القصة القصيرة في الشعر

*يوسف أبو لوز

«القصة القصيرة في الشعر..» عنوان كبير، أو الصواب أنه يصلح لأن يكون عنوان كتاب أو دراسة مطولة.. كل ذلك استناداً إلى معاينة شعرية في الكثير من نصوص شعراء ما يسمى قصيدة اللحظة، أو قصيدة «اللقطة» وما قصائد «اللقطات» سوى قصائد قصص، أو أن «اللقطات الشعرية» هي في جوهرها «لقطات قصصية».
نحن أمام ما يشبه الظاهرة، إذاً، أو أنها حقاً ظاهرة شعرية، قصصية، فنية لا تقتصر على الشعر العربي، بل هي أيضاً ماثلة في شعر العالم.
من الشعراء العرب الذين تنطوي قصائدهم على قصص قصيرة، يحضر بقوة الشاعر العراقي يوسف الصايغ صاحب قصيدة «المعلم» الشهيرة التي تصلح بشيء من التدوير الأدبي لأن تكون قصة طويلة، أو حتى بذرة رواية.

اشتهر يوسف الصايغ بهذا النوع من الشعر، وبخاصة في أثناء الحرب العراقية- الإيرانية في ثمانينات القرن العشرين، والكثير من الشعراء العراقيين في تلك الحرب المريرة كتبوا «قصائد قصصا» تحكي المرارات والندوب والصدمات التي تعرض لها جنود شبان من بينهم جنود شعراء كتبوا في الجبهة وفي خطوط المعارك قصائد- قصصاً تحكي ويلات تلك الحرب.
نعود إلى نموذجنا الأول (يوسف الصايغ) فهو في إحدى قصائده يتحدث عن امرأة نائمة في السرير عن يمينه. السرير بالقرب من النافذة، يقوم هو فيطفئ الضوء، يقول لها تصبحين على خير، تجيبه: تصبح على خير، تبدو المرأة مريضة متعبة أو منكسرة، ثمة مناخ مضطرب، لعله مرة ثانية مناخ من مناخات الحرب حين يكون الإنسان مشروع قتيل في أي لحظة.
بعد قليل يمشي السكون إلى النافذة، وفيما هو كذلك تمر الدقائق بطيئة «يدرك أن الحبيبة لم تغف بعد» يسألها في ما إذا كانت جائعة تجيبه.. لا.. يسألها هل أنت خائفة؟ في حقيقة الأمر هي خائفة.
نشير هنا إلى أن بعض الشعراء بدأ قاصاً، والعكس جرى أيضاً، فبعض القاصين بدأ شاعراً، وبكلمة ثانية هنا مشترك شعري قصصي نعانيه جيداً، مرة ثانية، عند شعراء نصوص «اللقطة» أو «اللحظة» أو «الحالة الشعرية» التي هي «حالة قصصية».
في قصيدة للشاعر الفلسطيني غسان زقطان تحمل في طبقاتها الغنائية روحاً قصصية بعنوان «أغنية حارس الكرم» يوصي «بطل القصيدة» ابنته أن لا توقظ حارس الكرم «أي حارس البستان أو الحقل» من نومه عندما تذهب لقطف السفرجل، فالحارس ميت منذ زمن طويل ومخدته من عظام البنات، وفرشته مصنوعة من أساور زوجاته الميتات، ويوصي «بطل القصيدة» ابنته مرة ثانية بأن تحاول أن تغني قليلاً أمام الأشجار»حتى تحبك الأشجار يا ابنتي».
اشتهر الشاعر الفرنسي جاك بريفير بقصيدة «اللقطة» ومن لقطاته «القصصية» هذا المقطع العذب الذي يتحدث عن الحب، كأنه مقطع لحوار مقتضب بين رجل وامرأة في مقهى أو في حافلة أو في قطار.. يقول جاك بريفير في قصيدة له بعنوان «أغنية»:
«في أي يوم نحن؟/ نحن في كل الأيام يا حبيبتي/ نحن كل الحياة يا حبي/ نتحاب ونحيا، نحيا ونتحاب/لا نعرف الحياة، لا نعرف ما اليوم/لا نعرف ما الحب.
بإمكان القارئ المتذوق للشعر وللقصة معاً أن يضع «سردية» طويلة مقامها ومقالها روح القصة في روح الشعر.
______
*الخليج الثقافي

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *