نسوان الفيسبوووك


علي السوداني *

وها أنا أشيل الليلة، كأسَ العوافي وقبّعة الستر، فوق مسلّة خمسة شهور بادتْ وتراكمتْ، على تجربتي بباب الفيسبوك المشهور.
خبرتي تتناسل، ومزاجي لم ينم على عكرة حتى اللحظة، والجحر الذي لُدغتُ منهُ أوّل الحرثة، صار الآن طرفةً نائمة في سكراب الذاكرة، وخلف ظهر المهانة.

من دفتر الأيام الفيسبوكية الأُوَل، سقطتُ ببئر حبّ مئة امرأة وامرأة، منهن واحدة سمراء خلاسية نحاسية، منظرها يأكل من العقل نصفهُ، ومن الكياسة ما تبقّى. في البدء، أحببتها بهدوم الحشمة التي لم تُظهر سوى ساقية مسوّرة بهطيل نهدينِ فائرين.

امرأة ثانية كانت اختصرتْ عذرية الخلاسية الأولى بقوة، فلم أكدْ أنهي فعل الدوس الواثق على زرّ الصداقة، حتى انفتحتْ شاشة الصفحة، على جسد عاجيٍّ مذهلٍ، وخلطة مبهرة، من فرط غوايتها تكاد تصيح.

الثالثة هي أرملة ٌ قحّ من سكنة ديار العاج والنحاس والجوز، كان زوجها جنرالا آمرا ناهيا بقصر السلطان، حتى لحظة صياغة “بيان رقم واحد” الذي نفقَ بباب نهايته، بعلها الجنرال الطيّب، وخلّف لها والصبيّتين الحلوتين، رقم حساب سرّيٍّ بواحد من بنوك هاواي العامرة، يسيح من حوله لعاب العتاة الشِداد، وخضرة الدولار البهيّة، وقد وجدتْ الأرملة الطيبة ببورتريت علي السوداني الرحيم، منقذا ومخلّصا منتظرا، له من إرث الجنرال حصة دسمة، ومن قلب الأرملة الحنون، تكية وراحة ومَبخرة. أما الرابعة، فهي من الصنف الذي يقصفُ قلبك بالتمنّع اللذيذ، ويُشمّعُ كبدك بالدلع المفتقد.

بُعيثاتها من الفوتوغراف، ليست من النوع الذي جاء على ذكره العاطر، الزعيم المجتهد عادل إمام، والرقاصة الساكنة فوق سقفه المستور. 

مرة تكاتبني بقصيدة رامبوية فجّة، وثانية تتغزّل بسيف أبي الطيب المتنبّي المسلول، وثالثة تدغدغني بإضاءة نقدية مدهشة، ترقص على سور نصّي المدموغ “كأس فودكا على طاولة غونتر غراس” وحيث يدبّ دبيبها العذب في قحف الرأس الولهان، أشيل جسدي المتثاقل، وأقوم من قعدتي الراسخة، وأصيح بعتم الليل: الله الله عليك أيتها الجميلة، فتفزّ زوجتي المبروكة، وتمسكني من خشم السؤال الشكّاك، فأجيبها بخبرة واويٍّ عتيق: إنها أنت أيتها الحبيبة. 

بعد انصرام شهرٍ قمريٍ، واعدتني هذه الرابعة البديعة، بمقهى جفرا، وسط ربّة عمّون. دلفتُ إلى المقهى بظهرٍ قائمٍ، وثقةٍ تشبه ثقة قطةٍ تتلمّظ بحوشِ ملحمة. كان المكان ساكتا مثل فخّ عظيم، وكان بوسعي ظهريتها، أن أبلع صنّارة صديقي الحقير الضاحكة بقوة!! 

أمّا الآن، فأراني قاعدا على دربة ودراية وكنز حدوس. أقلّبُ صفحتي 
* قاص من العراق يعيش في الأردن

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *