صنع الله إبراهيم‮ ‬يتحدث عن الإعلام والثورة والإخوان والعسكر


*حوار‮ : ‬حسن عبدالموجود


‮”‬من الكتاب المثيرين للجدل‮”‬،‮ ‬هذا أول ما سيطالعك في الصفحة التي خصصتها له‮ “‬ويكيبديا‮”‬،‮ ‬وهذا حقيقي إلى أبعد درجة،‮ ‬فالكاتب الستيني الكبير صنع الله إبراهيم،‮ ‬ليس من نوع الكتاب النمطيين،‮ ‬لا في أعماله الأدبية،‮ ‬ولا في أرائه‮.‬
يبدو صاحب‮ “‬بيروت بيروت‮”‬،‮ ‬و”اللجنة‮”‬،‮ ‬و”نجمة أغسطس‮”‬،‮ ‬ميالاً‮ ‬إلى العزلة‮. ‬عزلته اختيارية،‮ ‬لا‮ ‬يقطعها أبداً‮ ‬إلا لحدث مهم،‮ ‬وعلى فترات متباعدة،‮ ‬ومن الصعب أن تجده مشاركاً‮ ‬في نشاط رسمي،‮ ‬وليس ضيفاً‮ ‬دائماً‮ ‬علي منتديات المثقفين،‮ ‬وهو تسبب في صدمة كبيرة لوزارة الثقافة في عهد فاروق حسني،‮ ‬وجابر عصفور،‮ ‬حينما رفض جائزة الرواية عام‮ ‬2003،‮ ‬لأسباب تتعلق بالانحدار العام الذي تسبب فيه النظام‮ “‬المخلوع‮”‬،‮ ‬مؤكداً‮ ‬أنه لا‮ ‬يقبل جائزة من وزارة تتبع ذلك النظام،‮ ‬ومنذ ذلك التوقيت بدأت الوزارة،‮ ‬وقلدها في ذلك،‮ ‬حتى،‮ ‬المؤسسات الخاصة،‮ ‬في إجبار المتقدمين لجوائز،‮ ‬أو حتى من ترشحهم جهات،‮ ‬على تقديم ما‮ ‬يفيد بقبولهم الجائزة في حالة فوزهم بها،‮ ‬حتى ترفع عن نفسها حرجاً‮ ‬مشابهاً‮ ‬للحرج الذي سببه صنع الله‮.‬
ومؤخراً‮ ‬أدلى الكاتب الكبير بحوار،‮ ‬هاجم فيه الدكتور محمد البرادعي بعد تخليه عن الثورة في توقيت حساس،‮ ‬واستقالته من منصبه كنائب لرئيس الجمهورية المؤقت،‮ ‬ورأيُ‮ ‬صنع الله الحاد لاقي احتفاءً‮ ‬من كثيرين ضايقهم موقف البرادعي،‮ ‬غير أن هناك من أكد أن صاحب‮ “‬شرف‮” ‬ذبحه وأجهز عليه تماماً‮. ‬في هذا الحوار‮ ‬يتحدث صنع الله حول كثير من القضايا،‮ ‬ما الذي‮ ‬ينقص الثورة،‮ ‬والإعلام،‮ ‬والتخبط الحكومي،‮ ‬وأيضاً‮ ‬تأثير الأحداث السياسية الملتهبة على مقروئية الأدب وعليه شخصياً،‮ ‬والبرادعي مرة أخرى‮.. ‬
صنع الله هو من اختار أن‮ ‬يبدأ من‮ “‬الإعلام‮”. ‬كان لديه كلام ليقوله في هذا الشأن‮: 
– “‬وضع الإعلام اليوم لا‮ ‬يسر،‮ ‬هناك سيطرة لأذناب النظام السابق بشكل أو بآخر،‮ ‬في كل مكان،‮ ‬في القنوات والصحف،‮ ‬ثم أن الملكية ذاتها مسألة تستحق التفكير والمناقشة،‮ ‬بمعنيى.. ‬من‮ ‬يملك ماذا؟ كل الناس الذين‮ “‬طبَّلوا‮” ‬وكانوا‮ ‬يمسحون الجوخ لمبارك وأذنابه موجودون كما هم،‮ ‬سواء في الصحف أو القنوات،‮ ‬ولكنهم في الفترة الأخيرة بدأوا‮ ‬يُظهرون أدمغتهم أكثر من خلف الجحور،‮ ‬وهكذا‮ ‬يستضيف أحد البرامج‮ “‬فأراً‮” ‬حقيراً‮ ‬ليتحدث حول علاقته بمبارك،‮ ‬وكيف كان‮ ‬يتصل به،‮ ‬لأنه رئيس تحرير‮. ‬شيء مخز ومؤلم‮.‬
ونحن لو نظرنا بدقة إلى صحفنا سنجد أن المهنية منحدرة جداً،‮ ‬سواء في صياغة الأخبار أو في تغطيتها‮. ‬أنت تقرأ أحياناً‮ ‬وتعجز عن فهم ما‮ ‬يُقال،‮ ‬أو ستجد شيئاً‮ ‬متناقضاً،‮ ‬أو ناقصاً،‮ ‬وهكذا،‮ ‬وهناك أمر‮ ‬يتعلق بالوضع الاقتصادي لمن‮ ‬يعملون في الجرائد بالذات،‮ ‬وخصوصاً‮ ‬في الصحف المستقلة،‮ ‬فلو نظرت ستجد أن هناك عدداً‮ ‬محدوداً‮ ‬من الأشخاص‮ ‬يحصلون على مرتبات عالية جداً،‮ ‬فيما‮ ‬يحصل الباقون على ملاليم مقارنة بهم،‮ ‬وهذا طبعاً‮ ‬يدفعهم إلى العمل اضطرارياً‮ ‬في أكثر من مكان حتى ‬يعيشوا،‮ ‬وبالتالي هذا‮ ‬يقلل من درجة أدائهم،‮ ‬وما‮ ‬يمكن أن نستخلصه من هذا أنه لا بد من إعادة النظر في اللوائح المالية الخاصة بتلك المؤسسات،‮ ‬وأيضاً‮ ‬إعادة النظر فيما‮ ‬يحصل عليه شباب الصحفيين،‮ ‬وبالمناسبة هذا‮ ‬يجعلني أحيِّي ما حدث في‮ “‬أخبار الأدب‮”‬،‮ ‬وأعتبره نموذجاً‮ ‬لما‮ ‬يجب أن‮ ‬يحدث في كل مكان،‮ ‬وهو أن هيئة التحرير،‮ ‬أو المحررين الذين تحملوا عبء الجريدة منذ أن صدرت‮ ‬يتولون أمرها‮. ‬كانت هناك محاولة حدثت في جريدة الأهرام بعد الثورة لانتخاب رئيس مجلس الإدارة وانتخاب رئيس التحرير والهيئة التحريرية من الموجودين،‮ ‬ولكن‮ ‬يبدو واضحاً‮ ‬أنها لم تنجح،‮ ‬وعموماً‮ ‬أنا ضد فكرة استقدام شخص من الخارج،‮ ‬لأي اعتبارات،‮ ‬وهذا مطلب أساسي‮ ‬يجب أن‮ ‬يحدث تمسك به‮.‬
الشيء الآخر أنه‮ ‬يجب البحث أو التفكير في صوت‮ ‬يمثل الجانب الآخر،‮ ‬الثوار،‮ ‬والشباب،‮ ‬ولكن هذا الصوت‮ ‬غير موجود‮. ‬كل الصحف المستقلة والقنوات‮ ‬يملكها أصحاب رؤوس أموال وغالبيتهم الساحقة نشأوا في عهد أنور السادات واغتنوا وسمنوا من القروض التي حصلوا عليها من البنوك في عهد مبارك،‮ ‬وبالتالي لا بد من البحث عن مصدر آخر بعيداً‮ ‬عن قنواتهم،‮ ‬وعلى سبيل المثال هناك ضرورة لوجود قناة فضائية مستقلة عن كل هذا،‮ ‬بمعنى‮.. ‬هل جبهة الإنقاذ وكل هذه الأحزاب والتنظيمات والحركات الثورية عاجزة عن إنشاء قناة؟ وعلى أسس رأسمالية كاملة؟ لا بد أن تكون هناك صحيفة مستقلة أيضاً،‮ ‬ويتم تكرار تجربة‮ “‬البديل‮” ‬بشكل أو بآخر،‮ ‬لقد كانت تجربة فيها جانب مشرق،‮ ‬وأيضاً‮ ‬كانت بها بعض العيوب،‮ ‬أدت إلى نهايتها،‮ ‬ولكن هذا لا‮ ‬يمنع من وجود محاولة أخرى لخلق جريدة مختلفة عن الصحف الموجودة،‮ ‬وقناة مختلفة عن القنوات السائدة،‮ ‬ومن ضمن الأمور التي أدت إلى فساد المهنة هو الدور الذي تلعبه الإعلانات،‮ ‬فهناك عدد كبير جداً‮ ‬من الصحفيين تحولوا إلى مندوبي إعلانات،‮ ‬وهذا مؤسف للغاية‮.‬
النقطة الأخيرة في هذا الموضوع أيضاً،‮ ‬ما تعرضت له شخصياً‮ ‬في الفترة الأخيرة،‮ ‬حيث أدليت بحديث،‮ ‬وفي هذا الحديث سُئلت عن رأيي في ترشيح عبدالفتاح السيسي لرئاسة الجمهورية فقلت إنه رجل وطني،‮ ‬ولكن هذا موضوع سابق لأوانه،‮ ‬وفوجئت بعد ذلك بنشر الحوار بعنوان‮ ‬يؤكد أنني أدعو وأؤيد ترشيح السيسي،‮ ‬ثم تلقفت صحيفة أخرى الموضوع وقالت إنني دعوت إلى ترشيح السيسي،‮ ‬وهو ما‮ ‬يعني أن الموضوع بدأ‮ “‬يتضاعف‮” ‬وأنا هاتفتهم فنشروا تصحيحاً‮ ‬ولكنه خبيث جداً،‮ ‬يقول إنني لم أدع إلى ذلك بشكل مباشر‮. ‬هذا شيء مخجل في الحقيقة،‮ ‬وأنا أتصور أن جزءاً‮ ‬مما حدث‮ ‬يرجع إلى المهنية،‮ ‬شخص ما حاول صياغة عنوان ساخن،‮ ‬وهكذا فإن الأمر الأساسي الذي‮ ‬يقف خلف ما حدث ويحدث هو الآفة التي نعاني منها،‮ ‬وهي التزلف،‮ ‬والنفاق ومحاولة مسح جوخ للقوات المسلحة وللسيسي على أساس أنه النجم الصاعد وهكذا‮.‬
هناك كثيرون فعلاً‮ ‬في الجرائد انقلبوا من التطبيل للإخوان للتطبيل للسيسي‮..‬
هذا‮ ‬يعود كما ذكرت للتزلف‮. ‬كل واحد‮ ‬يريد أن‮ ‬يكرر تجربة هيكل مع عبدالناصر،‮ ‬وموسى صبري مع السادات،‮ ‬كل هذا في صحف ليست قائمة على اقتصاد سليم،‮ ‬ولكن نشأت بشكل طفيلي ما،‮ ‬وفي بلد فقير ومتخلف وكان محتلاً‮.‬
* أليس لديك تخوف من أن‮ ‬يصب كلامك في مصلحة الإخوان الذين‮ ‬يصورون الإعلام،‮ ‬من دون تفريق،‮ ‬باعتباره إعلاماً‮ ‬مغرضاً،‮ ‬وفلولياً،‮ ‬ويقلب الحقائق،‮ ‬وعلى رأسها أن ما جرى في‮ ‬30‮ ‬يونيو انقلاب وليس موجة ثورية جديدة؟ وما القنوات والوكالات التي تتابعها،‮ ‬إذا كان ذلك هو رأيك في الإعلام؟ هل تتابع الوكالات التي‮ ‬يشهد لها المثقفون،‮ ‬رويترز علي سبيل المثال؟
‮- (‬ضاحكاً‮) ‬رويترز تكذب بسهولة،‮ ‬يا خبر أبيض،‮ ‬كنا طوال عمرنا نسمع من‮ ‬يهتف‮: “‬الـ‮ ‬BBC ‮ ‬قالت‮”‬،‮ ‬وأنت تقول للشخص‮: “‬يا حبيبي الـ BBC مستحيل تكون بريئة تماماً،‮ ‬ولكنه‮ ‬يرد عليك قائلاً‮ ‬إنها‮ “‬محايدة والعاملون فيها إنجليز ومستقلة‮”. ‬هذا كلام فارغ‮. ‬أنا معك أنها مستقلة،‮ ‬ولكنها تخضع لتمويل‮. ‬حينما تذهب إلى البنك لتحصل على قرض لا بد أن تقوم بأشياء،‮ ‬ولا بد أن تكون هناك ضمانات‮. ‬لا توجد أشياء محايدة أبداً‮ ‬وبالذات في العالم الرأسمالي،‮ ‬ولا حتى عندنا‮. ‬فيما‮ ‬يتعلق بي شخصياً‮ ‬أنا أتعب جداً‮ ‬في محاولة استخلاص الأخبار،‮ ‬حيث أشاهد كل القنوات وأقرأ كثيراً‮ ‬من الصحف،‮ ‬وأقارن الأخبار،‮ ‬وأرى ماذا قال هذا الشخص،‮ ‬وماذا حاول الشخص الآخر أن‮ ‬يُخفي،‮ ‬وتاريخ هذا الشخص،‮ ‬ولحسن الحظ أنني عشت من أيام الملك وعبدالناصر والسادات،‮ ‬وأتذكر تاريخ من‮ ‬يتحدثون حالياً‮ ‬جيداً،‮ ‬وحينما أجد أحدهم،‮ ‬في آخر لحظة،‮ ‬قبل وقوع‮ ‬25‮ ‬يناير،‮ ‬ينعق في التلفزيون دفاعاً‮ ‬عن مبارك،‮ ‬وأجده اليوم‮ ‬يتحدث بمنتهى الراحة،‮ ‬فهذا أمر‮ ‬غريب،‮ ‬وهذا أيضاً‮ ‬ينطبق على شخص آخر كان مندوب السفارة الأمريكية،‮ ‬وأصبح‮ ‬يتصدر المشهد الآن‮. ‬الناس لا‮ ‬ينسون،‮ ‬وإنما لكل حادث حديث‮.‬
والأخطاء المرعبة التي تحدث وانقلاب مواقف هذه الشخصيات وغيرها‮ ‬يلقي بظله على مصداقية الأنباء والتحليلات،‮ ‬فالتحليلات،‮ ‬على سبيل المثال،‮ ‬فيها أمور‮ ‬غريبة،‮ ‬بمعنى أن هناك من‮ ‬يصدعنا كل لحظة ويقول لنا إنه خبير استراتيجي،‮ ‬أنا شخصياً‮ ‬لا أعرف ما الذي‮ ‬يعنيه مسمى‮ “‬خبير استراتيجي‮”. ‬هذا لغز لا أستطيع فهمه‮. ‬كلمة خبير بمفردها‮ “‬ماشي‮”‬،‮ ‬فأي شخص قد‮ ‬يكون خبيراً،‮ ‬ولكن ما الذي تعنيه كلمة‮ “‬استراتيجي”؟ هل تعني أن خبرة هذا الخبير استراتيجية،‮ ‬أي أنها ستكون في المستقبل؟ أم أنه خبير في الشؤون الاستراتيجية؟ وما تلك الشؤون الاستراتيجية؟ هذا ضحك على الناس بطريقة‮ ‬غير معقولة،‮ ‬أي شخص تافه‮ ‬يمكن أن‮ ‬يقول عن نفسه إنه‮ “‬خبير استراتيجي‮”‬،‮ ‬ويظل‮ ‬يُفتي ويقول،‮ ‬ولكن هذا لا‮ ‬ينفي أن بعضهم‮ ‬يعمل مع المخابرات والأمن ولديه معلومات فعلاً‮. ‬هذه هي أهميتهم،‮ ‬ولكنهم ليسوا خبراء استراتيجيين،‮ ‬وإنما خبراء أمنيون‮.‬
*وفيما‮ ‬يتعلق بالإخوان؟
-هذا لا‮ ‬يعني ما‮ ‬يزعمه الإخوان‮. ‬إنهم‮ ‬يستغلون الأخطاء والبرامج ويتحدثون عن أن المعلومة المقدمة مزيفة‮. ‬لا،‮ ‬ليست مزيفة‮. ‬نحن نشاهد صوراً‮ ‬ونقارن،‮ ‬وهناك عشرات المصادر،‮ ‬ومن المستحيل أن‮ ‬يكون كل هذا الإجماع على أن هناك شيئاً‮ ‬بعينه حدث في منطقة ما،‮ ‬ثم لا نصدق ذلك،‮ ‬بالإضافة إلى أن الشعب أصبحت لديه ثقة في قواته المسلحة وفي قيادتها الحالية‮. ‬هذه الثقة لم تكن موجودة بالنسبة للقيادة السابقة،‮ ‬وهذه الثقة خُلقت من خلال الدور الذي تلعبه القيادة الحالية بوعي وبحكمة وبتجرد وإحساس وطني عال‮.‬
*وما الضمانات لأن لا تتحول هذه القناة إلى صوت موجه لجبهة الإنقاذ أو للأحزاب أو للتيار؟
-ما الضمان لأي شيء في مصر اليوم؟ إنه ميدان التحرير،‮ ‬والشارع،‮ ‬علينا أن ننشئ هذه القناة فوراً‮ ‬فلا‮ ‬يوجد ضمان آخر‮. ‬ودعني أسأل أيضاً‮: ‬ما الضمان لأن السيسي لن‮ ‬يقوم‮ ‬غداً‮ ‬بانقلاب عسكري؟ ما الضمان ألا‮ ‬ينقل نفسه من مكان إلى مكان؟ إنه الشارع‮.‬
*زرتَ‮ ‬بيت عبدالناصر وقلت إنك تعمل على رواية عنه،‮ ‬فأين وصلت في تلك الرواية؟ وبمناسبة عبدالناصر هل ترى أن مصر في حاجة حالياً‮ ‬إلي زعيم؟
-أولاً‮.. ‬أنا لا أتحدث عن أي شيء أعمل عليه‮. ‬ثانياً‮.. ‬مصر تحتاج إلى قيادة وطنية واعية،‮ ‬تواجه الظروف المعقدة التي‮ ‬يمر بها البلد،‮ ‬من وضع اقتصادي سيئ،‮ ‬وهجمة رجعية متمثلة في الإخوان المسلمين،‮ ‬إلى تحالفات معقدة ما بين الدول،‮ ‬وهي تحتاج إلى نوع من السلاسة واليقظة الشديدة في التعامل معها‮.‬
نحن نحتاج إلى قيادة عصرية حديثة،‮ ‬وأعتقد أن هذا هو مفهوم الزعامة،‮ ‬إنما الفكرة‮ ‬يجب ألا‮ ‬تتحول إلي شيء آخر نحن والعالم أجمع تخطيناها،‮ ‬وهي عبادة الفرد،‮ ‬وفكرة القائد المنزل المنزه،‮ ‬كان هذا موجوداً‮ ‬في الخمسينيات والستينيات في مرحلة التحرر الوطني،‮ ‬واحتياج الشعوب لبابا،‮ ‬سكارنو في أندونيسيا،‮ ‬غاندي في الهند،‮ ‬كيندي في أمريكا،‮ ‬وعبدالناصر في مصر،‮ ‬وغيرهم،‮ ‬كان هذا في مرحلة انتهت لأن الشعوب نضجت واكتشفت أن هؤلاء الآلهة لم‮ ‬يكونوا آلهة ولعبوا دوراً‮ ‬معيناً‮ ‬خلال فترة‮ ‬معينة والظروف ساعدتهم،‮ ‬وأعتقد أننا شُفيِنا من مرض عبادة الفرد والبحث عن زعيم ملهم،‮ ‬ومرة أخرى‮.. ‬نحن نحتاج إلى قيادة واعية،‮ ‬وإذا انحرفت عن مسارها‮ ‬يمكن تغييرها بسهولة كما شاهدنا وعاينَّا‮.‬
*هل هناك أسماء من الموجودين حالياً‮ ‬ينطبق عليها كلامك‮.. ‬أم أنك تتحدث عن شخصية افتراضية؟ 
-لا أتحدث عن شخصية افتراضية،‮ ‬أي شخص من الموجودين‮ ‬يتصدى للمسؤولية ويكون لديه برنامج واضح وحس وطني‮ ‬يستطيع أن‮ ‬يفعل ذلك‮. ‬أسوأ شيء قام به السادات ومبارك الانفتاح و99٪‮ ‬في‮ ‬يد أمريكا‮. ‬كل هذا كان‮ “‬كوم‮” ‬والشيء الذي كانت تريده أمريكا وإسرائيل كان‮ “‬كوم تاني‮”‬،‮ ‬وهو تغيير سيكولوجية الشعب المصري،‮ ‬والحس الوطني،‮ ‬ومن أجل هذا مُنعت الأغاني الوطنية طوال فترة السادات،‮ ‬ومن أجل هذا أيضاً‮ ‬تغير النشيد الوطني،‮ ‬كان ذلك أحد شروط أمريكا،‮ ‬وهكذا استحضر النظام اللواء الدكتور محمد عبدالوهاب ليلحن بلادي بلادي،‮ ‬ويعمل لحناً‮ ‬رخواً،‮ ‬قارن هذا بـ‮ “‬والله زمان‮ ‬يا سلاح‮” ‬ستجد أن الفارق شاسعاً‮ ‬جداً‮. ‬هذا هو ما عملوا عليه طوال أربعين سنة،‮ ‬فترتي السادات ومبارك،‮ ‬حتى أوصلوا الناس إلى التفكير في الهجرة قبل‮ ‬25‮ ‬يناير‮. ‬الوطنية والإحساس بالهوية ومصالحها وإرادتها انتهت وأصبح الناس‮ ‬يسعون إلى أن‮ ‬يكونوا خدامين عند الأجانب،‮ ‬وهذا هو ما تغير في‮ ‬30‮ ‬يوينو،‮ ‬أصبح هناك اعتزاز بأنك مصري تستطيع أن تُعارض وترفع صوتك عالياً،‮ ‬وأسقطت شخصين في عامين،‮ ‬هذا هو ما سيبقى الإحساس بالوطن وبالتالي‮ ‬يجب أن نعمل على تقوية ذلك ليستمر‮.‬
*هجومك على محمد البرادعي أحدث صدى كبيراً‮ ‬ما بين مؤيد ومعارض لكلامك‮.. ‬هل تابعت ذلك وكيف ترى من‮ ‬يقولون إنك ذبحته؟
-أنا كنت حاداً‮ ‬قليلاً،‮ ‬لأن تصرفه كان سيئاً،‮ ‬وضاراً،‮ ‬وتكشفت خلفيات بالتدريج حول ما كان‮ ‬يجري من محاولة ترتيب اتفاق مع الإخوان على أساس أن‮ ‬يأتي رئيساً‮ ‬للحكومة‮. ‬كانت هناك أشياء مريبة جداً‮ ‬تحدث،‮ ‬بالإضافة إلي أن هناك نوعاً‮ ‬من الناس كانت لديهم بقايا رغبة قديمة في أن‮ ‬يكون هناك‮ “‬بابا‮”. ‬واحد فجأة نزل المطار،‮ ‬ووجد الناس تجري لمقابلته سعيدة جداً‮ ‬بأن رجلاً‮ ‬محترماً‮ ‬وحكيماً‮ ‬وله سمعة دولية وحاصل على جائزة نوبل قد ظهر،‮ ‬إنما مثل هذا النوع من الناس أصبحنا‮ ‬غير محتاجين له،‮ ‬إن لم‮ ‬يكن لديه نوع من المثابرة على الموقف‮. ‬كان البرادعي‮ ‬يظهر ويختفي،‮ ‬يأتي ويذهب،‮ ‬ماذا كان‮ ‬يفعل؟ لا أحد‮ ‬يدري،‮ ‬وصاحبه في الوقت نفسه،‮ ‬خلال عام‮ ‬2010،‮ ‬ظهور عدد من الناس،‮ ‬شخصان أو ثلاثة،‮ ‬أصبحوا نجوماً‮ ‬حالياً،‮ ‬تفتح أي قناة أو جريدة ستجدهم،‮ ‬يتحدثون ويحكون ويحللون ويُفتون،‮ ‬وهم‮ ‬يفعلون ذلك بشكل جميل جداً‮. ‬إنهم خبراء في الحديث والرغي،‮ ‬الشهادة لله‮ ‬يعني،‮ ‬ظهر هؤلاء فجأة ومنهم من دخل لجنة سياسات مبارك،‮ ‬ومنهم من له علاقات بمراكز أبحاث أمريكية،‮ ‬ومنهم ومنهم‮. ‬ما الحكاية؟ هل تعتقد أن الأجهزة الغربية وعلى رأسها المخابرات الأمريكية نائمة؟ لا‮. ‬إنهم تعمل،‮ ‬ولكن ماذا تعمل؟ بالطبع تقوم بتنفيذ سيناريوهات،‮ ‬وخلال ذلك‮ ‬يتم إعداد ناس وتحضيرهم،‮ ‬ومنهم من‮ ‬يُكمل،‮ ‬ومنهم من‮ ‬يختفي،‮ ‬ومنهم من‮ ‬يغير مواقفه فجأة،‮ ‬مثل صاحبنا أبوذقن الذي‮ ‬غيَّر موقفه من أكبر عميل في المنطقة لأمريكا إلى شخص‮ ‬يتحدث ضدها،‮ ‬وضد هيمنتها.هناك من وصف البرادعي بأنه‮ “‬الأب الروحي للثورة‮”‬،‮ ‬إذن وما‮ “‬كفاية”؟ كانوا أعضاء الحركة‮ ‬يخرجون في الشارع ويتعرضون للضرب من قبل أن‮ ‬يفتح أي شخص فمه،‮ ‬في سنة‮ ‬2004،‮ ‬رأيتهم أول مرة وكانوا خمسة شباب‮ ‬يمسكون بلافتة مكتوب فيها‮ “‬لا للتوريث‮”‬،‮ ‬ثم بدأت الحركة تتمدد وتتعرض للاضطهاد‮. ‬هذه الحركة هي الأساس فيما حدث‮.‬
البرادعي صنع ضجة،‮ ‬ووجه ضربة قوية جداً‮ ‬في الوقت المناسب للثورة،‮ ‬ثم ذهب إلى بروكسل،‮ ‬فلماذا فعل ذلك؟ لماذا ذهب إلى بروكسل؟ ماذا سيفعل هناك؟ إنه شخص مستقيل،‮ ‬وطردوه من جبهة الإنقاذ أو قطعوا علاقتهم به أو لا أدري،‮ ‬فباسم من سيتحدث؟ باسم مصر،‮ ‬إذن علي أي أساس؟
* حالة الإنكار الإخوانية متي تنتهي في تقديرك؟ وهل أنت مع المصالحة التي‮ ‬يدعو إليها البعض حالياً؟
-لا‮ ‬يمكن التصالح مع قتلة‮. ‬هؤلاء لا‮ ‬يُصنفون سوى في هذا الباب،‮ ‬هناك خارطة طريق وشبه إجماع عليها،‮ ‬ولا بد أن نُكملها،‮ ‬ونحن نتحرك في اتجاهين،‮ ‬أمني وهو القضاء علي أي بؤرة إرهابية،‮ ‬وعلي أي محاولة للعنف واستخدام السلاح،‮ ‬مع التأكيد علي أن العنف صادر فقط من جانب الإخوان وحلفائهم لا أي جانب آخر،‮ ‬والجانب الثاني سياسي،‮ ‬وأنت حالياً‮ ‬تشعر بأن شعبية الإخوان تقل،‮ ‬بسبب العنف،‮ ‬وفي اللحظة التي تحقق فيها مطالب الثوار والثورة أكثر فأكثر ستتلاشي تماماً‮ ‬أي شعبية للإخوان،‮ ‬وبتلك المناسبة دعني أسأل‮: ‬أين العدالة الاجتماعية؟ أين الحدان الأقصى والأدنى للأجور؟ كم مر علينا الآن منذ قامت‮ ‬25‮ ‬يناير؟ لماذا ليس باستطاعتنا عمل الحد الأقصى والأدنى للأجور؟ أنا أعلم أن تشكيل الحكومة الحالية قد‮ ‬يمثل عقبة ما،‮ ‬لأن الحكومة فيها أشخاص لهم علاقة وثيقة بالبنك الدولي،‮ ‬وبالغرب،‮ ‬ولكنك في ظل قانون الطوارئ تستطيع عمل أشياء كثيرة،‮ ‬ومن الجيد أن أحد الوزراء تخلص من مستشارين كانوا‮ ‬يكلفون الدولة نصف مليون جنيه في الشهر،‮ ‬هذا ما‮ ‬يجب أن‮ ‬يحدث،‮ ‬أن تتم السيطرة على أصحاب المبالغ‮ ‬العالية وأن نحدد حداً‮ ‬أدنى للأجور،‮ ‬ألفاً،‮ ‬ألفاً‮ ‬ومائتين،‮ ‬هل نحن عاجزون عن ذلك؟،‮ ‬ولكن حينما تقول ذلك أو تطالب به‮ ‬يخرج عليك واحد من‮ “‬بتوع‮” ‬البنك الدولي ويقول لك‮ “‬لا توجد أموال‮”‬،‮ ‬حسنٌ‮ ‬إذا لم تكن هناك أموال فأحضر الصناديق الخاصة،‮ ‬وامنحني الأموال التي‮ ‬يحصل عليها المستشارون،‮ ‬وأموال الإخوان‮. ‬الجيش أصلح ما أفسده الإخوان في رابعة فما شأنه بهذا؟ كان الأولى إجبار الإخوان على فعل هذا،‮ ‬هناك أشياء‮ ‬يجب أن تتم بحسم باستخدام قانون الطوارئ،‮ ‬وفي اللحظة التي‮ ‬يشعر فيها المواطن بأن هذه الدولة الجديدة التي خرج في الشارع من أجلها لديها رغبة جدِّية في أن تحقق له مستوى أعلى من الحياة،‮ ‬والدليل على ذلك ليس كلامها،‮ ‬وإنما أشياء ملموسة قامت بها،‮ ‬سنكون حققنا هدفاً‮ ‬مهماً‮ ‬من أهداف الثورة‮.‬
*هل القبض على قيادات الإخوان كفيل بالقضاء على الجماعة نهائياً‮.. ‬وكيف تفسر الابتسامات على وجوه المقبوض عليهم‮.. ‬هل هي محاولة للإيحاء بتماسك مفقود؟
-الجماعة تعرضت لضربة قوية،‮ ‬وهي تحتاج إلى وقت لتعيد طريقة التفكير،‮ ‬أو‮ ‬يحدث لها إعادة تربية كما‮ ‬يقولون،‮ ‬ولن‮ ‬يحدث هذا بالكلام وإنما بالفهم،‮ ‬عليك أن توضح للإخوان إمكانية أن‮ ‬يكون هناك وضع اجتماعي أفضل،‮ ‬ومن الممكن أن تخرج المرأة إلى الشارع وهي ترتدي‮ “‬فستاناً‮ ‬بنص كُم‮”‬،‮ ‬وتوضح لهم أن هذا شيء عادي كما كان عادياً‮ ‬في الستينيات،‮ ‬والسبعينيات‮.‬
*وهل أنت مع مقاطعة الدول التي تقف موقفاً‮ ‬معادياً‮ ‬للثورة مثل قطر وتركيا؟
-ممكن،‮ ‬ولكن هذا ليس الأساس،‮ ‬فأنت عليك أن تسير بقوة في طريقك،‮ ‬ولكنني عموماً‮ ‬أشعر بالخجل من أي مصري،‮ ‬تحت أي ادعاء،‮ ‬يخرج في قناة الجزيرة،‮ ‬ولا تقل لي أي شيء بخصوص هذا،‮ ‬لا تقل لي إنك قبلت الظهور في تلك القناة المسمومة لتفند ادعاءاتها ولترد عليها‮. ‬هذا كلام فارغ‮ ‬ومحاولة للعب على جميع الحبال،‮ ‬لا بد من مقاطعة الجزيرة‮. ‬هذا واجب على كل مصري‮. ‬لا أحد‮ ‬يشاهدها ولا أحد‮ ‬يظهر فيها‮. ‬على العاملين فيها أن‮ ‬يشعروا بمصريتهم‮.‬
*كيف ترى دور المثقف بعد الثورة‮.. ‬هل علينا أن نعيد التفكير في فكرة أنه هو المنوط به قيادة التغيير في المجتمع؟
المثقف قبل الثورة مثله بعد الثورة،‮ ‬ليس هناك جديد،‮ ‬كما أن الشعب مثقف،‮ ‬والمثقف ليس شرطاً‮ ‬أن‮ ‬يكون حاملاً‮ ‬للدكتوراة،‮ ‬وأنا على استعداد لأن آتي ببائعة فجل من أول الشارع تفهم أكثر منا‮.‬
أخيراً‮.. ‬هل ترى أن مقروئية الأدب تأثرت بالأحداث السياسية‮.. ‬وفيما‮ ‬يتعلق بك هل حدث ذلك التأثير؟
ممكن طبعاً،‮ ‬نحن نتابع الأخبار والأحداث وهذا‮ ‬يستغرق الوقت كله‮.‬
______
* عن مجلة (أخبار الأدب) المصريّة 

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *