قصائد من الشاعر باول سيلان


تقديم وترجمة: أحمد عثمان

باول سيلان (23 نوفمبر/ تشرين الثاني ،1920 20 إبريل/ نيسان 1970)، شاعر ومترجم روماني يكتب بالفرنسية والألمانية، ولد في اقليم “شرنوتي” في رومانيا . ربما كان أكبر شعراء اللغة الألمانية ما بعد الحرب العالمية الثانية على الرغم من كونه حائزاً على الجنسية الفرنسية في عام 1955 . في سن السادسة، تابع دروس المدرسة الابتدائية الحرة في تعلم اللغة الألمانية . في عام ،1933 قابل سيلان مجموعة من الشباب المناهض للفاشية الذين يصدرون مجلة ماركسية، أطلقوا عليها “الطالب الأحمر” . بيد أنه لم ينجذب إلى ماركس بقدر انجذابه إلى مفكرين آخرين مثل بيار كروبتكين وغوستاف لانداور . بعد ذلك، درس الطب في عام 1938 في فرنسا، ولكنه سرعان ما تخلى عن متابعة دروسه، ورجع إلى رومانيا، إلى جامعة شرنوتي، لدراسة الآداب باللغة الرومانية .

في عام ،1942 تم اعتقال والديه، اللذين رفضا الاختباء من القوات النازية، وأرسلا إلى معتقل ترانزنيستري (الذي كان إقليماً رومانيا قبل عام ،1940 واحتل في عام 1941)، حيث توفي والده بداء التيفوئيد وأعدمت أمه بطلقة في الرأس، بينما تم ارسال الابن بول، بعد اعتقاله هو الآخر، إلى معسكر الأشغال الشاقة في مولدافيا، حتى حررته القوات السوفييتية في عام 1944 .
في عام ،1947 غادر رومانيا إلى فيينا (النمسا)، وأصدر أول دواوينه “رمل الجرر”، ثم اتجه إلى باريس، حيث شغل وظيفة مترجم في المدرسة العليا للمعلمين . في عام ،1957 تزوج الفنانة جيزيل دو لسترانغ التي قابلها في عام 1951 والتي كتب لها أكثر من 700 رسالة خلال تسعة عشر عاما . هذه المراسلات لم تنشر إلا في عام 2001 بفضل ابنها اريك . وكان له أيضا مراسلات متزامنة مع امرأة أخرى أحبها، انغبورغ باخمان . هذه المراسلات نشرت في أغسطس/ آب من عام 2008 لدى الناشر سوركامب تحت عنوان “زمن القلب” .
اعتبر مع أصدقائه من الشعراء، مثل ادمون جابيس ونيللي ساكس ورونيه شار، أن اللغة يجب أن تتحرر من التاريخ، وأنه من الضروري أن تستخدم بكلمات ترد على الصمت المفروض على الحالة الرهيبة التي عاشها، ما مكنه من منح الفعل للكلام، ومواجهة فظاعة التاريخ بلغته وشهادته .
تدريجياً، أصبحت أبياته الشعرية مرمزة وأحادية المقطع، وتشبه موسيقى فيبرن . تسعى قصيدة بول سيلان، في صيغتها، الأخلاقية والجمالية، إلى تحقيق ما يمكن تسميته “اللغة المضادة” .
له من الدواوين: “الخشخاش و الذاكرة” (1952)، “من عتبة لأخرى” (1955)، “مشبك الكلمة” (1959)، “وردة لا أحد” (1963)، “انثناء النفحة”(1967)، “شمس الابن (1968)، “إرغام الضوء” (1970) .
ترجم بول سيلان إلى الألمانية قصائد لبول كوكتو، هنري ميشو، أوسيب ماندلشتام، غيسيب أونغارتي، فرناندو بيسوا، آرتور رامبو، رونيه شار، إميل سيوران، آندريه دو بوشيه وجاك دوبان .
ألقى بول سيلان بنفسه في نهر السين ليلة 20 ابريل/ نيسان 1970 . وفي الأول من مايو/ أيار من العام نفسه وجدت جثته .
كولونيا
زمن القلب، الأحلام
واقفة
لأجل أعداد منتصف الليل .
*
شيء قليل يتكلم في الصمت الساكن، شيء قليل يصمت
شيء قليل يتابع طريقه .
المنفي والضائع
كانا في وطنهما .
*
أنت كاتدرائيات،
أنت كاتدرائيات، غير منظورة
أنت أنهار، غير مسموعة
أنت ساعات تسكن دواخلنا .
مع مفتاح متغير
مع مفتاح متغير
تفتح البيت، الذي
يدوم ثلج الأشياء الميتة في أرجائه
وتحت رحمة الدم، الذي يخنق
العينين أو الفم أو الأذن،
يتغير مفتاحك .
بدل المفتاح، غير الكلمة،
تحت رحمة الريح التي تدفعك إلى الأمام،
يلتف الثلج حول الكلمات .
هذا المساء أيضا
بلا تحفظ،
الثلج يملأ هذا البحر
حيث يطفو القمر،
قطع الثلج تزدهر في السلال
التي تحملها إلى المدينة .
رمال،
أنت مطالب بذلك،
لأن آخر وردة داخلية،
تريد أن تكون هذا المساء أيضا مشبعة
بساعة تمضي .
مديح البعيد
في نبع عينيك
يحيا شباب صيادي البحار التي جنت
في نبع عينيك
يحفظ البحر وعده
أندفع اليه
قلب عاش وسط الآدميين
الملابس التي أرتديها
بريق القسم
أكثر سوادا في العتمة، لم أزل عارياً بعد
أنا أنت، حينما أكون أنا
في نبع عينيك
أشرد وأحلم بالخسارة
في نبع عينيك
مشنوق يخنق الحبل .
ما يلمع
الجسد الصامت
استرح قربي على الرمال،
ما يلمع تحتك
أ هو شعاع
يخترق حتى يصلني؟
أو بالحري أهو حكم
ضدنا؟
من يشيع هذا النور؟
أنت تتكلم أيضا
أنت تتكلم أيضا
تكلم مثل الأخير
قل كذبتك
تكلم
ولكن لا تفصل ال “نعم” عن ال”لا”
أعط معنى لرسالتك:
أمنحها الظل
أمنحها بقدر
ما تعرف أن ما حولك موزع
بين منتصف الليل والظهيرة ومنتصف الليل
انظر إلى الجوار،
شاهد، كيف أن ما يحيطك حي
عبر الموت ! حي !
يقول صوابا، من يتكلم عن الظل،
ولكن هو ذا ما يذوي المكان الذي تسكنه:
الآن أين تذهب لاكتشاف الظل، أين تذهب؟
اصعد إلى الأعلى تحسسا
سوف تصبح أكثر نحافة،
حيث تريد النجمة الهبوط:
لكي تسبح في الأعماق، في الأعماق،
هناك حيثما ترى تضوي لامعة: في صخب
الكلمات التائهة .
________
*(الخليج)الثقافي

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *