*صالح دياب
انتهت قبل أيام الدورة الرابعة من مهرجان أصوات حية من متوسط إلى آخر الذي تحتضنه كل سنة سيت الفرنسية. والحال أن المهرجان الذي يعد أكبر فعالية شعرية في حوض البحر المتوسط كان قد عقد فعالياته الشعرية في مدينة الجديدة المغربية وجنوى الإيطالية قبل أن يقام في سيت وسينتقل إلى طليطلة في أسبانيا في مسعى لنقل تجربته إلى خارج سيت، بموجب التوأمة بين المدن الثلاث ومدينة سيت مركز المهرجان.
اذا كانت هذه الدورة هي الرابعة في سيت فإن طاقم المهرجان نفسه كان قد نظم مهرجان “أصوات من حوض البحر الأبيض المتوسط” سابقا لسنوات عدة في لوديف، ولا عجب أن مديرة المهرجان دائما تلح على استمرارية المهرجان وارتباطه بالمهرجان السابق، في إشارة منها إلى أن تاريخا وإرثا سابقا موجودان لمهرجان سيت.
يراهن المهرجان على إيصال الشعر إلى الجماهير. الشعر الذي طالما اتهم بأنه انتهى واختفى من الساحة وتراجع لصالح الرواية. الخمسمائة وخمسون لقاء شعريا وموسيقيا والتي توزعت بين قراءات شعرية و حوارات حول الشعر قد اثبتت العكس. خصوصا وأنها أقيمت في الأماكن العادية كالحدائق العامة والساحات في المدينة والمكتنزة بالأسرار، ولا ننسى أيضا المراكب والسفن.
تميزت لقاءات المهرجان بتنوعها وتعددها وامتدادها الزمني. فاللقاء الشعري الأول اقيم في أحد الخلجان الصغيرة في مدينة سيت، وقد أخذ عنوانا هو: “شعر وموسيقى مع شروق الشمس”. أما اللقاءان الشعريان الأخيران فأخذا عنوانين حميمين هما: تمتمات حب، والليل الإيروتيكي، حيث قرأ الشعراء قصائدهم برفقة أحد الموسيقيين. أما اللقاءات الأخرى فقد أخذت تسميات مختلفة مثل: قراءة وكروسان وقراءة حميمية في البحر وابتكار حكاية شعرية ومفتاح الغناء.
كما سمح المهرجان للسنة الثانية للشعراء الصم الذين يعتمدون على الإشارات في إيصال لغتهم أن يقرؤوا قصائدهم، وقد شاركوا في أغلب اللقاءات، جنبا إلى جنب مع سائر الشعراء، إذ رافقهم مترجمون مختصون بلغتهم. كما أقيمت عدة معارض فنية، كالمعرض المتنقل الذي يعرض لشخوص رمزية انتشرت في قرية المهرجان في الطرقات و الزوايا وحتى تسلقت الأشجار. كما أقام الشاعر الفرنسي دانييل لوفيرس معرضا في كنيسة صغيرة، تقع قرب مكتب المهرجان، ضم لوحات ورسومات لفنانين برفقة أشعار لشعراء. وقد سبق لدانييل لوفيرس أن نشرها في “الكتاب الفقير”.
احتفى المهرجان، بنيرودا، فقد خصص له أمسية حضرها كثيرون في حديقة المدينة قرأت فيها أشعاره من قبل الفنانين موني جورجيو وايف فيري. ككل سنة، أقيم سوق للشعر على هامش المهرجان، شاركت فيه دور نشر تهتم بطابع الشعر، جاءت من عدد من المدن والمناطق الفرنسية. وقد طبع المهرجان خمسة مجموعات شعرية كانت حصة العرب مها مجموعة شعرية للشاعرة السورية رولا حسن أخذت عنوانا هو حكاية امرأة.
لئن أخذ المهرجان اسم المتوسط، فإن الشعراء المدعويين شاركوا تحت عناوين متعددة، ظلت مرتبطة باسم المتوسط بمعناه الجغرافي الواسع، في إشارة إلى أن حضارات المتوسط تشع وتمتد إلى جغرافيات مجاورة، من هنا فإن تصنيفات الشعراء وتوزعهم على خمسة متوسطات، وقد ضمت 34 بلدا منها: ألبانيا والبوسنة والإمارات والعراق والأردن وليبيا ومونتينغرو وتونس والجزائر وأسبانيا وكوسوفو وعمان وصربيا وتركيا والسعودية وكرواتيا والكويت ومالطا وفلسطين والبحرين ومصر واليونان وإيطاليا ولبنان والمغرب وسوريا وغيرها.
شكل الشعراء العرب ربع الشعراء المدعويين تقريبا نظرا لعددهم الكبير. فقد تمت دعوة الشعراء: محمد بوتقلان وفارس كبيش وهدى الدغفق ومحمد حبيبي وضحى المسجن ومهاب نصر، وعبد المقصود عبد الكريم وجمال علي ونجاة عبد الله وجليل حيدر وعلي العامري وعباس بيضون، عيسى مخلوف وصلاح ستيتية و سميرة البوزيدي ومحمد زيدان وأحمد العمراوي ومحمد غرافي وناصر العلوي ويحيى الناعبي وأيمن اغبارية وناصر رباح ورولا حسن ومحمد فؤاد وفتحي النصري وعلياء رحيم.
مهرجان أصوات حية من متوسط إلى آخر، فسحة سنوية يمرر فيها الشعراء قصائدهم، عبر فضاء مدينة سيت إلى الجمهور. كما يستمعون إلى بعضهم البعض، و يتبادلون و يتحاورون، ضمن مناخ يسوده فرح اللقاء.
_______
* جريدة (العرب )اللندنية