لحظة مرارة

خاص- ثقافات

ربيعة المنصوري*

نظر في حزن إلى الشارع الكبير من خلف النافذة ، أحس بالملل ، تابع شرب قهوته وهو يتأمل شاشة هاتفه ، أحداث مترامية ، حروب ، قصف ، والكثير من الجرائم …قتل ، اغتصاب …عنف لا حدود له …لماذا تأخرت ؟ أخاف أن لا تأتي كالمرة السابقة ، هاتفها لا يجيب …أين أراها إذا لم تأت هذه المرة أيضا …أسئلة كثيرة كانت تنتشر حوله في اجتياح ، عدوان الشوق يهزم أحاسيسه ، ويزرع الكثير من الألم في أقصى قلبه ، لماذا يعيش الإنسان حزنه برغبته و يصمم على أن يبقى داخل نيران الألم وهو قادر على التخلص من كل ما يربكه ويقطع شرايين الحياة داخله ….طلب قهوة أخرى لعلها تأتي مع طلتها …كان يحسب الثواني بقلق من ينتظر موته …خفق قلبه بقوة وهو يراها تنزل من سيارتها وتصعد الدرج في استحياء ، استعد للقائها وهي الغائبة طويلا عنه ، هل يفرح بقدومها أم يحزن لأن اللقاء لن يستمر طويلا وسيعيش مرة أخرى لوعة البعد وهو المسكون بها ….جلست قبالته بسكون الورود البرية بعد أن سلمت عليه وهي تتفادى النظر إليه …كانت تبدو بالأسود أميرة خرافية ….لحظات انبهار ملونة بإكسير الحياة ، صمت جليل يفضح لوعة الشوق المتناغم ، احتضنت يدها الرقيقة  فنجان القهوة في لطف ونظرت إليه في صمت ثم قالت : لقد حاولت جاهدة أن لا أتغيب هذا المساء رغم الظروف الصعبة …نظر إليها طويلا …كانت ملامح الحزن تغلف محياها الجميل ، لم يتفوه بكلمة ، فقط كانت نظراته تنوب عن كل أسئلته …قالت : تعبت جدا …تعبت من كل شيء ، ولا أملك إلا الاستسلام ….قال بصوت ضعيف وهو يمد يده نحوها ليزيل نظارتها الشمسية التي كانت تمنع عنه رؤية عينيها العسليتين ، أريد أن أرى عينيك ، غربتي كبيرة بعيدا عنهما ….ظلال دموع شتائية كانت تلمع تحت أهدابها الكثيفة …لماذا تستمرين في حياة لا تمدك إلا بالحزن ، لماذا تواصلين الطريق معه وقد أهدر بهمجيته كل فرصك في الحياة ؟ لماذا تقتلين نفسك بكل هذه القسوة ؟ وكأنك لا تعرف الأسباب …قالتها بلهجة معاتبة جعلته يحن إلى ضفافها ….لا أقصد ولكن ما أراك عليه ينسفني …لماذا لا تدعينني أتدخل لعلي أستطيع …..قالت : لن أبقى طويلا فغيابي أصبح يعقد الأمور أكثر مما هي معقدة ….سكنا في هدوء ، كانت تهرب من نظراته الكاشفة …كان يلتقط أنفاسها خوفا من غياب قد يطول ، ليت الزمن يتوقف اللحظة لأبقى إلى جانبها أطول وقت …لماذا تأتين دائما مستعجلة ؟ أكاد لا أراك إلا للحظات….قالت و طيف ابتسامة جميلة على شفتيها …لقائي بك متنفس…ليتني أستطيع أن أشرب من غديره كل يوم …أسعد لرؤيتك وأنت ….لم يقدر على الكلام وقد قالت كل شيء …أنا أعيش للقائك….وقفت مودعة وكأنها تهرب من كل شيء يمكن أن يضعف من قوتها وهي الورقة الضعيفة في مهب ريح أحاسيسه….أراك لاحقا ….كان ينصت لنحيب أعماقه وهو يتابع خطواتها المسرعة ….أحس نفسه وحيدا مرة أخرى ، طلب قهوة أخرى لعلها تعيد له بعض توازنه الذي فقده برحيلها فلحظات مرارة البعد ابتدأت .

 

شاهد أيضاً

قصة “الظل” لإدغار آلان بو

(ثقافات) قصة الظل[1]. إدغار آلان بو ترجمة: عبد القادر  بوطالب                أنت الذي تقرأ ما …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *