حوار مع مالك شبل : إسلام الأنوار *

خاص- ثقافات

*ترجمة: سعيد بوخليط

تقديم : الأنثروبولوجي مالك شبل والذي يشتغل منذ ثلاثين سنة على مشروعه،كي يبرز داخل فرنسا”إسلاما للأنوار”توفي في باريس يوم السبت 12 نوفمبر2016 عن سن الثالثة والستين.نعيد بهذه المناسبة نشر آخر حوار أجرته معه ”فيغارو ماغازين” شهر شتنبر الأخير.ولد مالك شبل يوم 23 أبريل 1953 ب سكيكدة الجزائرية.من أهم إصداراته :بيان من أجل إسلام الأنوار،قاموس موسوعي للقرآن،الجسد في الإسلام ،كتاب الإغراءات، تكوين الهوية السياسية….  

س-تناضلون من أجل ”إسلام أنواري “.فكيف ستكون بحسبكم شروط هذا الإسلام المتناغم مع الحداثة؟ماذا يلزم فعله بهدف ”إصلاح الإسلام في فرنسا”؟

ج-بالفعل منذ ثلاثين سنة،وأنا أشتغل كي أبلور على أرض الواقع ما أسميه ب”إسلام الأنوار”المستلهم من الأنوار الغربية،حيث تكمن شروطه الأساسية في : حرية الوعي،انبثاق الفرد،العقل،ثم المساواة التامة في الحقوق بين الرجال والنساء.إسلام الأنوار هذا،يمثل أولا إسلام الطمأنينة،الضمانة الجوهرية لنجاحه.

س-كيف نرتقي به؟

ج-ينبغي في المقام الأول أن نهيئ لفرنسا إماما فرنسيا كبيرا يمتلك المواصفات وكذا المميزات التالية :أن يكون فرنسيا، فرانكفونيا،تَابَع تكوينا دينيا(بين الإجازة والماستر،بل وأكثر إن اقتضى الأمر)،علمانيا،ليس له أي ولاء لسلطة دينية خارجية. ثم يُنتقى على أساس برنامج يتم الدفاع عنه أمام أكبر عدد من المسلمين الفرنسيين دون استثناء للجنس والسن أو الأصل.لجنة مستقلة مكلفة باسم الجمهورية قصد إعطاء رأي استشاري (أو إقرار) كي يجد المسلمون سبيلا للحوار والتهدئة فيما بينهم وكذا مع باقي مكونات الوطن.أضع رهن إشارة هذا البلد برنامجا متكاملا بالكيفية التي ينبغي معها توجيه الأشياء على نحو مثمر أقصى درجات السعي إلى ذلك.خصوصا تعميم  نوع من ”الإبتدائي”الإسلامي في خمس أو ست مقاطعات فرنسية كبرى (إيل دو فرانس، أوت دو فرانس،إلخ).ثم مؤتمر يستند على بعض القيم المشتركة،التوافقية :العلمانية،رفض كل دعوة تبشيرية، إلخ. ستمثل أولى الأفعال الدالة لدى هذه المجموعة،أفضل تأشير عن جدية الإسلام الجديد.

س-أليس الإسلام التقليدي بصدد خسرانه المعركة في خضم  أرثوذكسية سٌنِّية،لصالح قراءة حرفية للقرآن؟

ج-نعم، بالفعل،فالإسلام الذي لاعلاقة له بالسياسة كما عاشه أجدادنا وآباؤنا،فَقَد مكانته أمام الإسلام الإيديولوجي لسنوات1980،1990،ثم 2000 . التغير البنيوي للجيل – أغلب الشباب الذين “يمثِّلون ”حاليا مشكلة تقل أعمار أفراده عن سن الثلاثين؟- أحدث اضطرابا لازالت نتائجه ملاحظة غاية اليوم.يتعلق الأمر بزلزال عميق،انتهى بتصدع مهول حول الحاضرة.منذ عقدين،قاد المعركة الأصوليون المتدينون،ليس فقط خارج المضمار،بل أيضا داخل جمعيات محيط الضواحي نفسها.فكم حقا من الشباب المُؤَطِّرين داخل المناطق الحضرية قد بحثوا عبثا على دق ناقوس الخطر؟.

س-هل تضاعف الاستفزاز،مع البرقع وكذا نسخته المتحوِّلة إلى البوركيني؟

ج-ينبغي على كل تحليل لهذه الظاهرة تحريك قوى الذكاء الحية،علماء الاجتماع بالتأكيد،لكن أيضا مؤرخين،ومختصين في السيميولوجيا،وعلماء النفس،لأنه يصعب علينا بعد الآن الاشتغال فقط اعتمادا على أسلحة قطاعات وزارية أو مجرد تلاميع أمنية متوالية،تغدو عبثية أكثر حينما تتكرر دون نتائج.لنتذكر مقولة فولتير :كل تكرار لاتزداد معه الفكرة ثراء فإنه يفقرها .موقفي بسيط : لاينبغي تبرئة أي إمكانية انتقال إلى ممارسة الفعل،لمجرد الرهان سلفا على تطور معين عرفته مواصفات الجهادي.لأنه،أردنا أم أبينا،وماعدا الاضطرابات الإكلينيكية المحددة،فأغلب التحولات نحو الفعل الجهادي تستحضر من باب الاستيهام أو لاشعوريا على الأقل،وصفات مميتة لمن يصدرون أوامر، وهم مخبئين في قاع تجاويف يكسوها الغبار. بدرجة أقل، يشكل البرقع وكذا نسخته المتحولة المتمثلة  في البوركيني،جانبا من كل ذلك،ويستندان على الإثارة.

س-كيف تجيبون الذين يعتبرون الإسلام بمثابة ديانة عنيفة جوهريا ومتسلطة؟.

ج-يوجد على الأقل نموذجان للإسلام، أحدهما عنيف والثاني متسامح.تكرس الأول خلال حقبة طويلة، فمن غير المجدي إنكار البعد التوسعي ومن ثمة العنف.بدأ ذلك مع الملحمة المسماة عربية، التي لوحت بالسيف غاية الأندلس.في هذا السياق،أنا لست من الذين يرفضون  ربط صلات متجلية بوضوح،لهذا الإسلام العنيف مع الخلافة الإسلامية وكذا مرجعيات قادة تنظيم داعش. الأخير، يتبنى دون أي لبس هذا الإسلام العنيف.قلة قليلة،بين المسلمين الذين نشأوا بكيفية سوية، من تحب حقا ممارسات جماعة ذلك التنظيم، بل يلعنون أفراده صراحة،وخارج خوفهم الباطني الذي يجترونه داخليا، يهاجمونه حين حديثهم عن الأمة والجمهورية.

س- يثير الإسلام بصورته الراهنة،مخاوف العديد من الفرنسيين.كيف تشرحون الأمر؟وما السبيل إلى نزع أسباب ذلك؟

ج-هذا التصور للإسلام يثير مخاوف كل الفرنسيين، فرديا وبقوة ،لأنه علاوة على كونه فتاكا إلى أقصى حد، فإنه أعمى ويضرب بلا بصيرة. على النقيض،ما يرفض المسلمون الإقرار به، يتمثل في اعتبار هذا الدين عنيفا أساسا، والوحيد الذي” سيتأثر ”بهذا الوضع .في هذا الإطار،بوسع النقد الذاتي البابوي أن يشكل دعامة لهم. أخيرا،من أجل نزع فتيل الخوف،ينبغي صب ذلك في الوعاء الوطني الكبير،ونجعل منه عملا للتوافق الوطني،وحكاية توتر ينبغي تدبيره بشكل مشترك ،من خلال عقد ندوات،وتنشيطها دون تركيزها على الرقم المخادع المتعلق بمكافحة التطرف،والذي للأسف،لم يلتزم بوعوده. أيضا في هذا الصدد،بوسع سلطة مركزية للإسلام،بناء على كاريزما وظيفتها،الدعوة إلى رفض تام وجذري للعنف باسم الله،هذا الله : ”الجميل العاشق للجمال”(جعلت من الصيغة عنوانا لكتابي الأخير)،نفس التوصيف ينطبق على النبي.يلزم حقا على المسلمين المساهمة بامتياز في الأسئلة الحارقة التي تواجه فرنسا.

س-كتب إيريك زمور مايلي :”المسلمون المعتدلون هم باعتدال مسلمين”. ماذا تعتقدون؟

ج-لم يخطئ زمور تماما،لكن أضيف إلى كلامه تصويبا. المسلمون الذين يصنفون بكونهم معتدلين يتعاملون مع إسلامهم كديانة جامدة،سلفية ثم طقوسية فقط،بالتالي غير قادر على المضي نحو معانقة اهتمامات معاصرة تتعلق بالمشهد المجتمعي،وخوض نقاش أمام المجموعة الوطنية.ينبغي حقا على المسلمين المساهمة أكثر في الأسئلة المطروحة على فرنسا.هؤلاء المسلمون ليسوا فقط متسامحين فيما يتعلق بهذا الجانب، بل يفزعهم الأمر. لذلك أتمنى رؤيتهم وقد انخرطوا في صميم هذه القضايا أكثر مما يفعلون حاليا. إذن، بسب غياب الأفضل،سيفرض “الإسلام الراديكالي” نفسه عليهم وقد انعدمت النقاشات الفلسفية.يعتبر غياب الحيوية هذا محبطا، لأنه يسمح بتوظيف سيئ لدينهم، ثم يضفون عليه شحنة مفرطة من الناحية الحُلٌمية. كلما غابت مشاركتهم،سيتواصل في المقابل ارتقاء إسلام معين بتكهُّن مطلق العنان،تائه، يرافق إعادة انتشار جماعات داعش في ليبيا.تشعرنا أيضا بالرعب،جيوب أخرى في الساحل،ثم من موريطانيا إلى السودان،بحيث يتموقع قبل ذلك على أرض الميدان مقاتلون مجندون.أمامنا،وحول الفضاءات المحيطة بنا، يشيع متدربون على التسويق الاليكتروني للموت،مع ضعف تبريرات دفاعهم عن الدين،إسلاما سيئا.رغم ذلك،أعتبر أننا نملك القدرة،بعد ترتيبات للوعي،كي نمضي قدما ببروتوكولات السعادة،واحترام العيش بين أفراد الجماعة.اللاهوت قائم،والمطلوب فقط كيفية التعامل معه،كي تكون التكلفة أقل من جل الميزانيات الأمنية.ستجنبنا الوقاية المطبقة عن تبصر النفقات غير المجدية.ثم بمصاحبة بقية الديانات الرسمية،ستحظى العلمانية واحترام الذات بمرتكزات ثمينة.على أنقاض الضربات الإرهابية التي جرت خلال الشهور الأخيرة،ينبغي  أن يعود سحر الإسلام إيجابيا إلى تضمينات الخطاب الإعلامي،على الأقل قصد إعطاء الأمل لمن يفتقدونه.اختياراتنا محدودة، لكنها موجودة.

_________

* هامش : Figaro : 14 novembre 2016 .       

 http://saidboukhlet.com       

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *