هل للعبقرية كيمياء؟ ماذا عن اللذة ؟

بيروت- تُردّد ألسُنٌ كثيرة أنّ بين «الجنون» والعبقرية شعرة. ولا تُقنع تلك العبارة كثراً ممن يسألون عن السبب في الخوف من العبقرية، كما يظهر في المعنى الذي تنطوي عليه تلك العبارة. لماذا العبقرية موضع شك؟ لماذا «الجنون» فيه جانب فاتن؟ هل المسألة أنّ العباقرة والفنانين والمبدعين هم أشخاص مختلفون إلى حدّ تلتبس عنده حدود التقويم والتصنيف؟

إذن، لنجرب شيئاً آخر. لنقل أن اللذة تربط بين العبقرية والجنون. لندقق القول: كيمياء اللذة تربط بين العبقرية ومرض الشيزوفرينيا Schizophrenia التي يسميها البعض (خطأً ووصمة مؤذية لمرضاها) جنوناً. وإذ اعتقد الشاعر الشهير ابن الرومي (لم ينج من الاتهام بصحة عقله) بأن للحظ كيمياء إن مسّ كلباً صار إنساناً، فلربما يرى بعض العلماء حاضراً أنّ للذة كيمياء إن مسّت الدماغ جعلته يتأرجح بين العبقرية والفُصام الشيزوفريني.

هل أصبح الأمر أكثر سهولة أم صار أشد تعقيداً؟ لنستمتع قليلاً. لنزد الأمر تعقيداً. لنقل أنّ من يعتقد بأنّ خيط اللذة يربط بين العبقرية في الفن والشيزوفرينيا، هم علماء من «مؤسسة كارولينسكا» السويدية، وهي التي تنهض في شأن أهم المظاهر المعاصرة للاحتفاء بالعبقرية: جائزة نوبل! هل يقصد المشرفون على «نوبل» القول أن اللذة هي الشعرة- الحدّ بين الإبداع والشيزوفرينيا؟ لنتذكر أنّ «مؤسسة كارولينسكا» تمنح جائزة نوبل للإبداع في الأدب، أحد أبرز أشكال الفن، ما يعني ان جائزتها السنيّة ربما تكرّم اللذة أو شيئاً من الفصام الشيزوفريني أيضاً!

أيّاً كان الأمر، يعتقد علماء «معهد كارولينسكا»، وفق تقرير نُشر في المكتبة الشبكيّة المعروفة «بلوس وان» Plos One، بأن مادة كيماوية في الدماغ اسمها «دوبامين» Dopamine، تصل إلى المستوى نفسه عند الفنانين المُبدعين والمُصابين بالفصام الشيزوفريني. والمعلوم أن مادة الدوبامين تُعرف باسم «هرمون اللذة» Pleasure Hormone، وترتبط بأنواع اللذة كافة، من الطعام الى الجنس.

وكذلك لاحظ هؤلاء العلماء أنّ القدرات الإبداعيّة ترتفع في العائلات التي يتضمن تاريخها أشخاصاً مصابين بأمراض نفسيّة قوية. وكذلك يرتبط الإبداع بارتفاع خطر الإصابة بأمراض فُصاميّة قويّة، كالشيزوفرينيا وهوس الاكتئات الدوري الثنائي القطبية Bipolar Manic Depressive Psychosis، الذي يترجح فيه مزاج المريض صعوداً وهبوطاً بين الاكتئاب القاسي والهوس المتفجّر ضحكاً ومرحاً وانطلاقاً!

في المقابل، شدّد البروفسور فريدريك أولين، الذي قاد فريق كارولينسكا في ذلك البحث، على أنّ العلماء لم يتوصلوا إلى معرفة الآلية التي يعمل فيها الدوبامين، كي يعطي ذلك الأثر المعقّد. وفي تأمّل لا يغيب عنه التعقيد، أشار البروفسور أولين إلى اعتقاده استناداً إلى البحث، بأنّ التفكير خارج الأطر العقلية المألوفة (كحال الإبداع والفصام) ربما يحتاج إلى عقل أقل تماسكاً من المألوف!
_________
*الحياة

شاهد أيضاً

“تفسير الأحلام” بداية التحليل النفسي عند فرويد للكشف عن الرغبات المكبوتة

(ثقافات) “تفسير الأحلام” بداية التحليل النفسي عند فرويد للكشف عن الرغبات المكبوتة  مدني قصري في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *