الموسيقى القادمة من العالم الآخر قصة أكبر وسيطة روحية في العالم

*مدني قصري

خاص – ثقافات

روز ماري براون  ROSEMARY BROWMربةُ بيتٍ إنجليزية عادية، لا شيء في أسرتها وفي محيطها كان يُؤهلها لأن تصبح أشهر وسيطٍ رُوحيّ في العالم. فلقد اختارها موسيقيون مُتوّفون كبار، أمثال شوبين وشوبير وموزارت وبرليوز ولِيستْ وباخ الخ … لكي يُملوا عليها بعضًا من مقطوعاتهم الموسيقية التي ألّفُوها في العالم الآخر، وكانوا يُصرّون على إيصالها إلى عالم الأحياء.

ولقد أثارت تسجيلات هذه الألحان وطبعُها على أسطوانات، ذهولَ علماء الموسيقى في العالم أجمع، بل وإجماعهم أيضاً، لقُربِها الوثيقِ من أثار مُلحنيها الحقيقيّين، بعد أن أثبت هؤلاء الأخصائيون عبر اختبارات دقيقة أنها لا تملك أيّ معرفةٍ موسيقية.

“عندما رأيت لِيستْ لأول مرة كان عمري حوالي سبع سنوات، وكنت آنذاك قد استأنستُ أرواحَ أولئك الذين ندعوهم أمواتا.

بهذه الكلمات البسيطة تبدأ روز ماري براون ذكرياتها المثيرة مع العالم الآخر، وبأسلوبٍ بسيط يكاد يكون أسلوباً صِبيانيا، لتُدخِلنا بها في مغامرةِ إنسانية فريدة.

مغامرة تطرح بإلحاح قضية الحياة ما بعد الموت .

تقول روز ماري براون في مقدمة كتابها “حين رأيت فرانز ليست  Fraz Liszt لأوّل مرة كان عمري حوالي سبع سنوات، وكنت آنذاك قد استأنستُ أرواح أولئك الذين ندعوهم أمواتًا.”

بهذه المقدمة يبدأ الملفُ المثير الذي تشكلّه ذكريات روز ماري براون. فالسيدةُ براون ربّةُ بيتٍ إنجليزية عادية، لا شيء في أسرتها أو في محيطها كان يؤهّلها لأن تصبح أشهر وسيط روحي يشهده القرن العشرون. فلقد اختارها مُلحّنون كبار، أمثال لِيستْ وشوبين وشوبير وبرليوز وموزارت وبيتهوفن الخ … لكي يُملوا عليها بعضَ المقطوعات الموسيقية التي ما فتئوا يُلحّون على نقلِها وإيصالها إلى عالمِ الأحياء.

لقد أثار تسجيلُ هذه المقطوعات ذهولَ علماء الموسيقى في العالم  أجمع، بل وعلى إجماعهم أيضاً، لتطابُقِها الكبير مع آثار ملحّنيها “النظريّين”، هذا فضلاً عن أنه قد ثبت أنّ روز ماري براون لم تكتسب في حياتها أيَّ معرفة موسيقية ولا أيّ خبرة في التلحين.

ولكن، أليست قضية الحياة ما بعد الموت، برمّتها، هي المطروحة في هذا الكتاب، عبر هذه التجربة الإنسانية المثيرة؟

تقول روز ماري براون في بداية قصتها المثيرة “حين فرانز رأيت Franz Liszt لأوّل مرة كان عمري حوالي سبع سنوات، وكنت آنذاك قد استأنست أرواح أولئك الذين ندعوهم أمواتًا.

كنت في غرفة النوم، في بيتنا الكبير بـ لندن حيث لا زلت أعيش. وأكذر أنني استيقظت في ذلك الصباح في وقت مبكر، وكنت أتكاسل قليلا، متمتعة بدفء السرير، ومنتظرة أمرأمي لي بالنهوض. فلقد كانت دائماً توقظنا، أنا وإخوتي، قبل الذهاب الى المدرسة بكثير – قبل أكثر من ساعة ونصف – بحيث كان لدينا من الوقت ما يكفينا لكي نغتسل ونرتدي ملابسنا، ونتناول فطورنا، دون أن نضطر إلى بدء يومنا في حالة من القلق والإضطراب .

كان جزء من بيتنا الواسع مؤجّرًا لبعض النزلاء، قصد التحسين قليلاً من ميزانية العائلة. فكان عليّ إذن أن أنام في غرفة أبويّ. كانت تلك الغرفة في شكل جناح كنيسي، وذات سقف منحن، ممّا كان يعطيها طابع دير. كان ذلك يوفر لي شعوراً بالأمان. كان الأثاث جد بسيط. وكان سريري قائمًا في زاوية من زوايا الغرفة. كان سريرًا قديمًا، يتجوّف في مركزه بصورة جدّ مزعجة. وكان وزني، برغم خفّته، يُميل الواحدَ تلوى الأخرى، صدرَ السرير ومؤخرته كلّما استلقيت عليه.

ففي هذه الغرفة المتواضعة جدًا تجلى لي فرانز لِيستْ لأوّل مرة. ولم أشعر بالخوف إ”طلاقًا حين رأيته واقفًا عند مؤخرة سريري. كنت منذ نعومة أظفاري قد عوّدت نفسي على رؤية الكائنات التي انفصلت عن أجسادها، وهي ما يدعوها الناس “أرواحا”، بحيث أنه لا شيء كان يرعبني في تلك الرؤى.

والواقع فلا أظن حتى أنني فوجئت بها. إننا نتعوّد على أشياء كثيرة عندما نكون أطفالا .

زارني فرانز لِيستْ Franz Liszt خلال ذلك اللقاء في هيئة عجوز. كان شعره الطويل شديد البياض،وكان يرتدي ما خلته فستانا طويلا أسود. لم أكن أعرف، في سنّ السابعة، ما هو السوتان (ثوب الكاهن)، ولكني أذكر أنني فكرّت أنه لَمن الغرابة بمكان أن يرتدي رجل مثل ذلك اللباس. ومع ذلك فقد كانت زيارة لِيستْ جد قصيرة. فلم أكد أندهش لها حتى اختفى .

ولسبب أجهله لم يكشف لي في ذلك الصباح عن شخصه. وأنا أفترض بأنه كان يعرف بأنني قد أعثر على صورةٍ له في مكان ما، وبأنني سأتعرّف عليه. والواقع أن أيّا كان، قادرٌ على التعرّف على فرانز لِيستْ، وعلى الخصوص في هيئة رجل عجوز، ذي شعر طويل، ومرتد سوتانًا (ثوب الكاهن) أسود.

والشيء الوحيد الذي قاله في لي ذلك الصباح، وهو يتحدّث ببطء – لأني كنت طفلة – أنه كان في هذا العالم – عالم الأحياء – ملحّنًا وعازف بيانو. وقد أضاف قائلاً: عندما تكبرين سأعود وسأعطيك الموسيقى.”

* باحث ومترجم جزائري يعيش في الأردن

شاهد أيضاً

يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت

(ثقافات) يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت حسن حصاري منْ يمُدُّ لي صوْتا غيرَ صوْتي الغائِب؟ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *