ترجمة : أحمد فاضل
( ثقافات )
أعلن الروائي الأمريكي الكبير فيليب روث مؤخرا توقفه عن الكتابة جاء ذلك في حوار له مع صحيفة Les InRocks الفرنسية مؤخراً ، فهل يجب علينا تحية قراره هذا ، أم أنه خروج معقول وملائم لروائي أراد أن يعيش أخيرا على ماضيه فقط ؟
(روبرت مسكرام محرر الشؤون الثقافية في صحيفة الديلي بيست ).
في الطابق العلوي من بيته يعيش الروائي الأمريكي فيليب روث يومه في القراءة والتأمل ، لايمسك القلم أو يقترب من لوحة مفاتيح الكومبيوتر إلا لأمر لا يرتبط بالكتابة ، يقول عن ذلك :
– الصراع مع الكتابة انتهى ..
روث الذي سيبلغ الثمانين من عمره في مارس / آذار من العام القادم يريد أن يتمتع بتقاعده عن الكتابة بعد رحلة طويلة معها أثمرت عن 31 كتاباً بين الرواية الطويلة والقصة القصيرة ، وهو ينظر إلى ذلك التاريخ ليعود فيقول :
– إنه سيمنحني القوة للقراءة كما منحتني سنوات عمري الماضية الكتابة .
بعض من أصدقائه قالوا إن فكرة السيد روث في الإقلاع عن الكتابة تعني في مفهومهم كمن يمنع عنه الهواء كي لايتنفس ، الكتابة كانت كل شيئ في حياته ، فقد كان يعمل لأسابيع وحده في منزله بولاية كونيتيكت في حين كان معظم الروائيين من مجايليه يبطئون العمل ، كان يكتب دون انقطاع لينهي رواية واحدة في السنة في كل مرة تقريباً، وهو لما يزل يعيش سنواته السبعين .
في الثلاث ساعات التي قابلته الصحيفة الفرنسية فيها بدا مبتهجا ومسترخيا وهو يشعر بالراحة منذ قرار اعتزاله الكتابة ، وقد عين بليك بيلي وهو كاتب معروف في كتابته لسير الكتّاب والمشاهير حيث ضمن له الوصول غير المحدود لإرشيفه الشخصي ومراسلاته وأنه قضى بالفعل عدة جلسات معه .
الصحيفة الفرنسية أثارت معه موضوعا قديما هو قراره الاعتزال عن الكتابة في عام 2010 بعد أشهر قليلة من الانتهاء من روايته ” العدو ” التي تحدثت عن وباء شلل الأطفال الذي ضرب إحدى المدن الأمريكية وهي مسقط رأسه نيوآرك عام 1944 أجاب عن هذا الموضوع :
– أنا لا أقول أي شيئ حوله لأنني أردت أن أكون متأكدا من أن قراري هذا صحيحا ، لكنني تريثت في الأمر ولم أقل به لأحد ولأنني لست فرانك سيناترا حتى يعلم به الجميع .
في غرفة جلوسه وعلى إحدى الطاولات كانت ترقد فوقها كومة من الصور وصلته للتو من ابن عمه تذكره واحدة منها بأمه وهي في ثوب زفافها وأخرى له مع والديه وأخيه الأكبر وصورة مع صديقته الأولى وهما يجلسان على أريكة ، وفي مكان قريب من هذه الصور وجدنا آي فون اشتراه مؤخرا قلنا له :
– لماذا هذا الجهاز ؟
قال :
– اشتريته للقراءة ، أنا لا أقرأ خلال النهار بل في الليل لمدة ساعتين ، ولقد انتهيت لتوي من كتاب رائع لإردريك لويز ” البيت المستدير ” وهو في الغالب يتحدث عن التاريخ والسيرة لشخصيات عرفها القرن العشرين المنصرم ، وكأنني أعيش تلك الفترة مع أنني كنت وقتها طفلا أو في بداية تعليمي .
روث ليس الكاتب الوحيد الذي هجر الكتابة فهو يشعر كما تحدث لنا أن ديفيد فوستر والاس كان قد توقف عن الكتابة وهو في الأربعين من العمر بسبب أنه لا يستطيع نشر الكتب حول موضوع كان مثار اهتمام الشارع الثقافي، وهوالحب الذي يتبادله مثليو الجنس ، ولأنه لا يريد أن يقول المزيد فقد توقف عنه لشعوره أنه قد قال ما لديه ويكفي .
فيليب روث وكما اعترف للصحيفة أنه جلس للتفكير في إعادة قراءة الكتب التي كان قد قرأها قبل 50 سنة والتي كانت تعني الكثير له وهو يخطو خطواته الوليدة في الكتابة ، دوستويفسكي ، كونراد ، قرأ لهما اثنين أو ثلاثة لكل منهما ، أما تورجنيف وهو أعظم من كتب القصة القصيرة فقد قرأ له ” الحب الأول ” و ” سيول الربيع” ، مع إعادة قراءة فوكنر وهمنغواي أيضا ، بعدها قرر إعادة قراءة أعماله الخاصة حيث قال للصحيفة :
– بدأت من آخر ما كتبته وقلت في نفسي أنت فعلت الصواب ، ولكن عندما وصلت إلى الفترة الزمنية من عام 1969فقدت الاهتمام بقراءة ما تبقى منها وهي الأربعة الأولى من أعمالي ، لقد قرأت كل الأشياء العظيمة بما فيها الأعمال الخاصة بكتاب بلادي وأنا أعلم أنني لن استطيع أن أحصل عليها جميعا لأنني ببساطة أضعف من أن أفعل ذلك .
السيد روث يبدو الآن في صحة جيدة بعد جراحة له في الظهر تكللت بالنجاح في أبريل / نيسان الماضي وهو يمارس نشاطه بشكل منتظم لكنه قال :
– أعرف أنني لم تعد لديّ القدرة على تحمل أعباء الكتابة بسبب ما أعانيه من إحباط يومي ، ناهيك عن الإذلال – تشير الصحيفة هنا إلى خلافه الحاد مع ويكيبيديا التي اعتبرته مصدرا غير موثوقا في معلوماته – إنها مثل لعبة البيسبول لا يمكن أن أحظى إلا بثلثين من الوقت فيها ، لا أستطيع أن أكتب أكثر من خمس صفحات في اليوم ثم أرمي بها بعيدا ، لا أستطيع أن اكتب بعد الآن .
روث عاد يقول ثانية :
بيتي هذا الصيف كان يعج بالضيوف ، في نهاية كل أسبوع تقريبا تجدهم معي وأحيانا يمكثون اسبوعاً كاملا وهذا سبب آخر يضاف إلى الأسباب التي حالت بيني وبين الكتابة .
لكنه لم يتخل عنها تماما فهو دائم الكتابة لملاحظاته التي ستضمها مذكراته التي يعكف على إتمامها كاتب سيرته التي يقول عنها :
– لم أكن صادقا مع أي شخص من قبل كالذي أنا عليه الآن في كتابة ملاحظاتي هذه للسيد بليك بيلي ، وعبر بريده الإلكتروني عاون ابنته البالغة 8 سنوات من صديقته السابقة على كتابة قصة صغيرة للأطفال تحاول انجازها كذلك .
ولكل ما قاله فيليب روث، من إعلانه تقاعده عن الكتابة، فإنه يستحق منا تحية كبيرة فقد انضم إلى نخبة واسعة من الكتّاب العظام الذين هجروا الكتابة كويليام شكسبير الذي تبرأ من هذا السحر ( المسرح ) في عام 1611 وعاش في هدوء في ستراتفورد حتى وفاته في 1616 .
* كتابة / جارلس ماكغراث 17 / نوفمبر / تشرين الثاني 2012
عن / صحيفة نيويورك تايمز