لم نكن سوى شعراء واهمين


موفق ملكاوي *

( ثقافات )

إلى الحياة

لم نطلب مستحيلا. كل ما في الأمر أن بريقا غريبا استضافته ضلوعنا، فآنسنا فيه دفئا.. لكنه حرقنا قبل الأوان بكثير.

لم نصادق “بروميثيوس”، وما ركنا إلى مخططاته الشريرة، ولا شجعناه على سرقة النار، فلماذا كانت عقوبتنا الوقوع في حبائل “باندورا”؟.

كنا نتوق دائما إلى “أفروديت”. ظنناها امرأة دائمة الحضور في حياة اختبرناها حد لهفاتها كلها. سرقنا لحظاتنا اللامرئية من حبائل تترى على فساتينها السماوية.

قلنا كلاما جميلا عن الحب، وشجبنا الخيانة والأنانية والفردية.. وفي الأمسيات همسنا بكلام ظنناه عذبا، ولكن الأذنين كانتا من رخام أصيل!

هل حقا فتحنا “صندوق باندورا” من غير ما انتباه كثير، وأطلقنا شرور البشر منه؟؟ هل يتوجب علينا الانتظار طويلا لكي نطلق الأمل من مكامن ذلك الصندوق المرصود بلعنات كثيرة؟!

كنا نتوق دائما إلى “أفروديت”. انتظرنا لحظة تجليها السماوي على عتباتنا الأرضية.. كان هبوطا مجليا..

لم تكن تبحث عن شخص معين. خرجت من الأسطورة لتستكشف أسباب الشقاء، وتعيد الكرة إلى ملعب البشر المعذبين.

لم تكن تبحث عن شخص معين. جاءت إلى الأرض مسحوبة بالدموع، ومسحورة بالألم. بحثت عن فراغ عابر بين إشارتي استفهام، وهطلت ماء على دجلة، ففاض على حوران قبل أن يصل المد قاب قوسين أو أدنى من قلب عاشق شق طريقه إلى ذراعها.. لم يصل أبعد من الذراع!

كان يمنّي النفس أن يرقد مستكينا في قلبها.. يسبح في دفق شرايينها.. ولكن عقله غير المكتمل أنساه دائما أن “أفروديت” جاءت إلى الجميع.. وربما بالتساوي، ولن تغفر لها عظمتها الإلهية أن تقع في حب واحد.. إنها تريد الحياة.. تريد جميع الحياة بلا استثناء.

ستسبق عشاقها دائما بالتوقع. لم يعوا بعد أنها الحَمَلُ على مذبح الخطايا، للتكفير عن الوقوع في الإثم الإنساني الأقدم: حب الحياة.

لم نكن إذا، سوى شعراء واهمين، تتوه منا أمنياتنا القليلة ونحن مانزال نجادل على فوهة النار، كأننا نبيح الخراب لأرواحنا: ما الذي كان سيحصل لو أطلقنا لعناتنا الخاصة من غير أن نتوه في أمنيات ما كانت لتبدو أكثر من طيش لذيذ.

سوف نتذكر ما آلت إليه النهايات.. لا بأس من أن نتذكر قبلها ما كانت عليه البدايات التي اشتعلت في غير أوانها.. كانت كما مقولة رسول حمزاتوف “أنت دائما هكذا.. إما أن تجيء مبكرا كثيرا.. أو متأخرا كثيرا”.

لم نطلب مستحيلا حين لهثنا خلف سرابات لا تنتهي: كل يوم يبين سراب جديد، نلاحقه بكل ما في مخزوننا البشري من فشل، حتى إذا أدركنا هباءه، تركناه إلى سراب آخر نطلب فيه مجدنا البشري الزائف.

صباح الخير أيتها الحياة

هل قلنا “لا بأس بالحياة؟”. أجل، لا بأس بها فهي منحتنا الوحيدة، الأُعطية الفريدة التي مُنِحناها ذات قصة حب بين أبوينا، فتدرجنا في مناكبها كأشجار صبّار خالصة؛ لم نطق أنفسنا، وفي الوقت نفسه جرحنا آخرين اقتربوا منا إلى المسافة التي حددنا أنها ملكيتنا الخاصة.. جرحناهم بما يكفي لأن يكفوا عن المحاولة من جديد.

صباح الخير أيتها الحياة.

نحن شجرة الصبار سنختار أن نحياك عن طيب خاطر ما دمنا مجبرين على ذلك؛ سنوسع المسافة التي نعتبرها ملكية خاصة، ونمنع آخرين من الاقتراب، أو حتى مجرد التفكير بالأمر. 

سنهتف دائما: “يا وحدنا”.

* شاعر وإعلامي من الأردن
– ” الغد ” الأردنية

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *