* جمال القيسي
أكتب لقلبكِ الشاسع. وعطاء قلبك الفسيح مثل حنان الأمهات. لذاتكِ المنيعة كصبرِ الآباء.. تلك الذات التي لن يغيّرها تبدل الأيام، ولن تكرّ عليها الليالي في قادم الغياب. سأستودع الشتاءَ قلبك فيما لو طال غيابي هذه المرة، وسيعدني أنه لن يقسو على روحك الطيبة الشاهقة البريئة مثل ضحكات الأطفال. أوصيت الشمسَ أن تكلأ عصافير حدائق قلبك، ورجوتُ القمر أن يحفظ ما بيننا من أغنيات وسهر وضحك ومسرات وعتاب! ثم أوصيت النجومَ أن ترعى، بعين الذكرى، شبابيكَ أحاديثنا التي لم تكن تنتهي. أعني الشبابيك التي لطالما مر فيها هواء الذكريات والقسوة فاعترف كلانا به، وكثيرا ما لعب بي في تلكل الليالي الهوى، فأنكرته لطول المسافات؛ وبحكم الأعراض الجانبية لعلاجات الحنين التي يعانيها العاشق المجنون!
خبأتكِ طويلا في شُغافِ القلب، وأغلقت عليكِ بابا وضعتُ مفتاحه قيد أناملكِ، تخرجين منه وقتما تحبين، ولا أعرف متى ستعودين. كتبت لك رسائل لا يحملها سعاة من ملائكة ولا بشر، ولا تقوى على حروفها المكاتيب إلا في صباحات الحب. صباح الخير يا وردتي. صباح الأفراح لعينيكِ الملاح. صباحكِ أنا!
وأنا الذي واريت دمعتي المشتاقة لعمر وزمن يجمعنا حتى الأبد؛ فجاء هذا العمر ملتبسا على الأوان!
لكم خيّبَ الواقعُ مُنيةَ المشتاق، فصار الليل مواجهة مع حقائق لا تجامل أحدا، ومواويل أسف مكتوم، يداري سرَّه متسعُ الوقت، ونسيم صوتك بعاصف الذكريات تارة، وبالضحك على كل شيء مرات ومرات!
ثمة مسافة بيننا اليوم. هل أنا اختلفت؟ مطلقا. لكن ثمة مسافة مذاقها رمان يجمع حلو الحاضر وحامض المآل. وطعم كما لسعة الخيبة على انسكاب قارورة عطر السنوات على رخام التجارب الفاشلة، وشارع العبث، ومرايا النزوات والأهواء!
2
من قديم. (من زمان) يا حلوتي. من قبل أن أكتب لك روايتين وعشرات القصص، وكتابا أودعته أوجع وأشهى النصوص. من قبل هذا كله، بمائة عام، عرفتك طفلة تغني للفرح بحس شفيف وصوت جميل، وترقص بجذل يحاكي بياض الغيمات، وتحلم بالعصافير الملونة والملائكة المجنحة وزرقة أنهار الحب، وتداري عني ضحكتها ورقصها وما في وجدانها من أمنيات.
من قبل أن نهمس بما يقال بين أجمل العشاق. عرفتك، وأحببتك، وسأظل أغني معك للأمل والحياة. لربما دلّتني الصدفة الحلوة على روحك العالية، وقربتني من جوى السر في عينيك اللتين أحببتهما منذ أول التفاتة ذات فصل بديع أطلتا فيه على الدنيا.. من أول ضحكة لهما وقعت في قلبي فكان لها رنين لا ينسى. لم أكن بحاجة لالتقاط صورة تثبّت اللحظة التي التقينا فيها كي أتيقن أننا معا، وأدرك أننا سنظل معا رغم المسافات!
أعرف عينيك اللتين أحببتهما زمنا طويلا.. ولربما عرفتني عيناك فتى يحلم بالندى وبنفسج الكلام ويسعى إلى “تغيير العالم” بيديه العاريتين. أبث في قلبك الطمأنينة: بلى. ما يزال الفتى على ما عاهد وعيه ونقاءه عليه، وسيظل يخوض حربه ضد الظلام، لأن التنوير معركة فإما أن ينتصر فيها أو يهلك دونها.
وما أجمله من مصير محتوم.
من قديم يا سيدة البهجة والحضور والفتى الغض البريء يحلم بك يا امرأة من حرير وعنبر وأسئلة اشتباك وشجن أغنيات وروح تقطر شهد حضور. امرأة لا تحتجب عن القلب بذرائع الأساطير، ووهم العمر المتأخر دوما.
يقبل السؤال فؤادي لكن يوجعه أن الساعة لا تعود إلى الوراء إلا حين يصيبها العطب. صدقيني.
إلى اللقاء.
- أديب وإعلامي أردني
- عن موقع تنوير الأردن