دفاعات البشر أمام غزو الذكاء الاصطناعي على وشك الانهيار

لندن- كسرت شركة غوغل حاجزا تاريخيا في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، بعدما حققت اختراقا عبر تقديم نموذج لبرنامج يستطيع تعليم نفسه بنفسه من دون أي تدخل بشري أو برمجة مسبقة.

ويفتح هذا الابتكار الجديد الباب واسعا أمام عصر “الروبوت المفيد”، الذي قد يساعد الإنسان على تحليل البيانات أو المعلومات أو القيام بمهام معقدة بشكل مستقل. كما يمهد الطريق أيضا لمنافسة مستقبلية من قبل الذكاء الاصطناعي للقدرات البشرية في كافة المجالات.

وقدمت غوغل هذا الابتكار عبر القدرة على ممارسة لعبة “غو” الصينية الشهيرة. و”غو” هي لعبة تشبه الشطرنج، لكنها أكثر تعقيدا بكثير، إذ تحتاج إلى وقت أطول للتفكير ودراسات كل الاحتمالات التي قد تؤدي إلى الفوز. ويمتد عمر اللعبة إلى الآلاف من السنين. وتمكن البرنامج الجديد من تعلم كل الخبرات البشرية في اللعبة خلال أيام.

ويطلق على البرنامج الجديد “ألفا غو زيرو”. وخلال التجارب، تُرك البرنامج أمام نموذج للعبة، إذ تمكن من التعرف على كل استراتيجيات اللعبة الصينية، التي راكمها البشر طوال الآلاف من السنين، خلال ثلاثة أيام فقط.

وأزاحت شركة “ديب مايند”، وهي شركة الذكاء الاصطناعي المملوكة لعملاق التكنولوجيا غوغل، الستار عن “ألفا غو”، وقالت إن البرنامج لم يتوقف فقط عند تعلم أساليب اللعب البشرية، لكنه اخترع خطوات وتحركات أفضل لنفسه. كل ذلك حدث في غضون ثلاثة أيام فقط. وفي مباراة شارك فيها البرنامج الجديد أمام لي سيدول، أشهر لاعب “غو” في كوريا الجنوبية، فاز برنامج “ألفا غو زيرو” على سيدول بنتيجة 100 مقابل صفر.

تحد علمي هائل

يمثل هذا الإنجاز حجر أساس في طريق تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي متعددة المهام التي يمكن أن تفعل أكثر من مجرد هزيمة البشر في لعبة. وبسبب خاصية التعلم الذاتي التي تتميز بها “ألفا غو”، أصبح من الممكن استغلال هذه الموهبة لمعالجة مشاكل العالم الحقيقي.

وفي شركة “ديب مايند”، الواقعة في لندن، يعمل “ألفا غو زيرو” على كشف كيفية تضاعف جزيئات البروتين، هذا التحدي العلمي الهائل الذي يساعد في اكتشاف الأدوية والعقاقير.

وقال ديميس هاسابيس مؤسس ورئيس شركة “ديب مايند” إنه “بالنسبة إلينا، لم يكن ’ألفا غو’ مجرد برنامج صُمم للفوز بمباريات، ولكنه كان بالنسبة إلينا خطوة كبيرة نحو بناء خوارزميات المهام المتعددة”.

ووصفت معظم اكتشافات الذكاء الاصطناعي بأنها محدودة نظرا لقدرتها على تأدية مهمة واحدة فقط، مثل الترجمة أو التعرف على الوجوه، لكن يمكن لأجهزة الذكاء الاصطناعي متعددة المهام أن تتفوق بشكل كبير على الأداء البشري في العديد من المهام المختلفة. وفي العقد المقبل، يتوقع هاسابيس أن الإصدارات المتطورة من “ألفا غو” ستتميز بقدرات قوية تؤهلها للعمل جنبا إلى جنب مع البشر كخبراء علميين وطبيين.

وبالحديث عن الإصدارات السابقة من “ألفا غو”، اكتسبت تحركاتها واستراتيجياتها في اللعب من خلال تلقي التدريب على الآلاف من المباريات التي شارك فيها هواة ومحترفون من البشر، لكن الإصدار الأحدث من “ألفا غو” لا يحتاج إلى أي مساعدة بشرية، وبدلا من ذلك فقد اكتسب هذا النموذج تحركاته من خلال اللعب الذاتي للملايين من المرات، حيث بدأ اللعب من خلال وضع القطع على لوحة اللعب بشكل عشوائي، ومن ثم اكتشاف خطط واستراتيجيات جديدة للفوز بمرور الوقت.

ويقول ديفيد سيلفر، أحد الباحثين الذين شاركوا في تصميم برنامج “ألفا غو” إن “هذا النموذج يعتبر أقوى بكثير من الإصدارات السابقة بسبب عدم استخدامه للبيانات أو الخبرات البشرية، لذلك لم يلتزم البرنامج بقيود المعرفة البشرية، بل أصبح قادرا على خلق المعرفة من تلقاء نفسه”.

ويعمل البرنامج على جمع مهاراته من خلال خاصية تسمى بالتعلم المعزز، وهي الطريقة التي تساعد البشر، على سبيل المثال، على تعلم فن قيادة الدراجة، من خلال تعلم التوازن عبر التعرض لحوادث كثيرة تراكم مع الوقت مهارة القيادة. وعندما يحرز “ألفا غو” خطوة جيدة، فإن احتمالات فوزه بالمباراة ترتفع، ولكنه عندما يخطو خطوة سيئة، ترتفع احتمالات خسارته للمباراة.

ويضم برنامج “ألفا غو” مجموعة من الخلايا العصبية التي ترتبط معا لتشكل الشبكة العصبية الصناعية. وفي كل مباراة للعبة، تنظر هذه الشبكة العصبية إلى مواقع القطع على لوحة اللعب وتبدأ بحساب التحركات المقبلة وأي منها هي الأقرب للفوز.

وبعد كل مباراة، تقوم اللعبة بتحديث الشبكة العصبية وإضافة معلومات واستراتيجيات جديدة بطريقة التراكم المعرفي، مما يجعلها أقوى ومستعدة للمباراة القادمة. و”ألفا غو” برنامج بسيط، لكنه أفضل بكثير من الإصدارات السابقة، إذ أتقن اللعبة بشكل أسرع على الرغم من تلقيه التدريب بأقل البيانات الممكنة وتشغيله على جهاز كمبيوتر أصغر. ويقول سيلفر إن البرنامج كان من الممكن أن يتعلم قواعد اللعبة بنفسه دون إدخال أي بيانات لتدريبه إذا أعطيناه المزيد من الوقت.

ووصف باحثون في مجلة “نيتشر” كيف تطور “ألفا غو زيرو” بشكل سريع وتخطى مستويات اللاعبين الهواة، ليستخدم استراتيجيات اللعب التي عادة ما يلجأ إليها محترفو اللعبة في غضون أيام فقط. ففي أول عشر ساعات من إطلاق البرنامج، اكتشف أول استراتيجية للعب تسمى بـ”جوسكي”، وسرعان ما تبعتها استراتيجية أخرى أكثر تطورا تعرف باسم “سمول أفالانش” و”نايتس موف بينسر”. وبعد ثلاثة أيام، اكتشف البرنامج تحركات جديدة، باتت تخضع لدراسة المتخصصين في اللعبة لاحقا.

أقوى من قدرات البشر

من المثير للفضول أن برنامج “ألفا غو” تعلم بشكل عكسي لطريقة التعلم التدريجي التي يعمل بها العقل البشري، إذ استوعب البرنامج بعض التحركات المتقدمة أولا قبل اكتشافه للتحركات البسيطة السهلة.

وأثارت هذه الحقيقة فضول الكثيرين ممن يقاومون “عصر الأتمتة”، إذ يعتقدون أن أجهزة الروبوت ستصل إلى مرحلة من التعلم يمكنها بعدها أن تحل محل البشر في أغلب الوظائف في قطاعات التصنيع والخدمات.

ومن الممكن أن يتسبب ذلك في حدوث ركود اقتصادي عالمي غير مسبوق، إذ تعني سيطرة الروبوتات على الوظائف واستبدال البشر بها صعود معدلات البطالة إلى درجات لم يشهدها البشر منذ الثورة الصناعية.

ويقول هاسابيس “يكتشف البرنامج بعض التحركات القوية أثناء اللعبة، ثم تجده يتجاوز هذه التحركات ليكتشف شيئا أفضل بكثير. يمكنك أن ترى أن هذا البرنامج يعيد اكتشاف آلاف السنين من المعرفة البشرية”.

وتقول إليني فاسيلاكي، أستاذ علم الأعصاب الحاسوبية في جامعة شيفيلد البريطانية، إن ألفا غو “اكتشاف مثير للإعجاب. هذا قد يعني ضمنا أنه من خلال عدم إشراك خبير بشري في تدريبه، يكتشف ’ألفا غو زيرو’ التحركات الأفضل التي تتجاوز الذكاء البشري في هذه اللعبة بالتحديد”.

لكنها أشارت إلى أنه في حين أن أجهزة الكمبيوتر تستطيع هزيمة البشر بسهولة في الألعاب التي تنطوي على حسابات معقدة ودقيقة، فهي بعيدة كل البعد عن مطابقة البشر في مهام أخرى.

وأضافت “تفشل برامج الذكاء الاصطناعي في تأدية المهام السهلة على القدرات البشرية، وتستطيع أن تلاحظ هذا في المهام اليومية التي يقوم بها الروبوت، مثل المشي والجري وركل الكرة”.

ويصف توم ميتشل، عالم الكمبيوتر في جامعة كارنيغي ميلون في مدينة بيتسبرغ الأميركية، برنامج “ألفا غو زيرو” بأنه “إنجاز هندسي ممتاز”. وأضاف “تغلق هذه المسألة باب التفكير في أن البشر يمكنهم اللحاق بأداء أجهزة الكمبيوتر في لعبة ’غو’، ولكنها تفتح بابا آخر على تعليم البشر كيفية اللعب بطرق أفضل بكثير من التي اعتادوا استخدامها أثناء اللعب”.

ولاقت الفكرة ترحيبا من قبل آندي أوكون رئيس جمعية لعبة “غو” الأميركية قائلا “أنا لا أعرف ما إذا كانت معنويات البشر ستعاني من قوة وسيطرة أجهزة الكمبيوتر، ولكن الممتع في الأمر هو اكتشاف طرق جديدة للعب باستخدام برنامج الشبكات العصبية، التي لا تقتصر في الفوز على قراءة عقولنا، ولكن تتطرق أيضا إلى رؤية أنماط وأشكال جديدة للعب أكثر عمقا”.

وفي حين أن “ألفا غو زيرو” هو خطوة نحو التعايش مع برامج الذكاء الاصطناعي متعددة المهام، إلا أن هذه البرامج مازال بمقدورها فقط العمل على المشاكل التي تتخصص فيها أجهزة الكمبيوتر، وليست المهام البشرية الأخرى، كتعليم قيادة السيارة مثلا.

ويقول هاسابيس إن أجهزة الذكاء الاصطناعي التي تتطابق تماما مع الأداء البشري مازالت بعيدة عن أرض الواقع، ولكن من المؤكد أنه في خلال عقد من الآن ستساعد تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي البشر على اكتشاف الأدوية والمواد الجديدة، واكتشاف أسرار فيزياء الجسيمات. وأضاف “آمل أن تعمل هذه الأنواع من الخوارزميات والإصدارات المستقبلية من برنامج ’ألفا غو زيرو’ معنا كخبراء في تطوير فروع العلوم والطب”.
________
*العرب

شاهد أيضاً

كيف تعلمت الحواسيب الكتابة: تطور الذكاء الاصطناعي وتأثيره في الأدب

كيف تعلمت الحواسيب الكتابة: تطور الذكاء الاصطناعي وتأثيره في الأدب مولود بن زادي في كتابه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *