مسلسل «فوضى» الإسرائيلي أسطرة الصهيوني… تسخيف الفلسطيني!

*إبراهيم نصر الله

مدفوعا بموجة من المطالبات، سلبا وإيجابا! حول ضرورة مشاهد المسلسل الإسرائيلي «فوضى»، وذلك التقييم العالي، العالمي، الذي يحظى به ويصل إلى 8.4 من 10. قررت مشاهدته. وفي الحقيقة، ومنذ بداياتي الكتابية كنت حريصا على أن أقرأ الأدب الصهيوني، وأشاهد أفلامهم ومسلسلاتهم، وما يُنتج عنهم في هذا العالم، لأن معرفة كيف يفكرون، أو كيف (يتأدلجون ويؤدلجون العالم) في الأدب والفن وهم يعبرون أو يبتدعون حكايتهم، مسألة في غاية الأهمية لنا، نحن العرب، حينما نكتب وننتج ونُخرج.
كانت تجربة مشاهدة «فوضى» استثنائية فعلا، فالمسلسل فوضى عارمة في قدرته على تسخيف التاريخ، والمسار الحقيقي للأحداث، وفهمه لمنطلقات الصراع؛ في فهمه للماضي، وفهمه للحاضر، واستغلاله للدراما الرخيصة وهو يتعامل مع حكاية كبرى، كالحكاية الفلسطينية. هذا إضافة للكثير من المزالق الدرامية عبر التناقضات التي تحفل بها مسارات الأحداث التي لا تنقذها في الحقيقة إلا مشاهد العنف الرامباوية، نسبة لشخصية رامبو في سلسلة الأفلام الأمريكية الشهيرة، هذه المشاهد التي قد تُشغل بضجيجها كثيرا من المشاهدين عما في جوف الإناء، إذا ما اكتفوا بزخرفاته الخارجية.
يلخص المسلسل ما يدور اليوم، وما دار أمس، في فلسطين بصراع بين شخصية دورُن قائد وحدة للمستعربين (الذين يتخفون بلباس فلسطيني لتنفيذ عمليات الاغتيال والاعتقال)، مقابل شخصية الفلسطيني، القائد، توفيق حامد، وهي شخصية متخفية بعد محاولة اغتيالها، لكن الشك الاستخباراتي الإسرائيلي، في أنها لم تزل على قيد الحياة، هو محور المطاردات والعلاقات في هذا المسلسل.
ثمة بطولة استثنائية في الشخصيات الصهيونية: تخطيط، تنفيذ، صلابة حين يتم القبض عليهم من قبل الفلسطينيين، مقابل سذاجة غير عادية في الشخصيات الفلسطينية، فتوفيق حامد (أبو أحمد) القائد، مدمن شوكولاتة، عصبي، لا يتمتع بأي حس أمني، يحوّل القضية بأكملها إلى ثأر شخصي، يمكن أن يتم خداعه ببساطة، حتى أنه يكلف رئيس وحدة المستعربين الذي يطارده شخصيا بالقيام بعملية انتحارية، قبل أن يتأكد من شخصيته، وهو قابع في أمكنة اختفائه، لا يفعل شيئا في الحقيقة، ولولا وجود شاب من التنظيم (وليد العبد)، شاب ذكي، ولكن شخصيته غير ناضجة، ويلعب دورا أكبر من مؤهلاته النفسية والجسدية والعسكرية، لولا هذا الشاب، لكان المسلسل انتهي في الحلقة الثالثة أو الرابعة، لأنه هو من يجبر قائده على تغيير مكانه دائما، وتغيير مكان الأسير الإسرائيلي الصلب! في وقت تتساقط فيه كل شخصية فلسطينية يتم القبض عليها. فالشيخ، الأشبه بالمرشد الروحي، السياسي، يسقط ويعترف بمكان (أبو أحمد)؛ وزوجة الأخير تتخلى عنه لتهرب مع أولادها إلى ألمانيا بتسهيل من مُطاردي زوجها، والطبيبة الفلسطينية قابلة لأن تُخدع ببساطة، والوسيط بين الحركة وقيادتها في (عمّان) ينهار بعد سؤالين فقط، ويعترف للمحقق في حوار أشبه ما يكون على فنجان قهوة: إذا حكيتلك.. بتحفظ السِّرّ؟!) وصديق القائد التاريخي، يقودهم إلى مكانه لأن الإسرائيليين يعدونه بزرع كُليْة لابنته، ورأي الشاب المقاتل وليد العبد في كل المعتقلين والأسرى (كلهم يعترفون!) في وقت يبدو فيه وليد هذا قابلا وبسهولة للتخلي عن كل شيء، مقابل إنقاذ الطبيبة الفلسطينية، التي خدعها دورُن قائد الوحدة، وأصبح عشيقها! فوليد الشاب الصغير يريد الزواج منها، رغم اكتشافه خيوط علاقتها بقائد مجموعة المستعربين، ويرفض تصفيتها! وإلى ذلك، فوليد هذا مكشوف تماما للصهاينة، ولكنك لا تعرف لماذا لم يقوموا (دراميًّا) بأي إجراء ضده، وهو صيد سهل، مثلما قاموا بإجراءات أخرى ضدّ سواه، كانوا أقل خطورة!
هي فوضى عارمة إذًا، وكلمة فوضى، مشتقة هنا من الفوضى التي يُحدثها المستعربون كلما قاموا بتنفيذ عملية، ليسهل تنفيذها وتسهل نجاتهم. وفي ظني أن المسلسل استطاع أيضا أن يفيد كثيرا من طريقة عمل وحدات الاغتيال والاختطاف، في زرعه فوضى غير قليلة في رؤوس مشاهديه.
لا تاريخ هنا في المسلسل، ولا جذور للقضية، هنا مجموعتان تخوضان صراعًا، لا يختلف عن أي صراع في فيلم من أفلام عصابات المافيا: قتل، تهديد، إغواء، ثأر شخصي، عنف، حركة، جنس، مؤامرات، إسقاط؛ ثم صلابة، وبطولة، وهما مقصورتان على أفراد وحدة المستعربين، إذا ما استثنينا العلاقات اليومية، العاطفية والتنظيمية، بينهم. أما الآخرون فهم إرهابيون بكل ما تعنيه الكلمة، وغير إنسانيين إلى درجة أن القائد الفلسطيني المتخفّي، لا يتردد في إعطاء الأمر بتفجير الأسير الصهيوني، مع أن ابنته الصغيرة التي اختطفتها المجموعة الصهيونية لتهديده، يلتفّ على وسطها الصغير حزام ناسف ثبّته دورُن. ولنصل إلى أن زوجته، ومقابل علاج الصغيرة في مستشفى هاداسا الصهيوني، تتخلى عن زوجها وفلسطين كلها، وتهاجر إلى ألمانيا!
فوضى، الذي تبثه (نتفلكس) مسلسل نموذجي في صهيونيته ودعائيته المكشوفة، التي تسخّف الشخصية الفلسطينية وتشيطنها، لينتهي الأمر بأن يقوم وليد، الشاب الأكثر قربا من قائده (أبو أحمد) بقتل هذا القائد بطلقة في الرأس!
من الأشياء المحزنة حقا، هو وقوع عدد من الممثلات والممثلين الفلسطينيين في فخ القبول بلعب أدوار في هذا المسلسل المكشوف، بحيث لا يمكن لسذاجة أي منهم، إن كانت موجودة، أن تكون عذرا للمشاركة في هذا المسلسل المعادي لفلسطين، ولكل ما هو فلسطيني، المسلسل الذي ينتهي بسذاجة متدنية جدا، حين يتم تسريب غاز السارين من الأردن إلى الضفة الغربية! وكأن تهريبه سهل كتهريب علبة سجائر! ويتم تسليمه للقائد المتخفي، لتنفيذ عملية كبرى، سيموت فيها من يموت، من فلسطينيين وصهاينة، فقط، لكي يُشفي غليله وينتقم لشقيقه الذي قتل في ليلة عرسه.
كلمة أخيرة: لا أحب الذين يلخصّون الأفلام والروايات حين يكتبون عنها، سواء لأنهم لا يعرفون من الكتابة غير تقديم ملخص يوحي بأنه مقالة، أو من ينسون دورهم النقدي فيبالغون في سرد الأحداث وإفساد الفيلم أو الرواية على القارئ أو المشاهد، ولكنني أعترف بأنني راض عن تحليل جزء أساس من أحداث هذا المسلسل، ومستمتع أكثر، بعد أن رأيته، بإفساد مشاهدة كل من يفكر بمشاهدته، بحديثي عن أبرز ذراه الدرامية الفجّة، المعادية!
________
*القدس العربي

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *