*د. علي حسون لعيبي
في كل المراحل الزمنية كان الأديب العربي والعراقي بصورة خاصة يشعر بعسر هضم لما يحدث حوله مع أنه وبجدارة يعبر عنه أما في نص شعري أو قصة أو في مقال، لكنه لا يزال يعتقد أن هناك ثمة فجوة كبيرة بين سلوكه وعقله وبين ما يمنحه له الواقع, وهنا تبدأ رحلة المعاناة والاضداد والتناسبات الطردية والعكسية والغربة الزمينة والمكانية, ثم تتبلور في ذهنه المتقد المشدوه حوارات خاصة بين الأنا العليا والسفلى.
وأحيانا تأتي الإجابات متوترة حادة تتسم بالرفض والتمرد فمنهم من يستوعب الحالة، يعني استسلام فيقبل بما وفرته له الحياة، ومنهم من يفر هاربا نحو الجنون المطلق فتكون غرف المصحات مكان ابداعه الجديد الذي يتسم بجنون الأدب.
وقسم آخر تمنحهم الحياة الأرضية الخصبة لكي يعيش حتى يبدع، المشكلة الأساسية في هذا الأمر هو كيف يجب أن يكون أو يتكون هذا الأديب. ومن المسؤول عنه هل الأديب نفسه بإمكانياته المتاحة أم المجتمع ونظامها الحاكم أم السلطة المتنفذة؟
بالتأكيد هناك تداخل في هذا التكون الذي يمكن أن يكون أسطوريا مذهلا أو في زوايا مهملة لا يراها أو يسمع فيها أحد. وقبل كل شيء يجب أن نفهم.
الحقيقة الذاتية والموضوعية وكيف تتصرف وماذا تريد وهنا يجب أن تتوفر قوى فاعلة تستوعب هذا التوجه من خلال مؤسسات ثقافية خاصة أو عامة, وأفق معرفي وحضاري واسع.
والحقيقة الثانية كيف نوفر المساحة الواسعة من الحرية تتسع لمليء النتاجات الذهنية للاديب, وهنا لا نقصد السياسية فحسب بل كل الاطر الأخرى.
والحقيقة الثالثة هي ماذا عليه أن يفعل أو يقول أو يتصرف مستخدما كل ما هو متاح لكن لا يتخطى الطموح بل يبقى جاهدا للوصول لغاياته وأهدافه.
يبدو وللأسف لم تصل مجتمعاتنا رغم الإرث الثقافي الكبير والعمر الزمني لأرقى الحضارات لفهم جوهر العملية الثقافية والادبية بشكل خاص فدائما تخضع للتهميش وعدم الاكتراث بأهمية العملية الادبية في الحياة سياسيا واجتماعيا وثقافيا وحتى اقتصاديا. فدائما الأديب يصبح أسيرا تحت مظلة أما الايدلوجية الجامدة أو مؤسسة ثقافية شمولية أو سلطة جاهلة.
وهنا يقف الأديب أمام مفترق طرق إما الخضوع لما سيُملى عليه أو الصمت الثقافي أو الرحيل لعالم آخر. وكما نلاحظ أنها عملية بيع وشراء لسلعة لا تقدر بثمن. فمن المعروف أنك ممكن أن تصنع غنيا وتاجرا ومهندسا وطبيبا أو أي مهنة اخرى إلا أن تصنع اديبا.
_______
*ميدل إيست أونلاين