*أحمد رسلان
تخيل لوهلة أنك تستطيع استخدام جميع أجهزتك الكهربية بدون الحاجة لإيصالها بمقبس الكهرباء. تخيل أن الحياة كلها بدون أسلاك، تخيل وقتها كيف ستكون الحياة أكثر سهولة وبساطة. العلم يصنع المعجزات وهو في سبيله لتحقيق خيالك بشكل كامل أقرب مما تتصور، فهذا الحلم ليس حلمك وحدك، بل هو حلم العلماء منذ اختراع الكهرباء.
وحلم نقل الكهرباء عبر الهواء بدون استخدام أي أسلاك أو توصيلات هو حلم قديم، منذ بدأ تسلا (1856-1943) تجاربه العجيبة على الكهرباء. وهو الحلم الذي اقتربت البشرية كثيرا من تحقيقه في صورته الخيالية. وتسلا هو ذلك العبقري الذي اخترع عشرات الاختراعات التي نُسب الكثير منها لغيره من العلماء المعاصرين كإديسون. فتسلا اخترع التيار الكهربي المتردد، واخترع المحرك الكهربي العامل بالتيار المتردد. وقام بتطوير وبناء مولدات الكهرباء على شلالات نياجرا، وأجرى العديد من التجارب على الأشعة إكس (X-Ray) المُستخدمة في التصوير الطبي قبل رونتجن، وأول من استخدم إشارات الراديو في التحكم بالأجهزة الآلية عن بعد، وأول من أنتج البرق باستخدام ملف تسلا وذلك أثناء محاولاته نقل الكهرباء وإشارات الاتصال التلغرافية عبر الهواء. والكلام عن تسلا قد يطول ليستغرق العديد من المقالات، لكننا هنا سنتحدث فقط عن تجاربه لنقل التيار عبر الهواء.
بدأ تسلا أولى تجاربه لنقل الكهرباء عبر الهواء عام 1891، وقام بنجاح بنقل التيار الكهربي لمسافات قصيرة عبر توليد تيار متردد ذي فرق جهد عال جدا. وفي عرض أمام المؤسسة الأمريكية لمهندسي الكهرباء وفي معرض كولومبس الدولي بشيكاغو عام 1893، قام تسلا بإضاءة مصباح كهربي عن بُعد.
وفي عام 1899 قام تسلا بنقل معمله لمنطقة كلورادو سبرنجز وذلك لأن المنطقة هناك كانت تسخدم تقنيات التيار المتردد في نقل الكهرباء، كما أنهم كانوا على استعداد لتوفير الكهرباء اللازمة لتجاربه مجانا. وبدأ هناك محاولات تطوير نقل التيار لا سلكيا، وقام بإنتاج برق شديد القوة بفارق جهد ملايين الفولتات أدى للعديد من المشاكل في المدينة، منها كهربة شبكة مواسير المياه وكهربة الأرض بالمنطقة المحيطة بالمعمل للحظات. كما تسببت تجاربه في تدمير ملفات مولدات الكهرباء بالمدينة.
وبعد سنوات من التجارب في معمله طور تسلا التقنية بعض الشيء وتمكن من إضاءة 3 مصابيح على بعد أكثر من 3 أمتار. لكن تقنية تسلا والتي تسمى “inductive and capacitive coupling” كانت تصلح فقط على المدى القصير، وتسلا كان يحلم بتقنية واسعة المدى توفر الكهرباء للجميع بدون أسلاك. وكان من ضمن أفكاره التي لم يجربها وقتها استخدام الطبقة الأيونية في الغلاف الجوي لنقل الكهرباء وذلك عبر تعليق وحدات بث واستقبال الكهرباء باستخدام بالونات على ارتفاع 10000 متر في الهواء.
وفي عام 1901 بدأ تسلا في بناء برج ووردنكليف بتمويل من رجل الأعمال جون بيربونت مورجان. وكان الهدف من بناء البرج هو عمل نموذج مكبر من ملف تسلا يستطيع نقل الإشارات اللاسلكية والراديو والمعلومات وأيضا الكهرباء على نطاق واسع وبدون أسلاك. ولكن برج تسلا لم ينجح في تجاربه الأولية ،وقام الممول بإيقاف تمويل البرج بعد نجاح ماركوني في تحقيق حلم نقل المعلموات لا سلكيا قبل تسلا، وقام تسلا بعد ذلك بهدم البرج لتسديد ديونه عام 1917. ولم ينجح تسلا في تحقيق حلمه.
لكن لم يتوقف الحلم، واستمر العلماء في تجاربهم لتحقيقه، فأثناء الحرب العالمية الثانية تم تطوير تقنيات إنتاج الموجات الكهرومغناطيسية القصيرة Microwaves وذلك لاستخدامها في الاتصال والرصد. وحاول العلماء استخدامها في نقل الكهرباء لا سلكيا لمسافات طويلة، وفي عام 1964 نجح ويليام براون في تطوير تقنية لنقل الكهرباء لا سلكليا وذلك عبر توليد تيار مستمر DC باستخدام الموجات القصيرة والتي يتم إسقاطها على هوائي قام باختراعه يسمى Rectenna، وقام بتشغيل نموذج مصغر لطائرة هليكوبتر عبر بث الكهرباء لها لا سلكيا من على الأرض. وتوالت التجارب بعد ذلك في السبعينات والثمانينات لتطوير تقنيات ذات كفاءة أعلى في نقل التيار، وحاول بعض العلماء تطوير قمر صناعي مُولد للطاقة الكهربية مبني على فكرة بيتر جلاسر، وذلك باستخدام خلايا شمسية تحول ضوء الشمس لموجات قصيرة يتم بثها لا سلكيا للأرض على Rectenna لتُحولها لتيار مستمر. وفي عام 1987 نجح مركز الأبحاث اللاسلكية الكندي في تطوير طائرة تعمل بنفس التقنية وطارت لمسافة 21 كيلومتر. وفي 1992 نجح فريق في جامعة كيوتو في تطوير طائرة أكثر تطورا بنفس التقنية.
وهناك العديد من التقنيات المختلفة لنقل الكهرباء بدون أسلاك، وتختلف كلها حسب كفاءة نقلها للطاقة والمدى الذي تستطيع نقل الطاقة خلاله. فتقنية Resonant inductive coupling متوسطة المدى تستخدم في شحن الأجهزة المحمولة كالهواتف والأجهزة الطبية كمنظم ضربات القلب، ومثلها تقنية Capacitive coupling. كما تستخدم تقنية Magnetodynamic قصيرة المدى في شحن السيارات الكهربية. وتستخدم Microwaves و Light Wave من خلال الخلايا الكهربية لتشغيل الأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار، وذلك لأن استخدام الطاقة الشمسية أو ضوء الليزر في توليد الكهرباء من الخلايا الضوئية يعتبر أيضًا نوعًا من أنواع نقل الكهرباء عبر الهواء.
والأبحاث في مجال نقل الكهرباء بدون أسلاك ما زال مستمرًا وذلك بهدف زيادة المدى والكفاءة والتطبيقات، خصوصا التطبيقات التجارية والاستهلاكية. ففريق من العلماء بقيادة مارين سوليايتش في معهد ماساتشوستس للتقنية MIT تمكنوا من نقل الكهرباء بكفاءة 90% على مسافة متر واستخدامها في إضاءة مصباح كهربي بقدرة 60 وات. والمشروع البحثي الذي أطلق عليه WiTricity تم نقله لشركة خاصة بنفس الاسم وذلك لتطويره واستخدامه في العديد من المجالات اليومية. والتقنية التي تستخدم strongly-coupled resonance باستخدام ملفين مغناطيسيين متقابلين يهتزان بنفس التردد، يولد أحدهما مجالا مغناطيسيا من الكهرباء، ويحول الآخر عن بُعد المجال المغناطيسي المولَّد لكهرباء. وتحدث الرئيس التنفيذي للشركة إيريك جيلر في مؤتمر TED لعام 2009 المقام في أوكسفورد عن تقنيات الشركة، وعرض في حديثه تطبيقات للتقنية حيث قام بتشغيل هاتف وتلفاز عن بعد، وقال أن التطبيقات الممكنة غير محدودة، كما أن التقنية آمنة تماما وليس لها تأثير على البشر. وتهدف الشركة لجعل منزلك بالكامل بدون أسلاك، حيث يبدأ هاتفك بالشحن بمجرد الدخول للمنزل، كما يمكنك نقل التلفاز إلى أي مكان وذلك بدون التقيد بمنافذ الكهرباء، أو شحن سيارتك الكهربية بمجرد دخولك للمرآب، إلى آخر التطبيقات المماثلة.
وفي عام 2015 نجح فريق علمي في وكالة علوم الطيران والفضاء اليابانية في تحقيق طفرة في تقنيات نقل الكهرباء باستخدام الموجات القصيرة وذلك بعد أن استطاع الفريق نقل 1.8 كيلو وات من الكهرباء، تكفي لتشغيل غلاية كهربية وبدقة ميللي متر وذلك لجهاز استقبال على بعد 55 مترا. ويهدف الفريق على المدى الطويل من تلك الأبحاث تنفيذ الفكرة القديمة لتوليد الطاقة الكهربية باستخدام الأقمار الصناعية من ضوء الشمس ونقلها للأرض، وهي الفكرة التي يعتقد العلماء أنها ستحقق الأمان الكهربي للكوكب، لأن الشمس دائمة السطوع في الفضاء ولا تتأثر بالعوامل الجوية. ويتوقع الفريق تنفيذ تلك التقنية خلال العشرين سنة القادمة عبر تطوير الأقمار الصناعية اللازمة وتطوير تقنيات نقل الكهرباء عبر مسافات طويلة تبلغ عشرات الكيلومترات.
_____
*مصر العربية