“كوابيس الرجل الفراشة” لرشيد اغبارية.. مجموعة قصصية ذات رؤية نقدية لا تجامل أحدًا

( ثقافات )

 

“كوابيس الرجل الفراشة” لرشيد اغبارية.. مجموعة قصصية ذات رؤية نقدية لا تجامل أحدًا

يقدم رشيد اغبارية في مجموعته القصصية “كوابيس الرجل الفراشة” مجموعة من القصص التي تتراوح مواضيعها بين ما هو شخصي حينًا ووطني حينًا وإنساني حينًا، وتجمعها في الحالات جميعها رؤية نقدية تقدم الحقيقة دون مجاملة أو تزويق.

وجاءت المجموعة الصادرة عن “الآن ناشرون وموزعون” في عمّان في ثلاثة وتسعين صفحة من القطع المتوسط، واختيرت لغلافها لوحة من أعمال الفنانة الفلسطينية منال ديب، وأهداها اغبارية إلى زوجته ومسقط رأسه، في إشارة قد تكون ذات دلالة على اجتماع المرأة والوطن في معنى واحد.

وخلال مراحل السرد يجوس اغبارية بقارئه خلال تلك المساحات الرخوة التي لا تجعله يشعر بالارتياح لكنها تمكنه من إدراك واقعه دون رتوش.. يقول في إحدى قصصه:

«هو أمر مفروغ منه أننا بالنتيجة نخبئ خلف أقنعة الحضارة البشرية حيواناتٍ شرسة، تلهث خلف شبقها وقَرَمِها فتنتج من أجلهما الكثير من المسميّات الفارغة والعوائق والطقوس لمجرد أن نصدق كذبتنا أننا نمارس تلك الأمور بشكلّ مختلف، ليصبح اختلافنا تشويهًا لأكثر الأمور بساطة. ولكنْ من المفروغ منه أيضًا أننا نملك قدرة إضافية تجعل قدرتنا سواء على البناء أو الهدم خرافية، فنراوح تارة بين تعمير الكواكب الأخرى وتدمير كوكبنا وفقًا لمزاج «ذكور ألفا» التي بيننا».

والحقيقةُ التي لا يريدُها رشيد أنْ تجامل أحدًا هي دائمًا صادمة؛ لأنّها عدسةٌ مكبرةٌ تكشف جوانبَ الضعف فينا، هذا ما يظهرُ في غير قِصَّة داخل المجموعة، بيدَ أنَّ هذه الحقيقةَ تنير في الوقت نفسه ما يمكن أنْ يعدَّ أملًا قادمًا ينتظرنا في مكان ما من هذا الوجود.

ويقول في قصة أخرى محاولًا فهم واقعه، ومازجًا بين العام والخاص في لغة حادّة تجسّد جذور المعاناة:

«كبرتُ على تناقض دائم بين الحلم والواقع (…) وأنا أنتقل بينهم كالفراشة أبحث عن رحيق طاولة التنس ولعبة الشطرنج وأصدقائي المبعثرين بين النوادي تبعًا لانتمائهم العائلي.

نحن ننمو كالأعشاب الضارّة في بلاط دولة لم تسنحْ لها الفرصة كاملة لاجتثاثنا، فدعونا لا نَقُمْ بما لا تحمد عقباه، ولنقبّلْ يدَ تأمينهم الوطني الذي يُدفَع لشيوخنا، وشركةَ الطرقات التي تُعبّد شوارعنا، ومصانعَهم التي تُشغّلنا، وديمقراطيتَهم التي جعلت بعضَنا أعضاء “كنيست” يربطون خيلهم في القدس الغربية.

لطالما تساءلتُ: يا ترى من العابر في الكلام؟ نحن أم هم؟

من العابر على هذه الأرض التي نسيَتْنا؟».

وهذا النقد الذي جسدته اللغة الحادة هو نقد قادم من داخل المعاناة؛ فهو غير متعال على الواقع، بل إن الحياة الشخصية للكاتب بوصفه فلسطينيًّا يعيش داخل الأرض المحتلة ويعايش الواقع اليومي هناك هي الباعث على جملة الرؤى والالتقاطات التي تظهر في مجموعة من قصصه. يوازي ذلك قصص أخرى في تناول الواقع العربي في مجمله، وقصص تشير إلى قضايا اجتماعية يومية عادية؛ ففي كل الحالات هو ابن الواقع، ينقله للقارئ عن كثب، لكنه يفجر هذا الواقع من داخله، ويعري مساوئه، ويكشف المسكوت عنه فيه.

ولعل المصارحة والرغبة في وضوح الأشياء هي السبب الذي دعا اغبارية إلى الحدة في غير مكان، غير أن ذلك لم يخفِ تدفق مشاعره من وراء الكلمات، ووعيه بواقع يخصه، ويفرض نفسه عليه بسماته الشخصية والجماعية..

ورشيد أغبارية شاعر وكاتب من فلسطين. صدر له قبل هذه المجموعة: “الغريب في شارع صهيون” قصص، و”حلم ليلة خوف” شعر.

شاهد أيضاً

فصل من سيرة عبد الجبار الرفاعي

(ثقافات)                       الكاتب إنسان مُتبرع للبشرية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *