مقدّمات توفيق بكّار بين الايدولوجيا والإنشائيّة

خاص- ثقافات

*رياض خليف

من جلسات ندوة خطاب المقدمات بجامعة القيروان

استرعت مقدمات توفيق بكار التي ضخّ بها السّاحة الأدبية منذ عقود انتباه القرّاء والتّلاميذ والطلبة والباحثين .فلقد كان الجمهور يستقبلها بحفاوة وانتباه لما فيها من لغة راقية وخطاب مشحون بالمعاني.وهو ما جعلها نصوصا موازية فعلا و جعلها موضوع دراسة وبحث.وقد اتّجه البحث نحو هذه المقدمات خصوصا بعد جمعها في كتب مستقلة و تدعّم بعد رحيله وقد كان هذا الاهتمام محرّضا على بحث خطاب المقدّمات وداعيا إلى الالتفات إليه أكثر…

في هذا الإطار جمعت مدرسة الدكتوراة بالقيروان عشرات الباحثين والجامعيين من تونس والوطن العربي للخوض في عوالم المقدمات قديما وحديثا والتطرق إلى مقدّمات كتب أدبية وحضارية ولغوية وغيرها.و كانت مقدمات توفيق بكار محل تساؤل وخصصت لها جلسة هامّة جال خلالها الباحثون بعوالمها وأفقها.و قد أدارها الدكتور صلاح الدين الشريف…وقد أكّدت هذه المداخلات على ما في مقدمات توفيق بكار من إنشائية وما تكتسبه من قيمة تاريخيّة وما تحمله من خطاب أدبي وإيديولوجي…

أشار د رضا بن حميد إلى أهمية مقدمات توفيق بكار التي عرفت من خلال السلسلة الأدبية التي كان يشرف عليها وقد تحولت هذه المقدمات بدورها إلى كتب ذات مقدمات في إشارة إلى كتب توفيق بكار التي جمع فيها مقدماته التي صاغها لأعمال إبداعية مختلفة (قصصيات عربية وشعريات عربية) واعتبر أن هذه السلسلة تكتسي بعدا تاريخيا…
مقدمات أم بيانات؟
طرحت المداخلات صلة مقدّمات توفيق بكار بالايديولوجيا وبفكره الذاتي فالمقدمة حسب د بن حميد قد تصبح بيانا  أو أداة لتبليغ موقف ومثال ذلك تقديم توفيق بكار لرواية المتشائل لأميل حبيبي حيث تلوح  بين طيّاتها كتابة بحسنا العربي المجروح بعد الهزيمة…وفي نفس هذا الإطار اعتبر بوشوشة بوجمعة أن بكار كان شبيها بأبطال الروايات التي يقدمها ملمحا إلى رائحة الايدولوجيا في مقدماته معتبرا انه تحوّل من قارئ مفرد إلى قارئ جمّ ومتعدد وقد كانت مقدماته بيانات.في نفس هذا الأطار تحدثت وناسة نصراوي حيث استعادت آخر وصايا بكار”أوصيكم خيرا باللغة”و ثمّنت انتباهه إلى مشروع محمود درويش الشّعريّ وتفاعله مع شعر درويش والقضيّة الفلسطينيّة…
لعلّ هذا البعد دفع د صلاح الدين الشريف في خاتمة الجلسة إلى كلمات مؤثرة وهو يستعرض نضال توفيق بكار الذي يعود إلى ما قبل الاستقلال و نشاطه في الحزب الشيوعي ثم انسلاخه وتمسكه بالمشروع الحضاري العربي .
من شعرية النصوص الى شعرية المقدمات
إذا كان  توفيق بكار في مقدماته يطرح إنشائية النصوص ويبرز أدبيتها فان الباحثين اليوم يغوصون في إنشائية مقدماته. فالباحث المغربي هشام موساوي بحث انتقالها بالمقدمة من الطابع التقريري إلى الشعري الإبداعي مقارنا إياها بجملة من المقدمات المغاربية .. أما أمين عثمان فاعتبر أن بكار فنان تجري في كلماته العشرة الأدبية معتبرا إنه يمارس على نصوصه فتنة أو عشقا أسطوريا ملاحظا أنّه  كان متخيرا لنصوصه وكان مثقفا متسامي عن كل انتساب رخيص…
وفي هذا المجال  انتبه د.بن حميد إلى أن مقدمات توفيق بكار تخضع إلى لون من التناص الداخلي  إذ ينشئ بكار حوارا وتفاعلا بين مقدماته.ويتوسع هذا الانفتاح لتنفتح مقدماته على نصوصه الأخرى وعلى اللحظة التاريخية فهو يصل شخصيات الروايات التي قدمها بنور الحياة والفكر المتطلع والخائب.ولعله بذلك يحتمي بالتاريخ من خارج النص لتكون هذه المقدمات في الحقيقة نصا مخاتلا   وأمّا ذكرى بن صالح فقاربت الخطاب المقدماتي لتوفيق بكار وملامح شعريّته انطلاقا من مقدمته لكتاب السد لمحمود المسعدي…
نقد جامعي أم يومي؟
والحقيقة أنّ الحديث عن مقدمات بكار لم يخل بدوره من شعريّة ومن بوح الذاكرة وهو ما جاء في كلمات المتدخلين ممن عاشروه أو عاشروا نصّه…و يمكن القول أن هذه المقدمات كانت لحظة هامة في الأدب التونسي…غير أني أودّ أن أضيف إلى ما قيل أنّ هذه المقدمات كانت تحمل علامة تمرّد مزدوجة.فبكّار تمرّد على النّقد اليوميّ العادي وعلى النّقد الجامعي والأكاديمي ومزج بينهما في نصوص جميلة تنفتح حينا على الذات ومشاعرها تجاه الكاتب والنص وقضاياه وحينا على النقد الأكاديميّ بقوانينه وضوابطه.وهو عنصر للبحث والتّمعّن…

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *