عن الكاهنة والتاريخ والثورة

خاص-ثقافات

* كفاح جرار

كم كان أبو جهل شديدا على رسول الله وكم كان أبو لهب العم شديدا على ابن أخيه رسول الله عليه الصلاة والسلام، فما بالكم لو اجتمع أبو جهل وأبو لهب في جسد واحد وشخصية واحدة؟.

عمر بن هشام كان يمثل الضعة العقلية وأما أبو لهب فقد مثل الوضاعة النفسية والقيمية، وإن اجتمع الأسفلان فقاتلوهما بالنعال والأسودان.

بداية ودراء من كل لبس وخلل، يجدر القول أن رأس الكاهنة تيهيا/ ديهيا حسب اللفظ، لو عاد لجسد صاحبته حيث دفنه الملك الأموي في دمشق، وقامت هذه المرأة حية تسعى لخاطبت كل هاتف مناد باسمها قائلة: دعوني وشأني فقد ضاعفتم مأساتي مرتين..

أول أسطر المأساة التاريخية كتبت، ساعة حول أحدهم الحكومة من انتخاب ديمقراطي إلى وراثة دستورية ثم استبدادية، ووضع السيف في الأمة.

وقد ثارت مؤخرا في الجزائر زوبعة تاريخانية، كانت ساحتها عدة صحف وطنية، وهي زوبعة كادت تتحول إلى عاصفة حقيقية، ثم عادت وثارت من جديد، وكأن هناك من يحركها ويتحكم بمحركها حسب الحاجة والهدف، أما لماذا التاريخانية وليس التاريخية والتأريخ؟ فمرد ذلك لسبب رئيس وهام له علاقة بالكتابة البحثية وصدقيتها، ولا نقول موضوعيتها، ولا نعتقد أنه قد يختلف اثنان على أن الحدث الوطني الماضي لا يمكن التأسيس له في الصحف اليومية، التي تهتم بالخبر الآني، وليس مجالها أبدا الموضوع التاريخي إلا بقدر مساهمتها في إثراء التحليل والحوار الذي تأسس مسبقا، وتثقيف التاريخ أيضا بجعله موضوعا شيقا في القراءة اليومية.

فكيف ونحن لم نتفق بعد على مفاصل تاريخية كثيرة وهامة، وما بالكم ونحن نكيل التهم لأنفسنا، بينما قوى الاستعمار القديمة لم تزل تتربص في مواقعها، وتعيش حلم العودة السلمية وبدعوة وطنية، وإن من ثقب إبرة؟.

فقد انتصرنا في نوفمبر وحققنا سيادة واستقلالا، رغم أنف الواقع المر، ولم تنفصل الصحراء عن الوطن، فكانت منها ثروتنا الوهمية ومصدر سعادتنا الوقتية، وسواء شارك فلان أو علان أو شارك كل الشعب أو ربعه وربما فئة قليلة منه، فقد قضي الأمر الذي فيه يستفتون، أما نحن أبناء اليوم فمن الأجدر بنا أن نتحدث عن الحصاد وإعادة الحرث والبذر من جديد.

ولكن، يبقى السؤال الأول، أليس من الإهانة والضعة أن يكتب التاريخ في صحف لا تعمر حتى آخر النهار، ثم مقرها ومستقرها صندوق النفايات؟ وفي صفحات فيسبوكية امتلآت بعصارة القذارات اللسانية، من باب عجائب القاموس في شتم النفوس بلسعات كالحيات والناموس.

المشكلة هنا أن صفحات التاريخ باتت تكتب بقوة الجهل والعصبية ودون تمحيص ودراية على صفحات صحف يومية، وكثر الهراء والخرف التاتريخي، مترافقا مع الهراء والخرف التراثي، الذي هو عند بعضهم معركة مع قريش ويثرب وتارة أخرى مع الله تعالى، وتقمصت قوى الجهل والتجهيل والنقد الارتجالي والعسس التاريخاني دور الرقيب العتيد، الذي لو ملك سلاحا لرأيت عمليات تصفية جسدية بمئات الآلالف.. “فالتعامل مع الوقائع التاريخية بمنطق البدوي المهاجر، وليس بعقلية وذهنية الفلاح المقيم، الذي هو أحرص الناس على تدوين يومياته التي ستكون تاريخا بعد فترة”.

وإلا لماذا لم تصمد مقاومة كاهنة الأوراس أمام جيش الفتح الإسلامي، مع أنها كانت أكثر خيلا ورجالا وأعظم قوة، ورغم انتصارها المسبق على جيش الفاتح حسان بن النعمان، لكنها لم تلبث أن انكفأت بعد أن أصيبت بهزيمة داخلية، يوم أحرقت ودمرت وخربت مدن وقرى قومها، لاعتقادها أن الفاتحين الجدد يشبهون من سبقهم من الغزاة، الذين كان يسيل لعابهم للسلب والنهب، أي وقعت الكاهنة في إشكالية معرفية عميقة كلفتها رأسها الضخم، لأنها عندما عرفت الحقيقة كان قد سبق السيف كل عذل، فمضت الكاهنة كحالة مقاومة فردية بائسة، وكان التاريخ برمته إلى جانب ابن النعمان الفاتح الذي كان صاحب مشروع كلاني متكامل، يؤمن بالوحدة ويعمل لها، وإن تحت قيادة حاكم أموي بعيد.

واليوم بالضبط، يعملون لإحياء ذكرى الكاهنة تيهيا باعتبارها مقاومة وطنية ضد مستعمر بغيض، فهل من شبه بين عرب الجزائر والذين جاؤوا من وراء البحر من الفرنسيين؟ ولماذا رحل الإفرنسي وبقي العربي مواطنا صالحا مع غيره من أبناء العشيرة والعشرة.

من لطائف القدر أن قلة هم من يعتقدون أن كاهنة الأوراس شخصية وطنية تستحق التمجيد، وغير ذلك على العاقل أن يقرأ فاتحة الكتاب على عقول ضيعت منارتها، ثم يختم بقل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق، على وضاعة فكرية ترى نفسها فوق كل قيمة.

إلى المتنازعين المتصارعين من عرب ومن بربر، اختر من تكون، إما ابو جهل برعونته أو أبو لهب بسفالته؟.

حتى الأعشى بشيخوخته الجاهلية، كان أكثر حكمة من كثيرين معاصرين.

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *