*ناصر الريماوي
( ثقافات )
“صدفة”
النافذة الصغيرة أخرجتني من متاهة التفاصيل لذلك الشارع، وأعادتني إلى حيز الصدفة الأولى. اعتدتُ المرور بين هذه الواجهات البدينة، حيث البيوت غائبة، تدير ظهرها لكل شيء وتلقي بفضلاتها عن عمد، ليختلط المكان بتداخل كثيف لروائح الأطعمة عند الظهيرة، وما يفيض من كلام عن حاجة الأحاديث المترهلة. منذ سنتين وأنا أعبر هذا الشارع…
شتلة “البيجونيا” الوحيدة، المحاذية للجدار تنتظر مروري، وما أن تراني حتى تميل بجذعها نحو نبتة اللبلاب المزدحمة بفوضى أوراقها، تظلّ توشوش لها، حتى تنتفض وتهتز عروقها بفرح .
فروع اللبلاب المتشابكة التي تسلّقت ظاهر الواجهة الأسمنتية والتصقت بها، بدت عالية تنفر من كل شيء، تطالع المكان في غرور، وتكيد لما حولها. على الجانب المقابل لها، كانت شتلة “السُبحة” بأوراقها المستديرة، تتدلى مهمومة عن قامة السّور الحجري لشرفة الرجل العجوز، وتصوّب في غيظ نحو شروش “اللبلاب” ، دون أن تقوى على النظر لأعلى، بينما يطارد الكهل الذي يحرس الطريق من فوقها مساحة الضوء بكرسيّه الخشبي الصغير، حتى يسود الظل، فينهض كئيبا، يُشيّع الطريق المقفرة بنظرة أخيرة، ثم يلتفت إلى “البيجونيا” وهو يضمر شيئا لا أعرفه قبل أن يتوارى. وكنتُ في مطلع الخريف ألمح وجنتيه كيف تغوصان في عتمة بعيدة، كلما أدركه المساء، فقط حين يباغتنا المطر، يقفز ببهجة طفولية، ويبقى حتى يستعيد ببلل المطر إشراقة الملامح من جديد، اليوم تستفزه الشمس قبيل أن تغيب، وهو يزحف نحو آخر معقل للظل ليذوي عنده في ذبول، أتمهل وأنا أحاذي شتلة “البيجونيا” في مروري ككل مرّة، وأسترق النظر إلى الفناء الأرضي، الخارجي، المواجه لها بفضول، من بين سياج قضبانها الحديدية المتباعدة، لمحتُ ذلك الشّاب الذي يقطن البيت وهو يتهيأ ويدفع بمصباح الإنارة ليتأرجح تحت مظلة القماش السميكة قبل أن يرتمي على سريره المعدني، ويدلي بأطراف المظلة من حوله. لكنني لم أفلح هذه المرة… وتعثّرت، كان وهجا مستقيما وحاداً، إنبعث قوياً من بين النبتتين كسهم ليصيب العتمة في مقتل، عبر من بين قدميّ… فتعثّرت! تسمّرت وانا ألمح النافذة الصغيرة للمرة الأولى بين شتلة “البيجونيا” ونبتة اللبلاب وهي تستلقي على الرصيف، وتطلق نحوي وهجاً مسلولا بألوان زاهية، فخمنتُ بأنها نافذة علوية لغرفة فتاة تقبع في الأسفل.
أمام صدفة النافذة، عدتُ سنتين إلى الوراء، إلى الصدفة الأولى، حيث تلاقت عيوننا للمرة الأولى وهي تنسل من بين حشد كثيف تجمهر أمام معهد العلوم المصرفية، كانت على قدر كبير من الجمال، بينما جذبني إليها سبب آخر، مختلف، لم أجد له تفسيرا مقنعاً في حينه، حتى أنني لم ألحق بها لأية غاية أخرى وإنما للوقوف على حقيقته، السّر يكمن في الملامح، كلغز محيّر، سلبتني خياري لأواصل اللّحاق وكأنني أمضي وراءها لإستعادة شيء قد سلبته، كنتُ أحافظ على مسافة ثابتة بيننا وانا أتبعها من شارع لآخر، حتى توارت خلف إنعطافة غير ظاهرة لطريق جانبية، انعطفتُ مسرعا كي أدركها، لكنها كانت قد تلاشت في ثوان، دلفتْ نحو بيت ما هناك، بكل تأكيد، ولم تصل حتى آخر الشارع.
تلك الطريق كانت شارعا خلفيا، وليس ثمة باب واحد لتعبر منه، مما ضاعف حيرتي، بحثت عنها طويلا هناك، بلا فائدة… حيث كنتُ أعود إلى ذات المكان في كل يوم، أعبر بين طرفيه، أدقق في كل شيء، حتى علقتُ أخيراً بين متاهة التفاصيل لذلك الشارع ونسيت مع الوقت سرّ الفتاة وسحرها الغامض، وتلك الصدفة.
يعلو النباح مخنوقا هذه المرة إلى جانب نعيق بوم ليلي وصرير لبعض الحشرات الليلية، وأنا أجهل المصدر ككل مرة، وعلى الرغم من زيفها كأصوات، إلا أنها بدت في تلك الأمسية عميقة وموحشة، حتى غدا الشّارع على وقعها أفقا مدوياً مثل بريّة مهجورة، قررت أن لا أعود إلى هناك مرّة أخرى، بلا إجابات شافية، مكتفيا بما لدي من تفاصيل ونافذة صغيرة مضاءة بألوان زاهية، قد لا تكون لفتاة أبداً.
“خريف”
على أبواب الخريف، تغدو حاجتي للضوء أمرا ملحاً، حيث تمسي الدروب الأمامية شائكة وضحلة في النهارات القصيرة، ومليئة بخيبات كثيرة محتملة، الشارع الخلفي أكثر أمناً وسكينة، هناك يظلّ الضوء ملازما لجدران البيوت اللامبالية لفترات أطول، فقط شتلة “البيجونيا” تلك الماثلة أمامي… ما يمهد لخيبة محتملة، بل هي محض خيبة، فهي حين تنهار أوراقها دفعة واحدة كل عام، تضاعف من كآبتي، وتثير في داخلي قلقاً خفيا، يتواصل حتى تتسع النهارات لضوء الشمس من جديد كل ربيع، ماذا لو أنها كشفت عن صدغ النافذة المهجورة أو ما بقي من ذلك الباب المغروس في الاسفلت وأسمنت الرصيف، ليراهما الناس؟ لهذا كنتُ مرغما على غرس شتلة أخرى، إضافية. دفنتُ بذور “اللبلاب” على يسار النافذة بين الحشائش، ودون أن يراني أحد، وكنتُ أراها من مكاني وهي تنمو في ارتباك وبطء شديدين باديء الأمر، وكيف تمدّدت في مكانها وتشعّبت أكثر مما يجب، حتى طوت ذلك الباب تحت ركام أوراقها وأخفت بعضا من إطار النافذة عن عيون الآخرين، تخطّت أيضاً حرمة الرصيف لتدوسها الأقدام بعشوائية قبل أن ترتد لتتسلق الواجهة وتملأ الجدار. الشّارع مقفر ويخلو من الناس أغلب الاوقات… الموت يتيه في المجيء إلى هنا، إذا ما رغب في إصطياد أحد ما هنا، بين جدرانه الخلفية. الموت حين يقصد بيتاً أو أحداً، فهو إما سيعبر من بين تلك الفجوات الواسعة والمعلقة على صدر الواجهات الأمامية، المطلّة على الطرق السريعة من نوافذ وشرفات فسيحة، أو أن يخرج بغتة من فضاءات الأمكنة السفلية، المعتمة، لكنه لا يمرّ من هنا. هبط الليل أخيراً على أنقاض المساء لهذا اليوم بعد عناء طويل، جاري… ذلك الشّاب في مقتبل العمر والذي يقطن الطابق الأرضي، يترنح مصباحه وكأنه من عالم آخر، حين يبعث بأشكال غريبة، تتحرك على الجدار المقابل لشرفتي، قبل أن يغرق الشّارع في العتمة من جديد، وجوده تحت تلك المظلة الخارجية يؤنس وحدتي قليلا، نوبات الذعر التي تجتاحني ليلا تنخفض حدتها إلى أدنى مستوياتها أيضاً، والتي غالبا ما تبدأ بانبعاث أصداء متقطعة، غير حيّة، تختنق في الأثير لتصل إلى سمعي خالية من أي نبرة للحياة، كانت مزيجاً من نباح يتصاعد وصرير متواصل يقطعه نعيق بوم من وقت لآخر، لم يكن مصدر الأصوات غامضا، فكل الأقبية المهجورة، قد تكون مصدراً محتملا لها، بل هي مصدرها الوحيد، ماذا لو رأى أحدهم تلك النافذة، وذلك الباب؟ ثم عمد إلى فتحه… بماذا سأجيب الموت وهو يجتاز ذلك الباب خارجا من عتمة القبو، ليسألني عن عمري، وعن معنى وجودي؟
حركة حيّة، أسفل الشارع، تجرّأتُ ونظرت في حذر، ابتلعت ريقي وأنا أرى ذلك الشّاب المتسكع، الذي اعتدنا على مروره المتمهل، وهو يقف ويحدق باتجاه النافذة في حيرة وصمت، يا إلهي …. الآن أستعيد نظرته الساخرة، المستخفّه نحوي، بينما كنتُ أحتفي بالمطر ذات يوم، كيف لم أدرك وقتها بأن الموت قد يأتي به الغرباء أيضاً، وقد ينتشلونه من أعماق المتاهات البعيدة للأزقة، ويلقون به هنا، بيننا، عن عمد!!
“قبو”
من مكاني حيث الفضاء قبو سحيق، والنافذة الصغيرة أعلى الجدار تكاد تختنق بأتربة الرصيف، وفيما تكشف لي عن تعثر الناس، إلا أنها لا تراهم، أعرفهم وتعرفهم مثلي، من وقع اقدامهم المتمهلة، ومما يتساقط نحونا من همس قليل قبل أن تركله الرياح نحو الصمت، لكننا نتيه في اجتذاب وجوههم، فلا نعرفهم.
منذ يومي الدراسي الأخير في ذلك المعهد، والمرآة الصغيرة على رف التسريحة الخشبية رفيقتي … كلما التقينا تبثني نبضها الذي هو نبض أيامي الغابرة.
فيما مضى، كانت تدير لي ظهرها حين تعكس صورتي، وانا اغادر مسرعة، ولم أكن أبالي، مرّ وقت طويل قبل أن أدرك السبب، وكان تتبعي لكل الخطى المتمهلة عند الرصيف، أو لحاقي بقطط الطريق وحفظي لألوانها ثم تعقبي لأوقاتها السعيدة بالتمرّغ عند حلق النافذة، كل ذلك وأكثر كان يباعد بيننا، عرفتُ هذا منذ البداية، ولم أكترث، وحين لم تعد لي حاجة إلى الاصباغ وجملة المساحيق التجميلية على أرفف التسريحة، صرنا صديقتين.
من مكاني تبدو السماء بعيدة، لكنها حين تنظر إلى موضع قدميها تراني، ليست رمادية اللون تماما، مثلما وصفتها عروق نبتة “اللبلاب” للنافذة، عندما تلاقت عيوننا ذات مرة، تبسّمت وألقت بقبلة زرقاء، صافية، قبل أن تصعد من جديد… نبتة “اللبلاب” ليست كاذبة، لكنها تكره النوافذ الواطئة، المتلصصه، القابعة بين سلالم الأقبية المهملة، ربما لأنها تكره فيها ذلك الماضي المهين الذي تعرفه، حين أورقت بين أقدام مشتتة، لتدوسها في كل إتجاه، قبل أن تتسامى وتسكن القمة.
من مكاني أعرف القليل مما يرد من بين قضبان النافذة، فهي لا تخفي عني شيئا، لكنها تحتفظ بما لدي من أسرار، تحجبها عن الناس وفضول الأرصفة، تلك النافذة المربعة الصغيرة، ليست كلها لي، لي نصفها، ونصفها الآخر لريح المدينة وضوء الشمس قبل أن يحجبه عنّا إشتباك العروق بين شتلة “البيجونيا” و شجرة اللبلاب، وزجاجها الخارجي لا ينفك يناوش الأشياء أثناء نومي واستراحاتي الطويلة، وكلما سنحت لها طقوس الاشتباك بين النبتتين، وربما تهبط نحو شراذم الحفر أو تقفز فوق أسوار البيوت على الجانب الآخر، وقد تعبث بخطو أقدام العابرين أو تعرقل سيرهم، لكنها جاثمة في مكانها، مثلي… ولا تأتيني بالوجوه، فلا أعرفهم!
“شادر”
ربما سأفتقد هذه الليلة لعمق رغباتي الجامحة بالحُلم، ولنصف الطمأنينة في إشعال النشوة فيها، بعد الذي جرى لذلك العجوز…!
أحلامُ اليقظة ليست رهنا بما يستعصي علينا من طموحات، أو بالمؤجل منها، ربما كان أغلبها كذلك، ولكن بعضها قد ينحصر باشعال أمنيات عادية ومألوفة، لتأتي كتعويض أو استحضار لها …، ربما لمْ يدرك تماما ما أعنيه ذلك الجار العجوز، وانا أنصب شادر القماش تحت شرفته التي تدلت عنها جدائل نبتة “السّبحة”، وأعلن له رغبتي بتقليم الفائض منها حتى حدود الشرفة فقط، بدى عليه القلق والامتعاض لكنه لم يمانع، كان غريب الأطوار قليلا، وكنتُ أغبطه على وعيه واحترامه لذوقه وفترات الاسترخاء الطويلة التي يقضيها في التأمل على ضفة الجانب الآخر لمنزله، وأقدّر فيه اهتمامه بتحويل المساحة الجرداء للجدار المقابل لنا، إلى واجهة خضراء، جميلة، حين تطوع ذات يوم لغرس شتلة “بيجونيا” جميلة، وسط المساحة الرملية الضيقة بين الرصيف والجدار، وشرع يتعهدها في كل عام حتى تزهر مطلع كل صيف، ولم يكتف بذلك، فبعد وقت قصير، كان يضيف إلى المكان نبتة أخرى، غرسها بجد ونشاط إلى جانب الشتلة الأولى، كانت نبتة متسلقة، نَمَتْ وتشعبت عروقها في كل الاتجاهات وأستقرت على مساحة الواجهة بأكملها.
جمع بيننا هذا الملاذ الهاديء، باطلالة خلفية ساكنة تخلو من ضوضاء الشوارع الأخرى وفورة الناس، حيث كان يرابط هو ليل نهار على شرفته، بينما أركن أنا في الليل إلى فسحة منزلي الخلفية، أحدق عبر قضبانها المتباعدة، نحو عتمة الشارع، وأصغي إليه دون أن أراه وهو يحدث نفسه أو أستمع إلى وقع خطواته الثقيلة وهو يتنقل بين البيت والشرفة، إحساسي بوجوده كان يبعث في نفسي قدراً كبيرا من الطمأنينة.
إعترض طريقي صباح أمس، أمام مدخل البناية وانا أهم بالمغادرة، كان مضطربا تبدو عليه علامات الأرق، أطلعني بلا مقدمات، عن ريبته بأحد المتسكعين في الليلة الفائتة، كان قد رآه وهو يقف أسفل الشرفة، سألني في قلق إن كنت قد رأيته أنا ايضاً، فأجبته بالنفي، بلع ريقه ثم إندفع نحو سؤال آخر، هل تسمع أصواتا غريبة أثناء الليل ؟ مثل ماذا ؟ رددت … بدى أكثر تشوشاً وهو يستدير ويعبر الرواق عائدا لبيته، ولم يزد شيئاً.
أنطلقت مدفوعا برغبتي في إرتياد أفق جديد، بحثا عن نشوة مختبئة، تكمن خلفه، لهذا المساء، شوادر الخضروات أو البطيخ، المنصوبة على جانبي الطرقات الخارجية تغريني منذ زمن بعيد، وتضاعف من وتيرة الحُلم لدي، المدى من حولها فضاء موحش، لكنه ليس مقفرا تماما، تشدني إليها وتثير رغبتي بتلك البساطة في المكوث، الليل يخيم على الطرقات الخالية الا من عابر قد يمر مسرعا أو يقف ليبتاع شيئا ثم يفر ليلحق بالطريق قبل أن يوغل الليل، السرير المعدني تحت لمبة الغاز الوحيدة، التي تتدلى، تتراقص على وقع هبوب للرياح تحت سقف الشادر، مما يضاعف الوحشة ويجلب إلى حيز المكان أرواحا إضافية هاربة لتعلق فيه، ذلك السرير يمكن له أن يكون على الجانب المقابل لأرفف الخضار أيضا، وربما إلى الخارج قليلا، قد تبدو السماء من فوقه قبة مرصعة بالنجوم في غياب أنوار المركبات العابرة، وقد يكون المساء حافلا بتداخل أصوات بعيدة كالنباح ، وصرير حشرات الليل، وبعض أصوات الطيور كالبوم، أو الغربان…. تلك الشوادر في انعزالها تبدو كواحة، أحملها، وأنا أعبر مسرعا نحو وهج المدينة الصاخب، مخلفا ورائي رغبتي الدافئة بالبقاء.
جلبة على غير العادة هذا المساء، تجتاح الشارع الخلفي، نظرت من بين قضبان الفسحة الأرضية، كان ثلاثة رجال على الجانب المقابل، بينهما رفش وصبة إسمنتية وبضعة قوالب متراصة من الطوب، وحوار شائك فيما بينهم، حسمه أحدهم على الفور باجتثاث شتلة “البيجونيا” من جذورها، وإزالة الحشائش من بين جذوع النبتة المتسلقة في الأسفل، ثم إعتلى آخرسلما وعمد إلى نزع عروقها عن الواجهة، نظرت إلى أعلى، إلى حيث جاري العجوز، كان يقف منتصبا فوق شرفته الصغيرة بصمت، ما لم أفهمه هي تلك النظرة التي إرتسمت على وجهه، فهي لم تكن تنم عن وجع إزاء ما يجري مثلما توقعت، وإنما ثابتة تنضح بترقب شديد وذعر، ظهر باب حديدي متهالك، غمره الرصيف إلى النصف، ونافذة صغيرة منخفضة، أذكرها تماما لكنني كدتُ أنساها مع الوقت، مضى رجل آخر نحو الباب دفع بمصراعه إلى الداخل، فانفتح، أويت تلك الليلة إلى سريري تحت الشادر وسط الفسحة غير مبال بما يجري، أرخيت أطرافه حولي، أخرجت من صدري واحة جديدة للحلم، كنتُ أحملها إلى هنا، إشعلتُ المكان بأصوات النباح والصريرعبر آلة التسجيل، لجلب فضائها الموحش، مثلما إشتهيت… وفي الصباح، كان الجدار المقابل قد تحوّل إلى واجهة أسمنتية جرداء، كعهد أيامنا الأولى، لكن بلا باب أو نافذة، وأما جاري العجوز فقد مات ليلا، ربما تأثرتُ كثيراً لموته، أول النهار، وشردتُ بين ذكرياتنا إلى ما بعد الظهيرة، لكنني انطلقت على الرغم من ذلك، نحو أفق جديد، سيبدأ من هناك، من مكان ما…. ثم ينتهي بي هنا، في هذا الشّارع الخلفي، لا محالة.
__________________
* قاص من الأردن