في مديح البرابرة وهجائهم


لينا هوايان الحسن *

“البرابرة”، أحبها هذه المفردة، والجميع يفعلون ذلك. مفردة عصية على الاندثار.مفردة شكلت إغواء كبيرا للكاتب ج. م. كويتزي وسمّى أفضل رواياته “في انتظار البرابرة” معترفا في أكثر من مناسبة بأنه معجب كبير بعمل دينو بوتزاني “صحراء التتار” بحيث أن ثمة تشابها كبيرا بين العملين. إضافة إلى استلهامه للعنوان من قصيدة شهيرة للشاعر اليوناني قسنطين كفافيس تحمل نفس العنوان.

والفيسلوف تزفيتيان تودروف سمّى آخر كتاب له “الخوف من البرابرة”.
العنوان هو للمجلة الفرنسية “فالير أكتويل”، تعليقا على تقرير سرّي خطير لوزارة الداخلية الفرنسية حول عصابات المافيا من بين المهاجرين، وما يقترفونه من أعمال قتل وسطو مسلح وتهريب للهجرة غير الشرعية وللمخدرات ومن غسيل للأموال في العقارات وغيرها..
قديما استخدم الإغريق لفظة برابرة، للإشارة إلى الثقافات الأجنبية التي التقوا بها ويقال إن أصل الكلمة نابع من سخرية الإغريق من ناطقي اللغات الأخرى غير الإغريقية أو من ناطقي اللغة الإغريقية بطريقة خاطئة وكانت تستخدم للإشارة إلى شخص غريب أو قبيلة أجنبية والتي لا يتحدث أفرادها اللغة الإغريقية.
لهذا وجدت هذه المفردة لتدل على الغموض، وسرعان ما وجدت طريقها إلى القاموس، إلى البراغماتية السياسية. استُخدمت دائما لنعت الخصم، ومع الوقت أصبحت تومئ إلى الهمجية. البربرية، خياري المفضل تجاه كثير من المفردات الأنيقة والمهذبة. لا طعم لتلك المفردات التي يجمع الكل على إيجابيتها، ولا حتى تلك المفردات الشريرة التي يُدينها الجميع.
كفافيس عندما كتب قصيدته “في انتظار البرابرة”، حكى عن تأهب الملك والجيش أخيرا بسبب توقع هجوم من البرابرة، لكن البرابرة لا يصلون، فيختم كفافيس قصيدته: “والآن؟ وبدون البرابرة، ما الذي سيحدث لنا؟ هؤلاء البرابرة كانوا حلا من الحلول”.
إذن، ثمة إغواء في أن نكون برابرة، لعلنا نكون الحلّ. فلتكن: “البربرية، استراتيجيتنا”، ولنترك الآخرين في مهب التوقعات، فلنغدر بهم كالكرة التي تخون مارادونا ولا تدخل المرمى، كأن تضرب بالعارضة مثلا، كأن نشبه الهدف المتسلل الذي يتحدّى الحكام في إدانته.
سارتر أعلن ذات مرة: “الآخرون هم الجحيم الذي نعيشه”، جميل، لكن مع تعديل طفيف أن نحترف مهنة الجحيم.
ولكن ماذا عن البرابرة الذين وصلوا حقا، وها هم يدمرون اليوم عالما بأكمله، بينما هم يتشدقون باسم الوطن، والدفاع عنه ضدّ المؤامرة الكونية؟
_________
كاتبة من سوريا مقيمة في بيروت/العرب

شاهد أيضاً

أبورياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع لإنارة الطريق

الأديب موسى أبو رياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *