السيريلانكية روما تيرن ترصد الحب والحرب في رواياتها


مريم جمعة فرج*

من النادر أن نتعرف كقراء في هذه المنطقة من العالم، على حركة الإبداع الأدبي في جنوب آسيا. والحقيقة، أن هذا الأدب يشكل تجربة ثرية ومميزة بين ما ينتج من إبداع في دول عدة في المنطقة من أهمها سريلانكا.

يكتب المبدعون السريلانكيون بلغتهم المحلية السنهالية وهي اللغة الرسمية لدى غالبية السكان، كما يكتبون بلغة التاميل وهي لغة أقلية، إضافة أن هناك من يكتبون باللغة الإنجليزية، وهي تكاد تكون لغة التعامل اليومي الرسمي لاسيما في المؤسسات الحكومية. وعلى العكس من انتشار كتاب اللغة السنهالية في الداخل، فإن عدداً كبيراً من كتاب اللغات الأخرى كاللغة الإنجليزية، لايجدون الإهتمام الكافي بنشر أعمالهم في بلادهم، حيث غالبية هذه الأعمال لمؤلفين سريلانكيين مقيمين في الخارج. إلا أن ما يلفت الإنتباه إلى هذه التجارب هو ارتباطها القوي بالوطن الأم، وطرحها موضوعات تشكل القضايا الأساسية في حياة المجتمع السريلانكي المعاصر ونضجها على المستوى الإبداعي الفني.

يلاحظ أن موضوعات الذاكرة والمكان والحرب والهجرة، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمستجدات في المجتمع السريلانكي، وهي لدى كتاب اللغة الإنجليزية إن لم تكن مرتبطة أساساً بحياة هؤلاء الكتاب الشخصية فهي واقعية. وبين هذا وذاك تطفو بقوة موضوعات الحب والحرب والمرأة والبيروقراطية والانقسام الطبقي. أما السياسة فهي كالإناء الذي يحوي هذا الخليط، وكلها من الموضوعات الجادة التي يطرحها الكتاب في الداخل والخارج، باعتبارها التحدي الحقيقي الذي يواجهه الحياة في المجتمع السريلانكي في مرحلة ما بعد الاستقلال. والواقع، أن كتابات كهذه تشكل في حد ذاتها مشروعاً ثقافياً صلباً، دون أن يفوتها النضج والتطور على المستوى الإبداعي.

قضايا المرأة

وتمثل قضايا المرأة، جزءاً مهماً من هذا الإبداع، سواء كان ذلك عبر مساهماتها الكتابية أو من خلال ما يتم التعبير عنه حول دورها في المجتمع الحديث. وتتصدر أعمال مؤلفين ومؤلفات منهم الشاعر والروائي والكاتب “سواندا سكوناسيري” مؤلف رواية “أوديسة امرأة منبوذة” و “ميشيل غناوارادانا” مؤلفة رواية “ما الذي يجعل السقف زجاجياً” التي تناقش وضعية المرأة بجرأة و”دايا دسنايك” مؤلف رواية “مسترق السمع” الحائزة جائزة الدولة في الأدب لسنة 2007 والكاتبة والرسامة والمخرجة السريلانكية “روما تيرن” المقيمة في بريطانيا قائمة الأعمال المعروفة لكتاب من سريلانكا وبعض دول جنوب آسيا كالمالديف ونيبال.

وفيما يصل عدد روايات تيرن المنشورة إلى اليوم إلى خمس روايات، فإن أعمالها تناقش بوجه عام موضوعات اجتماعية إنسانية كالحب والذاكرة والحرب والألم. ومؤخراً صدرت لها رواية بعنوان “الطريق إلى أوربينو” عن دار ليتل براون” بالتزامن مع فيلمها الذي يحمل نفس العنوان، والذي عرض في “الجاليريا الوطنية” بلندن. وكسابقاتها فإن الرواية كما وصفها النقاد تكشف عن قدرة إبداعية مزدوجة لكاتبة وفنانة تشكيلية. وهو ما يتجلى في أسلوبها المميز بالتفاصيل الأخاذة التي تسيطر على القارئ وهي تسير به إلى داخل شخصياتها المسكونة بهواجس الذاكرة المفتتة بين الحاضر والماضي والمستقبل.

“الطريق إلى أوربينو”

إن بطل تيرن في روايتها “الطريق إلى أوربينو”، “راس” يبلغ من العمر خمسين عاماً، وهوفنان سيرلانكي مهووس بالفن الغربي، وصديق لعدد من المثقفين بينهم المؤرخ الفني “تشارلز بوير” الذي يعود له الفضل في تعريفه بفنان عصر النهضة الإيطالي “بييرو ديلا فرانشسكا” وصديقه الإنتهازي المغرور”اليكس بينسون”، ينتهي إلى السجن بانتظار محاكمته في قضية سرقة إحدى لوحات الفنان الإيطالي بييرو ديلا فرانشسكا من الجاليريا الوطنية بلندن. وبينما يتشوق القارئ لمعرفة المزيد من التفاصيل حول الحادثة، يلعب الحوار الذي يدور بينه وبين محاميته دوراً مهماً في الكشف عن الملابسات. وهكذا فإن ما تفعله المؤلفة هو إسناد دور المحقق القصصي للمحامية، التي تكشف عن خيوط القصة، كما تكشف عن ملامح من شخصية راس ومن حوله من الأصدقاء، لكي يتعرف عليه القارئ عن كثب.

وتتمحور الحبكة حول معاناة رجل ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأزمة التي يمر بها في طفولته، وتستمر في ملاحقته في كل مكان، ثم تلقي بظلالها الثقيلة على تفكيره ورؤيته للعالم من حوله. وعندما يقر راس بسرقته المتعمدة ويعترف بذلك قائلاً لمحاميته “لقد سرقت بعضاً من التاريخ الغربي”، فهو يفعل ذلك تماهياً مع هذا التاريخ وكما يرى فهو لو قارن بين معاناة السيد المسيح الذي يظهر في الرسم وبين معاناته، لوجدهما سيان. إن بطل “الطريق إلى أوربينو” لم يعرف الحياة إلا من خلال هذه المعاناة. وهي معاناة طويلة تعود بنا إلى طفولته البائسة في بلاده، فقد أمه، اختفاء أبيه من حياته، سرقته الألوان لكي يرسم بها جدارية تليق بكنيسة مهدومة. وفي فترة المراهقة سجنه في أحد المعسكرات أثناء الحرب. ثم فراره إلى بريطانيا، زواجه من إنجليزية، تدهور حالته النفسية، خيانة زوجته له مع أصدقائه، اضطراب حياته الزوجية، انفصاله عن زوجته وحرمانه من ابنته التي لا يتصور الابتعاد عنها. وبالنسبة له، فإن هذا المشهد لا يمكن مضاهاته إلا بما تعبر عنه واحدة من لوحات فنان مثل ديلا فرانشسكا الشهيرة.

وبعيداً عن هذا المشهد، تأتي ريشة تيرن لتبدع برسمها كل شيء من الداخل كما هو من الخارج. الجمال والحب والخوف والحرب والفقد والسلم ولحظات الاتزان وانعدام الاتزان في شخوصها، وما إلى ذلك من المتناقضات التي تولد لدى القارئ ردود أفعال مختلفة، ليدرك في النهاية ما تريد المؤلفة إيصاله. إن كل ما تريده، هو التعبير عن التحديات الحقيقية للحياة التي يعيشها الناس في مجتمعاتهم وهي واحدة منهم، والتي ربما كانت في مجتمعاتنا المعاصرة هموماً إنسانية مشتركة.

تقيم روما تيرن في بريطانيا منذ الستينيات حيث وصلت مع والديها المهاجرين. وأكملت دراستها في بريطانيا وحصلت على الماجستير في الفنون الجميلة من جامعة أكسفورد. ذاعت شهرتها كفنانة بعد عرض لوحتها “مراقبة الموكب” في الكلية الملكية للفنون بلندن في عام 1998. وأدرجت في عضوية “جاليريا آيكون لمهرجان جنوب آسيا للفنون “ في برمنغهام عام 1992. انضمت للعمل في متحف “ أشموليان” بأكسفورد عام 2000، وتعمل لدى جامعة أكسفورد بروكس منذ عام 2006 كأستاذة في مادة الكتابة الإبداعية. نشرت خمسة أعمال روائية أهمها رواية “البعوض” سنة 2010 وظهرت في القائمة القصيرة لجائزة “كوستا” للأعمال الروائية التي تنشر للمرة الأولى، عن روايتها “ السباح” عام 2010

 

– عن الاتحاد

* كاتبة من الامارات

شاهد أيضاً

أبورياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع لإنارة الطريق

الأديب موسى أبو رياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *