المجتمع العراقي وسؤال الثقافة؛ ثقافة واحدة أم عدة ثقافات؟(استقراء أولي)

خاص-ثقافات

*داود سلمان الشويلي

الثقافة في أبسط تعريف لها، هي: مجموعةٌ من العقائد والقيم والقواعد السياسية والاجتماعية والفكرية والمعرفية وغيرها التي يقبلها أفرادُ المجتمع في زمن ما.

من الأمور المهمة ونحن نتحدث عن الثقافة في المجتمع العراقي في الوقت الحاضر، أن نذكر أن الثقافة هذه بكل أوجهها لم تكن جديدة على المجتمع العراقي، بل هي من صلبه، رافقته وعاشت معه لفترة طويلة، إلا أنها لم تكن كما هي الآن، فمفرداتها في الانتشار والتوسع بعد عام 2003 تختلف فيما بينها،إنها حالة متغيرة، أي أنها حيوية لا تستقر على شيء، تنبذ غير ذي فائدة، وتبقي على الأفضل، إنها في هذا الجانب يمكن أن نسميها ثقافة دارونية .

صحيح أننا في هذه السطور نوزع أفراد المجتمع العراقي الواحد(مهما ضم من تنوعات عرقية أو دينية أو مذهبية، فهو مجتمع قديم وأصيل تمتد حضارته إلى السومريين) على ثقافات متعددة، إلا أننا لا ننكر تداخل هذه الثقافات، فراحت تؤثر إحداها في الأخرى، وتأخذ منها الكثير دون أن تطرف عين.

أن أنواع الثقافات هذه مؤثرة ومتأثرة فيما بينها في الوقت نفسه، إلا أن صورها المستقلة تبقى واضحة للعيان ومعروفة الحدود، على الرغم من أنها تبدو و كأنها تريد أن تلغي الكثير من الفوارق والتمايزات فيما بينها.

في العراق، تنتشر في أوساط مجتمعنا ثقافات عديدة لها أسسها وجذورها، ويستوي في ذلك المتعلم وغير المتعلم، وخريج الجامعة وخريج الدراسة الابتدائية، والكاتب (في أي مجال) وغير الكاتب، والمتخصص العلمي وغير المتخصص، وصاحب العمة والعقال وحاسر الرأس، ويمكن إجمال تلك الثقافات بما يلي :

– الثقافة الدينية.

– الثقافة الخرافية.

– الثقافة الأدبية .

– الثقافة العلمية.

الثقافة الدينية هي الثقافة المنتشرة بصورة واسعة وعريضة بين أوساط المجتمع العراقي لأسباب عديدة لا مجال لذكرها هنا، وهي على نوعين، ثقافة دينية أصيلة (اي دين،ابراهيمي اوغيره)، وتتسم بالعقلانية النسبية التي تؤمّن إيمانها، وهي ثقافة غير واسعة الانتشار في الوسط العام المتدين، أو ذوي التوجهات الدينية. وثقافة دينية مستحدثة، ليس بمعنى أنها جديدة في تاريخنا الممتد إلى 1400 سنة وأنما جديدة علينا بكل عنفوانها وامتدادها وتوسعها، وتتصف بالعنف والجمود والتطرف وهي عريضة الانتشار والتوسع.

والثقافة الخرافية هي ثقافة تضم بين طياتها المملوءة بالحكايات والأخبار التي لم ينزل بها من سلطان، أصحاب الثقافة الدينية بشقيها الأصيل والمستحدث، وتتصف بكل ما في الخرافة من أمور غير عقلانية، وغير علمية، لا تتفق مع العقلانية العلمية المبنية على البرهان والدليل العلمي.

أما النوع الثالث فهي الثقافة الأدبية، وكانت سابقا واسعة الانتشار والتمدد، حتى أنها كانت تنتشر أسرع من الثقافتين الدينية والخرافية. وكانت تتصف بعلو كعب الشعر فيها، إلا أنها أخذت في العشرين سنة الماضية تنحسر على الرغم من نهوض نوع أدبي، وهو الرواية على حساب الشعر، إلا أنه انتشار ليس واسعاً.

وآخر ثقافة هي الثقافة العلمية، والتي على الرغم من قلة انتشارها في أوساط المجتمع العراقي، إلا أنها كانت قبل عام 2003 أكثر انتشارا من الآن، رغم محدودية الانتشار، فقد انحسرت في الوقت الحاضر وتكاد أن تموت،على الرغم من أن بعض الامل ما زالت تحمله عند أصحابها القليلين جداً.

إذن نحن في العراق نعيش في  مجتمع متعدد الثقافات، وتطغى عليه ثقافة الخرافة، تلك الثقافة التي تضم إليها حتى أصحاب الثقافة الدينية، لهذا فهي المسيطرة والقائدة للمجتمع العراقي ولأسباب عديدة ربما أحدها الاحتلال الامريكي عام 2003 وما خلفه من عملية سياسية تقود البلاد،فأحرقت كل شيء.

***

السؤال الذي يجب أن يطرح هو: هل يمكن التخلص من بعض الثقافات، أو التقليل منها، ولا أقول اضمحلالها؟

لا يمكن ذلك في الزمن المنظور، لهذا نطالب أبناء المجتمع العراقي أن يغادروا بعض أوجه الثقافة الدينية، وخاصة من النوع المستحدث في المجتمع المتدين، والمتميز بالجمود والتعصب والعنف. وكذلك عليهم أن يغادروا الثقافة الخرافية التي لا تنسابهم في القرن الواحد والعشرين، بعد أن كانوا في القرن العشرين قد نسوا هذه الثقافة، وبهذا التوسع والانتشار.

أما الثقافتين الادبية والعلمية فهما ثقافتان مترادفتان،يكملان بعضهما البعض، اذ لا يمكن أن نلغي احداهما، لان الثقافة الادبية هي التي تمنحنا حب الجمال، وتمنح خيالنا قوة وقدرة على أن يكون اكثر خصبا مما هو عليه، لكي نتثقف بالثقافة العلمية المبنية على التجربة والدليل والبرهان العلمي، ولكي تنفتح في وجوهنا ابواب الابداع والابتكار والتقدم التقني والعلمي.

اننا مدعوون لامتلاك وتبني الثقافة العلمية وبجانبها الثقافة الادبية، دون أن ننسى الثقافة الدينية من النوع الاول لانها متأصلة في ضمير الانسان العراقي منذ القديم، و الدين((يزودك بالخيال، لكنه لا يجعل منه حقيقة على الاطلاق)) كما يقول د.ريتشارد دوكنز من كتاب (حوارات سدني – تر:قيس كاظم العجرش – سطور – ص122) والخيال الذي تضيفه هذه الثقافة، فضلا على الخيال الخصب الذي تأتي به الثقافة الادبية، يساعد على تبني الثقافة العلمية، والتقليل، في الوقت نفسه،من حضور النوع الثاني من الثقافة الدينية، وكذلك الثقافة الخرافية.

 

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *