شهود الزور في الحياة الثقافية العربية


د. حكمت النوايسة *

وقعت عيني وأنا أتصفّح في محرّك (غوغل )  على مقالة للسيد إسلام سمحان كتبها في جريدة الحياة، ولم أكن اطلعت عليها من قبل، والمقالة ذات عنوان مثير: “أدب الشباب في الأردن متهم بالخيانة والتمويل الأجنبي” هكذا، وهالني أن المقالة مستندة إلى مقالة كتبتها أنا في جريدة الرأي، بعنوان “مثقفو التمويل الأجنبي” حيث اقتبس السيد سمحان من مقالتي فقرة، واستعدى عليّ في مقالته بوصفي أنا الذي أدير هذا الاتهام للشعراء الشباب، وأخذ يستطلع الآراء، فخرج بمقالة جعلني فيها ضد حرية الكتابة، وضد الشعر الجديد، هكذا، وهيئ لي أنني من محنّطي ” يجوز ولا يجوز”، ولا أدري كيف لإنسان عاقل أن يفعل مثل هذا؟ وتساؤلي مبني على ما يأتي:
– أنني وقفت مع السيد سمحان عندما حصل معه ما حصل في كتابه الأول، وأشهد هنا زملائي في الهيئة الإدارية للرابطة، وأشهد الشاعر جريس سماوي أمين عام وزارة الثقافة آنذاك.
– كنت في الهيئة الإدارية للرابطة عندما أصبح السيد سمحان عضوا فيها انتصارا لقضيته.
– أنّني طوال مسيرتي المتواضعة كنت مع الشباب، في جنونهم، وخروجهم عن كل مألوف، ولعلّ كثيرين منهم يشهدون بذلك.
– قبل ذلك كنت في لجنة الدفاع عن موسى حوامدة برفقة الشاعر زهير أبو شايب.
– وقبلها كتبت في مجلّة أفكار مقالة نقدية عن ديوان الشاعر زياد العناني “خزانة الأسف” وبيّنت فيها موقفي من التجديد، ومن الشعر الحقيقي، إذ إن زياد العناني من الخارجين في شعرهم عن المألوف، لكنّه خروج حقيقي، وشعره شعر حقيقي، مع أنّه لم تتح له فرصة “التنجّم” التي أتيحت لغيره في سنة أو نصف سنة!
لم أشر من قريب أو بعيد إلى (جنون الشعراء) الذي هو عندي علامة مهمّة للشاعرية، والشعرية، وإنما كنت وما زلت ضد العبث، والجهل بأهم أداة من أدوات الشاعر، اللغة، وضدّ تقصّد الإثارة في الموضوعات الجنسية والدينية غير المبنية على رؤيا جديدة، أو موقف فكري جديد، ذاهبة إلى الإثارة والبحث عن الشهرة، ولديّ كثير منها أحتفظ بها إن أُريد فتح هذا الموضوع من زاوية نقدية خالصة.
على أي حال، أنا الآن، وكثيرون غيري، صورتنا خارج الأردن، من المحنطين، الذين يقفون ضد التجديد، والتطوير، والتحديث، وهو ما فسّر لي عدم نشر أي مادة في المنابر الثقافية الخارجية التي “لنا” فيها “شهود” علينا، باستثناء القدس العربي لأنّ شاهدنا هناك هو الشاعر أمجد ناصر.
هذه الصورة لسنا وحدنا الذين نعاني منها، فكلّ أقطار وطننا العربي تعاني منها، تعوّد العربي أن لا يقدم زميله من قطره نفسه، لكي لا يأخذ فرصته “المُهتبلة”، أو لأنه لا يكتب مثله، وهذا السوء في أحسن الأحوال.
ولي أن أفسّر هذا بتجربة شخصية؛ فقد رشّحنا لمهرجان جرش في يوم من الأيام أحد الشعراء المصريين، فاستشير أحد النجوم بترشيحنا، فقال: “لا يوجد في مصر شاعر بهذا الاسم”. هكذا، وعندما ورد إلينا ذلك الرأي، الشاعر محمد عبيدالله وأنا، قلنا لهم: هذا تلفونه، وهذا عنوانه، وذي أشعاره، فجاء الشاعر “المنفي من الوجود” وشارك في المهرجان، وكانت مشاركته جيدة، ولو اعتمدنا شهادة ذلك النجم لصدقنا بعدم وجود ذلك الشاعر العربي المصري الجميل.
إنّ كثيرين من شعرائنا الجادين المهمّين لم تتح لهم فرصة النشر في الخارج لأسباب “مقرفة” و ” مقرف” الحديث فيها، أردأها أننا خارج الأردن نطحن زملاءنا طحنا غير مسبوق، ونطيح بكل من وراءنا، ونرسم صورة جدّ رديئة للساحة الثقافية في الأردن، ونصوّرها صحراء بلقعا، لا شيء فيها، وليس الثقافة العربية، ومشهدها بحال حسن يتيح لها التدقيق في شهادة الشهود المقبولة شهادتهم في تلك الأوساط، ومراجعتها.
لن أقول ” في النهاية لا يصح إلا الصحيح” إذ ليس هناك نهاية عربية يصح فيها الصحيح في المتاح من المنابر الثقافية العربية العجيبة التي يقف فيها ناقد “حداثي” ليحكّم بين شعراء القبائل! ولن أعزّي نفسي برؤية نقدية عابرة للأزمنة ستنتصر لما هو جاد، وحقيقي، ومجدد، في الفضاء العربي، لكنّني أجدني مصرّا على موقفي من الشعراء الجهلة، والمسترزقين بالشعر، والاسترزاق بالشعر هنا ليس فقط بالمدح، وإنما بالإثارة المقبولة لدى المنظمات الدولية، التي صنعت من الجهلة نجوما، وصنعت من أشباه الشعراء ممثلين لنا في الخارج؛ الفضاء العربي، والفضاء العالمي.
كما أجدني أعيد التساؤل: يا منظمات حقوق الإنسان: كيف الانتصار لحقوق شاعر أو كاتب في الحطِّ مكانة المرأة، وجعلها في خانة الصيد المبتذل، والتشييء الجسدي، أليست المرأة إنسانا له حقوقه؟!
وكيف الانتصار لحقوق إنسان يصادر حقوق الناس في الدفاع عن معتقداتهم، وثقافاتهم، وحريتهم في التعبير عنها؟
أليس لحريّاتنا حدود تبدأ بحريّات الآخرين وفق مونتسكيو؟
ألا يمكن لتماديّ في مدّ يدي أن يهشّم أو يضرب أنف محاوري أو جاري أو شريكي، وفق المثل الأمريكي؟
أسئلة برسم الشك.

* شاعر وأكاديمي من الأردن

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *