القصة من أبوابها

خاص- ثقافات

*ادريس الواغيش

بعيدا عن القراءات المتنوعة في الشعر والفكر والرواية، لم تكن لي معرفة بالقصة ولا رغبة في كتابتها، لأنها لم تكن معروفة في عالمنا كجنس أدبي “مستقل” ونحن طلبة في التعليم الجامعي، فما بالك بالتعليم الثانوي او الإعدادي، وإن كنت اقرؤها من حين لآخر في بعض المجلات المشرقية او التي كانت تأتينا من باريس ولندن معربة في بعض مجلات المهجر، اذكر هنا مجلتي:”الوطن العربي” و” العربية” التي ستتحول فيما بعد إلى قناة إخبارية!
كنت أكتفي كباقي زملائي وزميلاتي بكتابة الشعر التقليدي بالشكل العمودي المتعارف عليه في السبعينيات من القرن الفائت، او الرسائل الطويلة والخواطر والتفنن فيها، حتى ان بعض الأصدقاء المقربين كانوا يصرون علي أن اطيل فيها، لأنهم يجدون متعة في قراءتها، فكانت تصل إلى حود “ورقة مزدوجة”، ثم بدات أضيف إليها بعض الملاحق عنوة مثل ورقة بيضاء اخرى كنت انزعها من دفاتر الدروس والملخصات، واحيانا اضيف إليها بعض الصور الملونة من مجلات فرنسية مختصة في الفن وكرة القدم، حتى بدأ موظف البريد ، وأنا ألصق التنبر، ينبهني إلى أن رسائلي قد لا تصل إلى المرسل إليهم، حتى وصلتني قصة”الغراب” للقاص المتميز السي أحمد بوزفور، فوجدت في هذه القصة ما لم اجده في غيرها، كنت أقراها وكانني كاتبها الحقيقي، لأنه في واقع الحال لم يكن يفصل بيني وبين بطلها وسارد احداثها إلا مرتفع صخري لا يتجاوز الالف متر واحداث أخر متشابهات، أحسست ساعتها ان القصة تحكي فعلا لا قولا عن شيء يشبهني ويشبه طفولتي وقريتي-أيلة- بمسالكها الجبلية:”الماعز، طريقة تهييء الشاي في”الغلاية”، بيت الضيوف الطيني، “كريش” الغابة، حنان الام والأب المقطر عسلا على طريقة البداة، الطريق الماطر إلى “المسيد”ثم إلى المدرسة بعد ذلك، واقنعت نفسي أخيرا انه يمكنني كتابة “قصث” اخرى مختلفة “قد” تشبه ما قرأت للعم احمد، من هنا بدات حكايتي مع” القصة”!.
ولأن الحكي هو الأصل، ستتوجه بوصلتي إلى القصة بدءا من منتصف الثمانينات، لم نكن نبالي بحجمها يومئذ، إن كانت طويلة و قصيرة او قصيرة جدا، فكنا نكتفي بالكتابة. وحدث ان كتبت مقالا  اجتماعيا في جريدة مغربية تحت عنوان مثير نال إعجاب الكثيرين، فنبهني احد الأساتذة في الجامعة إلى أن ما كتبته اقرب إلى الادب والقصة تحديدا منه إلى المقال، وعلي استغلال هذا الميول أدبيا أكثر .
الصدفة الثالية ستكون ثانية مع العم احمد بوزفور في إحدى المكتبات الشهيرة بمكناس، تلاقت عيني مع نفس القاص ومجموعته الأولى:” النظر في الوجه العزيز”، اقتنيتها بعشرة (10)دراهم من يناير عام 1984، قراتها بشغف وحب كبيرين، اختليت بها لساعة ونيف في أحدى المقاهي بعيدا عن ضوضاء الناس، ولم ارفع عيني عن صفحاتها إلا وقد أنتهيت من قراءتها.
أثارت فضولي اكبر للتعرف على هذا الجنس الأدبي الجديد في عالمي اسمه”القصة”، نحن الذين شبعنا من قراءة الشعر والرواية، وهي كلها لكتاب مشارقة، لو استثنينا روايات الأديب عبد الكريم غلاب وأشعار أخرى تقليدية في غياب إعلام أدبي، وارتأيت انه يمكنني خوض هذه التجربة، وراقني جدا ان أقرأ له فيها قصة:”الرجل الذي وجد البرتقالة” على الخصوص!.

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *