ما قاله العفيف الأخضر عن الأصولية


*نور الدين بالطيب

تونس- «من نقد السماء الى نقد الأرض ــــ الشعبوية الأصولية: من أين والى أين؟» هو عنوان أول كتاب يصدر في تونس للمفكر الراحل العفيف الأخضر (١٩٣٤-٢٠١٣) عن «دار آفاق برسبكتيف للنشر» التي سبق أن نشرت أول كتاب عن العفيف في تونس (عن العفيف: وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر) في الذكرى الأولى لغيابه الموجع.
قدّم حسونة المصباحي لـ «من نقد السماء الى نقد الأرض» الذي هو في الأصل دراستان صدرت كل واحدة في فترة من مسار العفيف الفكري والمعرفي. الدراسة الأولى «من نقد السماء إلى نقد الارض» صدرت للمرة الأولى سنة ١٩٧٢ كمقدمة لكتاب «نصوص حول الموقف من الدين». الأخيرة نصوص مختارة من كتابات لينين ترجمها محمد كبة ونشرتها «دار الطليعة» في بيروت بتقديم ومراجعة الأخضر. أما الدراسة الثانية «الشعبوية الأصولية: من أين والى أين»، فقد صدرت سنة ١٩٩٣ ضمن سلسلة «قضايا فكرية» التي كان يشرف عليها الراحل محمود أمين العالم.
الكتاب يندرج في السياق الذي اختاره العفيف الأخضر لنفسه منذ أن كان طالباً في الجامع الأعظم (الزيتونة) في تونس خلال الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، أي نقد الفكر الديني ومحاربة الدوغمائية و«تحريك السواكن». من خلال هذا الكتاب، توصّل الأخضر إلى صلات بين الأصولية التي تفتك بالعالم اليوم وليس العالم العربي الإسلامي فقط، وبين الشعبوية باعتبارها تعادي العقلانية، والتعدد، وتؤسس للقطيع الذي يسلِّم بكل شيء ولا يتساءل عن شيء! يعود الأخضر الى بدايات الاحتجاجات الشعبية في العصر العباسي وصولاً الى الثورة البلشفية وحركات التحرر العربية التي غطت النصف الأول من القرن العشرين، معتبراً أنّ التاريخ العربي لم يعرف الديمقراطية الا في فترة القرامطة أو كما سماها “الديمقراطية الشيوعية في الجمهورية الديمقراطية”.
وتعيدنا الدراسة الأولى الى فترة من حياة الأخضر افتتن خلالها بالشيوعية، وكان أحد كبار منظريها، لكنه بدأ في مراجعة أفكاره مع نهاية السبعينيات خصوصاً في بداية الثمانينيات عندما استقر في باريس. وفي الدراسة الثانية عن الشعبوية، يحاول الأخضر أن يجد جواباً لغياب الديمقراطية في الوطن العربي. يرى أنّ «الدولة العربية الاسلامية المعاصرة حافظت على تقليديتها واستبدادها الشرقي العريق. ظل حاكمها أقوى من مؤسساتها والعلاقات الشخصية وروابط المصاهرة والقرابة سائدة كما في الكيانات ما قبل الرأسمالية. تتخذ من دين الغالبية ديناً لها، ما يفترض حكماً إقصاء رعاياها من الأقليات الدينية الأخرى من المواطنة بمفهومها الحديث الحق في تسلم جميع المناصب بغض النظر عن الأصل الديني والاثني».
وفي هذه الدراسة أيضاً، يفسر العفيف الأخضر ظاهرة الأصولية بما سماه بـ «انفلات اللاعقلاني» منذ منتصف السبعينيات بعد الانكماش الاقتصادي. يرى أيضاً أنّ «المعضلة الديموغرافية» هي السبب الرئيس لانهيار مشاريع التنمية في العالم العربي والإسلامي الذي يتضاعف عدد سكانه كل عشر سنوات، بينما يتضاعف كل ١٠٠ عام في أميركا وكل ١٣٥ عاماً في أوروبا! وفي مواجهة الأزمة الاقتصادية والإحباط، تجد الدعاية الأصولية مناخاً خصباً للانتشار، فتقدم للفئات الفقيرة والمهمشة أجوبة سهلة وبسيطة «لأنّها تستهدف تعبئته وتضليله بمخاطبة مخاوفه، وبدائيته وطوباويته الفصامية: العودة ١٥ قرناً الى الوراء»!
كتاب «من نقد السماء الى نقد الارض» يكشف عن دراستين شبه مجهولتين للعفيف الاخضر. ومن هنا تأتي الأهمية الأساسية للكتاب، بخاصة أنّه أول عمل يصدر للأخضر في بلاده بعد عام ونصف العام من الغياب الأبدي!
_______
*ملحق كلمات 

شاهد أيضاً

العولمة بين الهيمنة والفشل

(ثقافات) العولمة بين الهيمنة والفشل قراءة في كتاب “ايديولوجية العولمة، دراسة في آليات السيطرة الرأسمالية” لصاجبه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *