حفر في بنى تأبيد العذابات

خاص- ثقافات

*جهاد الرنتيسي

تطفو تشوهات العلاقات الانسانية على أسطح الحياة الاجتماعية لكن البحث عن جذور هذه التشوهات يتطلب الحفر في البنى المولعة بإخفاء تأبيدها عذابات الخاضعين لها باعتبار دوام هذه العذابات ضمانة لبقائها.

جرت العادة أن يكون الحفر مهمة الاركيولوجي للعثور على احفورة هنا أو أثر هناك للكشف عن تاريخ الحضارات والاستيطان البشري في بقاع الأرض، أو الانثربولوجي الموغل في التنقيب حول سلوك الأفراد والمجتمعات، وتقوم الحفريات في الحالتين على أسس وقواعد ومقاربات علمية وتاريخية.

 تأخذ الفلسطينية نادية حرحش فعل الحفر إلى مطارح أخرى في روايتها “في ظلال الرجال” بتحويلها علاقة المرأة بالرجل في المجتمع المقدسي إلى مادة للبحث مستفيدة من نظرة ناقدة وسعة اطلاع على تفاصيل العلاقات والسيكيولوجيات المؤثرة والمتأثرة بالظواهر المراد بحثها.

تقود المحاولة الأولى لتأطير الرواية إلى أننا بصدد البحث في تفاصيل كائن غير سوي بفعل عوامل موضوعية متوارثة ومجتمع مريض يتفنن في الحفاظ على بقائه في دوامة تفريخ الأمراض وإعادة إنتاجها للحفاظ على تشوهاته .

يظهر ذلك واضحا من خلال الإسهاب في وصف مراعاة المرأة للرجل على حساب ذاتها ورعبها من العيش بعيدا عن ظلاله التي تثقل على أنفاسها وقبولها مؤسسة الزواج رغم تحولها إلى ما يشبه سلة المهملات مع التسليم بأبدية العلاقة الزوجية .

للمرأة المطلقة عوالم موازية لهذه العوالم ـ  من حيث قسوتها ـ فهي تعيش حالة من الضياع، يتم التعامل معها باعتبارها مرضا معديا بعد وقوع الطلاق، وتخرج من سجن الزوجية بعد طلاقها لتحتفظ بصفة السجين .

قد تبرر الإشارة إلى عدم إدراك المرأة بعض بواطنها هذه الحالات لكنها لا تفسرها بالضرور مما يبقيها في سياق كشف ادعاءات الرجل بقدرته على فهم امرأة لا تعي بواعث سلوكها.

في استرسالها تلامس الرواية تخوم الثيولوجيا حيث تحصل المرأة على حسنات لآخرتها مقابل تعرضها في دنياها لاذلال الزوج، تكافأ بالحلي مقابل الكرامة، تتمثل الخير حين تكون الجنة تحت أقدامها، والشر عندما تصبح حطبا لنار جهنم .

لا يسلم الرجل من عملية الحفر التي تقوم بها حرحش فهو الطفل الباحث عن أمه في الزوجة والعشيقة، ينتقل من ثدي الأم الى شهوة المرأة الشريك، ولدى تجريدها لعملية البحث هذه تكاد أن تصل إلى غياب الفواصل بين الحالتين، فهو يريد المرأة أما ويصر على إبقائها تحت ولايته .

تتداخل دوائر الظلال القاتمة لدى الدخول إلى واقع المرأة تحت الاحتلال في المجتمع المقدسي فهي تعيش احتلالا مركبا وتبقى كمن يمشي على حبل معلق بين السماء والأرض في علاقتها مع الآخر الاسرائيلي.

الواقع المأزوم الذي تعيشه الفلسطينية يعري ازدواجية نظرة نساء السلام الإسرائيليات لضحايا الاحتلال الفلسطينيات فهي تتأرجح بين صهيونية لا ترى الآخر وانحياز إنساني يصعب التغاضي عنه.

حمولة الفكرة التي تطرحها حرحش أثقلت على عوالم الرواية حيث فوت الاشتغال على عملية الحفر أهمية ايلاء الاهتمام اللازم بفنون السرد ولعبة التشويق وتقنيات شد القراء إلى جماليات الأحداث والسياقات التي غابت أحيان كثيرة في غمرة السعي لتثبيت ما يتم اكتشافه والتاكيد على حقائق مؤكدة .

 

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *