
* يوسف ضمرة
التشابه الغريب في الشعر العربي يجعلنا نشعر بأن معظم ما يكتب من شعر ليس سوى قصيدة واحدة، يتناوب على كتابتها شعراء كثيرون، فكلمة «الروح» مثلاً أصبحت، بما هي مضافة إليه، سمة أساسية في الشعر العربي، من تفاحة الروح إلى وردة الروح وشمسها وقرنفلها وياسمينها وبرتقالها وسفرجلها وما شئت من فواكه وأزهار، وأصبح الشاعر العربي معنياً بالكم الكبير من الصياغات التي تندرج تحت باب الانزياح اللغوي، أكثر من اهتمامه بأي شيء آخر في الشعر، الفكرة والدلالة والعلامات والإشارات، وهو يظن أن أي صياغة غير نمطية، وأي تركيب لغوي غير مألوف، يعد بمثابة جواز سفر لقصيدته، وهو محق إلى حد كبير، لأن كثيراً من النقاد العرب انساقوا وراء هذه المعايير، ما يعني أن الشاعر صار مضطراً للحفر في الصخر بحثاً عن صياغات غير مألوفة. ونحن حقا لسنا ضد ذلك من حيث المبدأ، بل يمكن القول إننا مع الكتابة غير النمطية وغير المألوفة في الشعر وفي الأجناس الأدبية الأخرى، لكننا نحب أن يكون في الشعر، كما في الأجناس الأخرى، بصمة خاصة للشاعر، وهي ما يميزه عن سواه. وبصمة الشاعر العربي لم تعد موجودة في الانزياحات اللغوية، ولم تكن كذلك من قبل، فهنالك بنية شعرية تميز شاعراً عن سواه، وهنالك أفكار ومفاهيم ودلالات ورموز وإشارات يتم توظيفها عند كل شاعر بطريقة مغايرة عن سواه، وهو ما لم يعد موجوداً أو ملحوظاً كما كان من قبل، وهذا لا يعني أن التطور الذي أصاب الشعر العربي في العقود الثلاثة الأخيرة كان باطلاً أو قليلاً أو هامشيا، لكنه يعني أن قلة قليلة جداً من الشعراء العرب استطاعوا أن يرسخوا بصماتهم، ويميزوا قصائدهم عن القصيدة التي أصبحت نمطية في معظم الأحيان.