لم يسمعوا بها أصلاً، لكنهم إن مر بأسماعهم اسم هيفاء انفتحت أمام أنظارهم ومحركات بحثها، صور هيفاء وهبي وهي تتغنج صوتاً وتتماوج جسداً بطريقة لا صلة لها بالفن الحقيقي أو الغناء في أدنى مستويات أدائه.
ولعل تكريس صورة هيفاء وهبي ونموذجها يعود إلى ذهنية الرجل العربي الشهريارية في إعادة إنتاج زمن الجواري والمحظيات اللواتي يكنّ في مرمى رغبات شهريار وشهواته، بالتساوق مع هيمنة رؤوس الأموال المتطفلة على الاقتصاد العالمي والمرتهنة لدولابه ارتهاناً ذليلاً مذلاً، يعمل على سحق القيم الإنسانية الحقيقية، ولا يُبقي للإنسان العربي سوى اللهث وراء اليومي وشيء من الذات والملذات العابرة، في مشهد ضاج بالمفارقة تتصدره صور الفقر والعوز والعجز والتخلف والتبعية والإحساس باللاجدوى، وبالموازاة معه تبدو صورة شهريار المعاصر منفوخاً بفساده وهزائمه وسايكولوجية العبد المستبد التي يصدر عنها.



إن نمط هيفاء وهبي وخلفياته، ثقافياً واجتماعياً وسياسياً، عنوان بارز في واجهة مرحلة حامضة من تاريخنا المعاصر، لكنه وإن بدا متسيداً بفاعلية الوسائط الإعلامية المهزومة، ليس هو العنوان الوحيد فثمة عناوين ومتون يحاول الطفيليون تغييبها من المشهد، لكنها تظل تشق مجرى النهر عميقاً.



جمانة حداد تقتل “شهرزاد”:


لشهرزاد في الخيال الشعبي صور تتفاوت عمقاً وغوراً، فهي الفتاة التي روضت شهريار بما أُوتيت من ثقافةٍ وظفتها لإنقاذ حياتها ( وحيوات عذراوات أخريات في مدينتها !!) من قتل محتوم، إذْ عمدت إلى تشويق شهريار الذي تعود أن يتزوج عذراء كل ليلة ثم يقتلها؛ لمعاقبة بنات حواء جزاء خيانة زوجته التي أحبها. فكانت تروي لشهريار الملك حكايات مسلسلة إلى قبيل الفجر، فتسكت عن الكلام المباح في لحظة تشويق، كما هي في ألف ليلة وليلة.
وقد ألهمت قصة شهرزاد الكثير من الفنانين أشهرهم ريمسكي كورساكوف الذي ألف سيمفونية شهرزاد، كما كانت مصدراً لإلهام الكثير من المؤلفين وصناع السينما والتليفزيون.
لكن جمانة حداد تعترف في كتابها الأخير بأنها قتلت شهرزاد، بل تدون بيان اعترافها عنواناً للكتاب “هكذا قتلت شهرزاد” -2010.



قتل شهرزاد العربية تراه جمانة مدخلاً أكيداً لتحقيق الذات مجردة من كل المعيقات، ولذلك فكتابها أكبر من أن يكون سيرة ذاتية لكاتبة.
لكن السؤال المضمَر أو الموازي هو: من ذا الذي سيقتل شهريار المتناسل في أدق التفاصيل المدمرة؟ بل متى؟


 


* كاتب من اليمن

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *