مقهى النّرد

خاص- ثقافات

*الغرياني بالسّعيدي

مقهى وكراسي مبعثرة ذات ألوان مختلفة ، كأنّها قوس قزح معلّق مثل لوحة فنّية في السّماء ؛ أحمر ، برتقالي ، أصفر ، أخضر ، أزرق ، نيليّ و بنفسجيّ . من أبدع المناظر التي تشاهدها العين ، وهي ظاهرة فيزيائيّة ضوئيّة . ينعكسُ شعاع الشّمس من النّافذ ، ينحني الضّوء منكسراً من الزّجاج . تَرَى لونَ الدّخان أبيض مثل ألوان طيف . ضباب كثيف لأنواع سجائر فيها المحلّي وفيها المهرّب ، علب سجائر تونسيّة وجزائريّة ، يَبْتَلِعُهَا المُدخِّنون كأنّها زطلة أو ماريخوانا . السّجائر هنا تؤكّد أنّنا حطّمنا الرّقم القياسي في نسبة التّدخين . يومًا ما سنفوز بجائزة الشّعب المدخّن ويسجّل التّاريخ اسمنا في لائحة كتاب غينيس . لا جائزة نوبل و لا حوار وطنيّ ولا أحزاب قادرة على تخدير الشّعوب . روّاد المقهى من أعمار مختلفة ، شبابٌ وكهول ، تلاميذ وطلبة ، عمّال حضائر ، موظّفون ، رجال أمن و جيش ومعطّلون عن العمل . البطالة يَنْخُرُ سوسها في ربوع هذه الأرض الخضراء . الرّوائحُ تختلِفُ هُنا ، تارة عطرة ، وعطنة تارة أخرى . بين عرق كريه  ومزيل للعرق يبلغ شذاه من بعيد ، تتعدّدُ الأنواع بين الأصليّ والمقلّد ؛ آلكس ، سوبلاس ديودوران ، أكس شوكولا ودافيدوف و لاكوست . كأنّك في حضرة محلّ لبيع العطور . ضجيجٌ صارخ و قهقهات مُتعالية تَنْبعثُ من المكان .

طاولةٌ زرقاء ، يُحِيطُ بها أربعةُ شُبّان يختلفون في الآراء والأفكار و الشّكل والمظهر . حتّى طلباتهم للمشروبات لا تُشبه بعضها . الأوّل يطلُبُ آلّونجي ، الثّاني إكسبرس  ، الثّالث يُنادي بصوتٍ عالٍ للنّادل : ” كابوسان خفيفة تعمل مزيّة ” ، ويّصْرُخ الرّابع : ” ڨازوزة فانتا حمراء (مشروبات غازيّة) بربّي . “

يتوسّطُ الطّاولة هاتف أندرويد ذكيّ من نوع سامسونغ آخر صيحة . يفتحونُ لُعبة اللّودو كلاسيك هي نسخة جديدة وتطبيقٌ اكتسح المقاهي . لو سمعتَ جلبةً و ضوضاءاً بقربك . اِعلم أنّهم يلعبون النّرد . هي لعبة الحظّ والحظُُّ لا اسم له هُنا . يختارُ كلّ واحد لونه مثلما يختارُ النّاخبُ حزبه ، بين أربعة ألوان ترمُزُ لكلّ لاعب ؛ أصفر ، أخضر ، أحمر و أزرق . ينقسِمُ المقهى إلى مجموعات ، طاولة يلعبون فيها الورق (الرامي) ، وطاولة مخصّصة للديمينو وأخرى لمجانين كرة القدم رؤوسهم مُنحنية أماما التّلفاز لمشاهدة إحدى المباريات العالميّة ، وآخرون مُنشغلون بتعمير ورقة بلانت (لعبة رهان عالميّة) ، أو ورقة بروموسبو (لعبة رهان تونسيّة) .

  • شبابٌ جمعتهم المقهم وفرّقتهم ألعاب تقليديّة وتطبيقات عصريّة حديثة . ” لقد أصبح واضحًا بشكل مُفزع أنّ التكنولوجيا تخطّت الإنسانيّة . ” أصبح البشرُ ليسوا سوى رمية نرد ما بين مُفترس وفريسة . واللّعبة حظّ الوحيدين مثل القصيدة رمية نرد ، القصّة رمية نرد والرّواية رمية نرد . يردّد المُنهزمون من سوء حظّنا أنّنا خَسِرنا كجنود في المعركة . ويضحكُ المُنتصرون بنشوة قائلين من حسن حظّنا أنّنا ربحنا كملوك للّعبة . انصرفت من المكان ويغمرني شعور أنّني في المكان الخطأ ، بقي صدى موسيقى راي وراب صاخبة تتعالى من المقهى ، واللاّعبون يواسون أنفسهم بكلمات بلغني منها قليلها الحياة هُنا مثل رمية نرد .. مُمكنة …

  • #الغرياني_بالسّعيدي : حزوة / تونس

 

شاهد أيضاً

يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت

(ثقافات) يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت حسن حصاري منْ يمُدُّ لي صوْتا غيرَ صوْتي الغائِب؟ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *