رحيل جون لوكاريه..أفضل كاتب بريطاني.. والذي رفض احتلال العراق

  • د.عامر هشام الصفّار

لا أعرف مدى الحقيقة في مقولة الكاتب البريطاني جون لوكاريه الذي رحل عن عالمنا قبل عدة أيام، عندما كتب يوماً يقول إنّ الروائي كالجاسوس  يختفي خلف شخصيات صنعها بنفسه، وفي كلّ منها شيء منه.

يعتبر لوكاريه والذي توفي في الثاني عشر من ديسمبر الحالي عن عمر ناهز على 89 عاما، من أشهر الكتّاب في رواية الجاسوسية وأدب التجسّس في العالم. ومن المعروف أن لوكاريه هو ليس الأسم الحقيقي للكاتب، فأسمه في شهادة الميلاد هو ديفيد كورنويل، لكنه عندما كتب روايته الأولى “دعوة للموتى” في عام 1961 كان من موظفي الخدمات الاستخبارية في الخارجية البريطانية، ولم يكن ممكناً حينها نشر كتب بالاسم الحقيقي. واستمر ديفيد بلعبة التمويه في الاسم، فظّل يكتب باسم لوكاريه حتى عُرف به ونُسي بذلك أسمه الحقيقي. ثم أنه تميّز في كتاباته بأسلوبه السردي المشّوق القائم على أساس البحث والتنقيب والخبرة الشخصية، بدل أن يؤطر ما يكتبه برومانسية وألق روايات جيمس بوند.

لم تكن طفولة الكاتب لوكاريه سعيدة بعد ان أنفصلت أمه عن أبيه الذي أتهم بالتحايل في مجال عمله بدائرة التأمين. وقد أبدع لوكاريه في رواياته لاحقاً خاصّة ما كتبه في فترة الستينيّات والسبعينيّات من حياته حيث نشر رواياته مقدّماً لقرائه شخصية الجاسوس جورج سمايلي المعروفة.

يقول الروائي لوكاريه عن هذه الشخصية: في اللحظة التي توصلتُ فيها لشخصية سمايلي بذلك الماضي وتلك الذاكرة التي تميّزها وتلك الروح القلقة وذلك التفوق المهني، عرفتُ أنني امتلكتُ شيئا سأعيش وأعمل معه.

وتوالت أعمال لوكاريه الروائية حيث وصلت عددا الى 21 رواية منها عمله الثلاثية المنشورة في أعوام 1974- 1979.. وهي روايات “سمكري. خياط. جندي. جاسوس”، “التلميذ المشرّف” ورواية “جماعة سمايلي”. وقد كرّم جون لاكاريه عدة مرات في حياته حيث حاز على جائزة الخنجر الذهبي لأدب الجريمة عن روايته “الجاسوس المستجير من البرد” وذلك عام 1963. وقد تم تحويل هذه الرواية الى فيلم سينمائي كبير حاز على أعجاب النقاد. كما تم تحويل روايته الأخرى والمعنونة ب “بشر خطاؤون،” الى فيلم سينمائي أيضا مثلّه الفنان الشهير ريتشارد بيرتون فكان أن مثّل دوره جاسوسا محبطا يشعر بخيبة الأمل مما مرّ به.

أما صحيفة التايمز اللندنية فقد صنّفت لوكاريه كأحد أفضل 50 كاتباً بريطانيا منذ عام 1945. وقد أستوحى لوكاريه موضوعات رواياته من طبيعة عمله في أحايين كثيرة، فكانت روايته “حرب المرايا” والتي نشرت عام 1965 تجسيداً لذلك، حيث تناول فيها التجسس والجاسوسية في مدينة بون الألمانية حيث كان الكاتب نفسه يعمل في السفارة البريطانية في ألمانيا حينذاك، مما أتاح له التعرّف على عوالم المدينة وما يجري فيها.

وعن رأيه برواية الجاسوسية يقول الراحل لوكاريه في حوار أجرته معه هيئة الأذاعة البريطانية: “إنّ رواية الجاسوسية تؤدي وظيفة ديمقراطية ضرورية في عالم تكون فيه سرّية الأجهزة الرسمية شمولية، حيث أنها تحمل المرآة مهما كانت الصورة مشوشة لهذا العالم السري وتظهر الوحش الذي يمكن أن يستحيل إليه”.

وعودة لشخصية سمايلي الروائية والتي أبتدعها الكاتب لوكاريه مجددّا في فن كتابة رواية التجسس والجريمة، فقد كان متأثراً بشخصية حقيقية في عالم التجسس والأستخبارات هي شخصية كيم فيلبي المعروفة وشخصية أنتوني بلونت حيث كان سمايلي في الرواية جاسوساً خائناً لدائرة الأستخبارات البريطانية حيث عمل مع المخابرات الروسية.

ولم يكن لوكاريه الكاتب بعيداً عن القضايا العربية فكان له موقفه الرافض للحرب على العراق عام 2003 حيث وقّع بيانا مع مجموعة من زملائه الكتّاب منتقدا بشدة غزو وأحتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الأميركية، حيث جاءت مقالة له منشورة ليقول فيها “إنّ كيفية نجاح بوش الإبن وطغمته في تحويل الغضب الأميركي ضد بن لادن وصدام حسين تعدّ واحدة من أكبر حيل الشعوذة  (حيل الخداع السحري) في العلاقات العامة في التاريخ.

كما نشر لوكاريه روايته “الطبّالة الصغيرة” عام 1983 بعد زيارة له للمعسكرات الفلسطينية في لبنان وزيارته للأراضي الفلسطينية المحتلة. وقد استوحى عنوان روايته هذه من أغنية تراثية يتغنّى بها المسيحيون في الضفة الغربية المحتلة أثناء أعياد الميلاد.

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *