من كوارث الترجمة… ملاحظات على ترجمة فتحي إنقزو لكتاب «أصول التأويلية» لجــــورج غوسدورف

خاص- ثقافات

خليد كدري (*)

تفضلت مؤسسة «مؤمنون بلا حدود»، هذا العام، بإصدار الترجمة العربية لكتاب الفيلسوف والإبستمولوجي الفرنسي جورج غوسدورف «أصول التأويلية»[1]Les origines de l’herméneutique ؛ وهو يمثل الجزء الثالث عشر من سلسلة «العلوم الإنسانية والفكر الغربي» (بايو، 1988) التي نذر لها تلميذ ليون برونشفيك أكثر من عشرين سنة من مسيرته العلمية الحافلة بالعطاء.

وتنضاف هذه الترجمة إلى سجل فضول (جمع فَضْل) مؤسسة «مؤمنون بلا حدود» على الثقافة العربية المعاصرة، وهي كثيرة لا ينكرها إلا مكابر؛ كما أنها تمثل، من حيث المبدأ، مكسبا نوعيا للمكتبة الفلسفية العربية. وأقول: «من حيث المبدأ»، لأن ترجمة فتحي إنقزو لم تكن في مستوى المجهود المبذول من قبل المؤسسة العربية الرائدة. فعلاوة على الركاكة المفرطة، ارتكب إنقزو أخطاء علمية فادحة في ترجمة الكتاب. وأيا كانت الأسباب التي قادته إلى ارتكاب هذه الأخطاء (العجلة أو غيرها)، فإن الضرر الثقافي الجسيم المترتب عنها لن يرتفع ما لم يستدرك المترجم أخطاءه في طبعة ثانية. وأذكر من هذه الأخطاء، تمثيلا لا حصرا، ما يأتي:

1- هرمس وزيرا للمواصلات!

نقرأ في الصفحة 43 من ترجمة إنقزو: «ذكرى الإله هرمس ووزارته»؛ لكننا حين نعود إلى الأصل الفرنسي، نجد:

.««le souvenir du dieu Hermès et de son ministère

ومن هذا يتبين أن السيد المترجم اكتفى، في ترجمة كلمةministère ، بالمقابل القاموسي الأكثر شيوعا، وهو «الوزارة»! في حين أن للكلمة معنى ثانيا لا يعذر بجهله قاريء عادي، فضلا عن باحث مترجم، وهو المعنى المراد في السياق، ونعني به «الخدمة» الدينية.

وفي نفس الصفحة، نقرأ: «هرمس هو الذي يتولى وزارة المواصلات»؛ يا إلهي! وحين نعود إلى الأصل الفرنسي، نجد:

«Hermès exerce un ministère de la communication».

فليت شعري، هل يستسيغ عاقل أن الإله اليوناني القديم كان «يتولى وزارة المواصلات»؟ وأيهما أصح يا ترى: «وزارة» أم «خدمة»؟ «المواصلات» أم «البلاغ»؟

وفي نفس الصفحة، دائما، نقرأ: «الذين يزعمون رفع الحجاب عن الآلهة وقد أصابهم من عملهم رجس»؛ لكننا حين نعود إلى الأصل الفرنسي، نجد:

«ceux qui prétendent lever le voile de la déesse, suspects de sacrilège».

وهكذا، تتحول عبارةsuspects de sacrilège  إلى «أصابهم من عملهم رجس» بدلا من «المتهمين بانتهاك المقدس»!

2- إيراتوستنس مجازا في الفيلولوجيا!

نقرأ في الصفحة 47 من ترجمة إنقزو: «أما الفيلولوجيا، التي يتمرس بها [إيراتوستنس]، فتعني الإجازة في مجال معرفي، أو في كثير من المجالات؛ بل في جميعها»؛ لكننا حين نعود إلى الأصل الفرنسي، نجد:

«la philologie qu’il met en œuvre désigne la maîtrise dans un domaine de la connaissance, ou dans plusieurs, voire dans tous».

ومن هذا يتبين أن كلمة maîtrise لا تعني بالنسبة إلى المترجم سوى «الإجازة» التعليمية التي تقابل، كما نعلم، مصطلحlicence ، بينما المعنى المراد هو الإتقان والإجادة والبراعة…إلخ، وهي أمور لا يقل مستوى من توافرت فيه عن «العالِمية» إن شئنا استخدام مصطلح محلي!

3- التأويلية ديوانا للحقيقة!

نقرأ في الصفحة 86 من ترجمة إنقزو: «تتخذ التأويلية دلالة ديوان الحقيقة»؛ لكننا حين نعود إلى الأصل الفرنسي، نجد:

«L’herméneutique prend ainsi la signification d’un ministère de la vérité».

 ويلاحظ القاريء أن المترجم يكرر نفس الخطأ بصدد كلمة ministère التي يترجمها، هذه المرة، بكلمة «ديوان»، بدلا من إيراد المقابل العربي الأصح الذي هو «الخدمة». ولست أدري سبب شغف المترجم بهذا المعجم الإداري!

وفي نفس الصفحة، دائما، نقرأ: «الظروف التي كانت فيها هذه النصوص قد وقعت بين أيدي القضاة الرومانيين»؛ لكننا حين نعود إلى الأصل الفرنسي، نجد:

«les conditions dans lesquelles ces textes étaient venus entre les mains des magistrats romains».

وهكذا، يترجم إنقزو عبارةmagistrats romains  بعبارة «القضاة الرومانيين» بدلا من «الحكام الرومان»؛ ذلك أن magistrat  عند الرومان تعني «الحاكم» وليس «القاضي» بالمفهوم الذي شاع في أزمنة لاحقة.

4- الملك آرثر مرلان!

ونقرأ في تعليق إنقزو على هامش الصفحة 120: «الروايات الأرتوريةromans arthuriens  هي حكايات من العصور الوسطى تنسب إلى الملك أرتور مرلانArthur Merlin …»! والحال أن صغارنا يعلمون أن الملك آرثر هو غير مرلان الساحر، فهما شخصان مختلفان. كما أن لا أحد من المؤرخين نسب «الروايات الأرتورية» إلى الملك آرثر، وإنما هي أساطير تدور حول الملك آرثر وحاشيته!

5- مجلس الثلاثين!

ونقرأ في الصفحة 168 من ترجمة إنقزو: «وأما مجلس الثلاثين (1545-1563)، فقد تعهد بتنظيم الهجوم المضاد»؛ لكننا حين نعود إلى الأصل الفرنسي، نجد:

«Le Concile de Trente (1545-1563) organise la contre-offensive».

ويعلم القاريء العادي أن «مجلس الثلاثين» المذكور لا وجود له، وأن الصواب هو «مجمع ترنت أو ترنتو»؛ ويعلم أيضا أنه لا علاقة لكلمةTrente  بالعدد ثلاثين، وإنما هي اسم المدينة الإيطالية الي احتضنت أشغال المجمع المسكوني الشهير!

6- لصق المخطوطات!

نقرأ في الصفحة 221 من ترجمة إنقزو: «سوف يكون هذا النص المحقق، أيضا، موضوعا لبحوث الإنجليزي كنيكوت، المنشورة سنة 1772، والقائمة على لصق كل المخطوطات المعروفة دون استثناء»؛ لكننا حين نعود إلى الأصل الفرنسي، نجد:

«Ce texte massorétique fera encore l’objet des recherches de l’Anglais Kennicott, publiées en 1772, et fondées sur la collation systématique de tous les manuscrits connus».

ويلاحظ القاريء أن الصفةmassorétique  تحولت إلى «محقق» بدلا من «ماسوري»، نسبة إلى الكتبة الماسوريين؛ كما يلاحظ أن كلمةcollation  تحولت بقدرة قادر إلى «لصق» بدلا من «مقارنة» أو «مقابلة»!

7- الأشراف والعامة!

ونقرأ في الصفحة 293 من ترجمة إنقزو: «وأنا أعرفهم حق المعرفة، هؤلاء الزملاء من الأشراف ومن العامة»؛ وحين نعود إلى الأصل الفرنسي، نجد:

et municipaux». «Je les connais assez bien, ces collèges royaux

ويلاحظ القاريء أن عبارة collèges royaux et municipaux  تحولت بقدرة قادر إلى «زملاء من الأشراف ومن العامة» بدلا من «معاهد ملكية وبلدية»!

8- شليغل متخصصا في دراسة الأقاليم!

ونقرأ في الصفحة 633 من ترجمة إنقزو: «ولقد كان المقتضى الفكري نفسه قد جعل فيما بعد من أوغست فلهلم شليغل متخصصا في دراسة الأقاليم»؛ وحين نعود إلى الأصل الفرنسي، نجد:

«Une même exigence intellectuelle devait faire plus tard de August Wilhelm Schlegel un spécialiste des études provençales».

وهكذا، يلاحظ القاريء أن عبارةétudes provençales  تحولت بقدرة قادر إلى «دراسة الأقاليم» بدلا من «الدراسات البروفنسالية» نسبة إلى اللغة البروفنسالية وثقافتها! فهل تعذر على المترجم التمييز بين الصفتين provençal (بروفنسالي) وprovincial (إقليمي)؟ وهل يعذر متخصص في التأويلية ومترجم كتاب عن تاريخها بجهل معلومة في غاية البساطة عن أحد كبار أصدقاء شليرماخر؟

وعلى كل حال، ننتظر طبعة ثانية أصح من هذه؛ وهذا أضعف الإيمان…

(*) كاتب وباحث أكاديمي من المغرب.

[1]– جورج غوسدورف (1988)، أصول التأويلية، ترجمة فتحي إنقزو، مؤمنون بلا حدود للنشر والتوزيع، الرباط-المغرب/بيروت-لبنان، ط. 1، 2018، 702 ص.

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

2 تعليقات

  1. أحسنت استاذ خالد واوافقك الرأي بل أزيد ان المدرسة التونسية في الترجمة اساءت كثيرا للسان العربي واساءت كثيرا للنصوص الفلسفية التي تنطعت لترجمتها. حتى صرنا نترحم على الترجمات المصرية التي خلال النصف الأول من القرن العشرين.

  2. حسن بزاينية

    لا تقفز هكذا يا أحمد إلى الحكم على الترجمات التونسية، فكل مترِجِم مسؤول عن ترجمته. هناك أفذاذ تونسيون في الترجمة، خدموا الثقافة العربية بترجمات رائعة، وأذكر لك ههنا بعض الأسماء للفائدة: ترجمات المرحوم حمادي الساحلي لأطروحات دكتوراه كثيرة أنجزها تونسيون بفرنسا (الخلافة الفاطمية للعالِم الجليل فرحات الدشراوي…)، وكلك ترجمات عبد الرزاق بنور وحمادي صمود ومحمود طرشونة وغيرهم لنصوص كثيرة. الترجمة مسؤولية فردية يا صاح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *