صدر حديثًا…”سوبر نميمة ” لربعي المدهون

خاص- ثقافات

عن “المؤسسة العربية للدراسات والنشر” في بيروت و”مكتبة كل شيء” في حيفا، صدر للكاتب الفلسطيني ربعي المدهون، سرديات “سوبر نميمة”، وفيها يقدّم مقطعا عرضيا من سيرة مثقف عربي، في ما يطلق عليه زمن “التشبيح الثقافي” و”انتشار العنف اللفظي”.

 

وعلى امتداد 236 صفحة من القطع المتوسط، يقدم المدهون 17 “سردية”، تتناول تجربة روايته “مصائر” التي فازت بـ”الجائزة العالمية للرواية العربية” (البوكر العربية) عام 2016، في علاقتها مع من شكلوا أبعادها الثلاثة: مؤلفها، وقارئها، وناقدها.

 

نقرأ على غلاف الكتاب: تكمن أصالة وريادة هذا النصّ “الأوبرالي” الذي كتبه المدهون بقبضة نزيهة، في شجاعة تحويل مونولوج الظّواهر القمعيّة الرمزيّة، الحافّة بالجوائز الكبرى، إلى صرخة فصيحة. ومثلما لا نعرف ما يحدث لحامل السلاح من أهوال “ما بعد الحرب”، كذلك لا نخبر مآلات ومكابدات الكاتب – جندي الكلمات – ما بعد الجائزة. “سوبر نميمة”، يفجر هذه الطبقة السميكة والصلدة  من الحوارات الجوانية المحبوسة، التي تدور في ردهات روح “الفائز” وتكبّل أعماقه. كتاب “حلوٌ/ مرٌ، يفتح كوّةً يرى القارئ، من خلالها، ما هو شيطاني في الأوساط الأدبية العربية وما هو ملائكي”. وهو سيرة روائية شيقة وبوح جريء، “تتحوّل فيه المرارة إلى سرد ساخر متبختر”.

 

 

 

 

 

 

 

 

مقتطفات من “سوبر نميمة”

 

في الطّريق بين «المقهي الثّقافيّ» الّذي غادرته ويدي بيد سيّد محمود وخيمة «سور الأزبكيّة»، سألت سيّد عمّا قرأه من روايات القائمة الطّويلة للبوكر. كنت متلهفًا لمعرفة رأيه في «مصائر»، من دون أن أُشعِره بأنّني أعرف أنّه عضو في لجنة التّحكيم. طنّشت معلومات كشفها موقع إلكترونيّ نشر أسماء ثلاثة ادّعى أنّهم أعضاء في لجنة التّحكيم. ولم أسقط من حسابي أن يكون سيّد قد اطّلع عليها، أو علم بها على الأقلّ. كنت أريد رأيه الشّخصيّ هو كسيّد، وليس كعضو لجنة تحكيم.

»آه طبعًا يا ربعي آه.. قريت كم رواية منهم…عطارد رواية كويّسة، ورواية شهلة كمان…إنت عارف إنّه « .

وتوقّف سيّد، وأوقف لسانه عند الكلمة الأخيرة استعدادّا للهرب من السؤال:

«تعال يا ربعي. تعال بس. تعال أمّا أوّري لك حاجات ما بتخطُرش ع بالك..حاجات هايلة فعلًا.. بُصْ.. فاكر الكواكب.. بُصْ أهِه م الخمسينات، و(حواء) وآدي (الإتنين) يا سيدي وآخر ساعة.. فاكرهم؟ أكيد فاكرهم طبعًا.. دي ثروة هايلة جدًّا؟«

استوقفتني «آخر ساعة» من دون الصّحف والمجلّات الأخرى. أخذتني إلى أبي الّذي رحل عام 1960 وأعادته إليّ. نادرًا ما كان أبي يطلب مجلّة فنّيّة كتلك المجلّات الّتي استعرضها سيّد أمامي. لكنّه كان مواظبا على قراءة «آخر ساعة»، خصوصًا في الفترة الّتي أمضاها في مستشفى البريج للأمراض الصّدريّة (وسط قطاع غزّة)، بعد إصابته بمرض السّلّ الّذي استوطن صدره تسع سنوات، قتله بعدها.

=============

 

“بيد متردّدة دفعت المفتاح إلى الباب، ثمّ أدرته بسرعة. فإذا كان سينفجر في وجهي فليحدث ذلك بصورة خاطفة. لا أريد أن أتمشّى في طريقي إلى الموت. لم يحدث شيء. استعدت أنفاسي الّتي اختطفها الخوف. عليّ أن أدفع الباب الآن بهدوء، ببطء شديد هذه المرّة. لا بل دفعة واحد تنهيني أو تنهي هواجسي. فعلت. لم ينفجر شيء، ولم يخرج من وراء الباب من يهاجمني فجأة بكعب مسدّس مثلًا، أو يطلق رصاصة مكتومة كالصّمت الّذي يحيط بي. إنّهم أذكى من ذلك بكثير. عمّن أتحدّث؟ لا أدري. هل وضعوها تحت السّرير؟ من هم؟ لا أدري. في خزانة الثّياب؟ مفخّخة، أم موقّتة في زمن أكون فيه معها ولا من أحد غيرنا؟”

 

 

 

 

 

==============

 

“للفوز طعم آخر. للفوز ثمن غال. عشتُ تفاصيل الوجع في المنافي. بؤس الحياة في المخيّمات ومآسيها. عرفت الفقر النّسبيّ الّذي كان يحسدني عليه أطفال آخرون في مخيّم خان يونس، كانت حياتهم فقرا يشكو لنفسه فقره. عرفتُ اليتم وغياب الأب في الصّغر. جرّبت الطّرد والابعاد من أجمل المدن الّتي عشقت، والاحتجاز والتّحقيق في دوائر الأمن الصديق والشقيق. جرّبت الاعتقال المؤقّت، والضّرب والتّعذيب والإهانات في المطارات العربيّة. عشت، بين رصاص الحروب الأهليّة وقذائفها. عرفت المتعصّبين والمتخلّفين واليسار واليمين. اختبرت العيش والإقامة بجوازات سفر مزوّرة. جرّبت كلّ ما يلاحق الفلسطينيّ فقط لإنّه فلسطينيّ ويستهدفه أجرّب اليوم أن أفرح”.

==============

 

كان أبي يقتل وقته المليء بالسّعال، ومتاعب السّلّ الّذي سكن صدره منذ كان في الخامسة والعشرين من عمره، بمجلّة «آخر ساعة». وفي أسابيع قليلة لا تصل فيها المجلّة، استبدلها له بـ «المصوّر».

كانت أخبار مصر النّاصريّة تخفّف بعض أوجاع أبي، كما تخفّف منها طريقته في العطس. كان أبي “عطّاسا” مجدِّدًا، يغير إيقاعات العطس التّقليديّ: آآآآت تشِهْ. حين كانت تداهمه نوبة عطس بالجملة أو بالتّقسيط، كان يرفع رأسه إلى أعلى قليلًا، فيرتفع أنفه الإغريقيّ. يُغمض عينيه نصف إغماضٍة، ثمّ يطلق سراح عطسة مفردة، يطلقها شهادة إيمانية: آآآآششششهد… بأنّ الله حقّ. ثمّ يفتح عينيه المحمرّتين، ويتأوّه خفيفا تعبيرا عن ارتياح يستحق الحمد والشّكر وطلب الرحمة من الله.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *