استشراف سيبرنيطيقي للمقبل/الممكن

خاص- ثقافات

*الاخضر بلعيد

الاشكال العام:

                  ما ممكنات الفلسفي اليوم لحلحلة أزمات الواقع والمجتمع والمحيط؟؟ ما منهج الفلسفي ، به يقدر ان يناظر معضلات اليومي في وجوهه المختلفة الاقتصادي والمجتمعي والسياسي؟؟ بيان مستطاع الفلسفي في التحكم في الظواهر/ الموضوعات/ الاظهار؟؟

…. التمشيات:

** في مرحلة أولى عرض التصور الفلسفي الفعلي لمشكلات الواقع المعاصر:

** في مرحلة ثانية الانهمام المباشر بالعمل الفعلي للفلسفي السيرنيطيقي:

                    —   نفي التخصص من صميم الفعل في الواقع لمنع النواقص والاخلالات في التشخيص

                     – العمل التحليلي/التفكيكي/الفينومينولوجي/الرياضي/الفيزيائي…يستهدف نفس الظاهرة في تشكلها المختلف والمتعدد( المعيش او الفينومن هو تقبلنا للواقع او للظاهرة في تفكرنا او في وعينا..) ولذات المشكلات..

                  3 —     ترسم آليات الفلسفي في مفاعيله المباشرة في الواقع المعاصر..

المراجع:  

– دريدا، كتاب استراتيجية تفكيك  الميتافيزيقا، ترجمة عزالدين الخطابي، افريقيا الشرق،المغرب 2013.

 – دريدا، عن الحق في الفلسفة، ترجمة عزالدين الخطابي، المنظمة العربية للترجمة، بيروت 2010.

                                                     مدخل:..أشكلة الفلسفي...

‘‘ ان لحظة اتخاذ القرار، هي بمثابة جنون.’’ كيركيغارد

           ماالذي يمكننا ان ننتظره من هذا  الفلسفي – اليوم – حول  حدوث المقبل / le à venir/ وتوقّع الممكن      le possible  ؟ وما الذي يملكه  الفلسفيُّ ليقدِّمه الى ‘‘انسان’’ عصر المتعدّد وأثير الافتراضي ( الحائط الأزرق المتحرك…) ؟ وما هي ممكناته ، كحامل لفعاليّة التفكير التساؤلية، أمام سطوة واقع مركّب، معولم، بيني  المشارب وخلافيّ التوجّهات ؟؟

     تدفعنا هذه التساؤلات الى اقتناص أسلوب التشخيص والتحقيق، لبورة صورة واضحة حول وضعيّة الفلسفي، وخاصة ذاك التصوّر الذي يحمله الآخر ( الآخرون) ‘‘ غير الفلسفي’’ عنه. و نحتاج ،اجرائيا، الى انتهاج عمل تفكيكي يجلّي هذا التصور الملتبس ويعرّيه، ثم يكشف تهافته لاحقا. ثم نكون في مرحلة أخرى على أهبة الاستعداد لصياغة ممكنات الفلسفي كمنظومة استشرافيّة للمقبل وللممكن وذات بعد ‘‘سيبرنيطيقي’’ تحكمي، قادر على ملامسة علوم التحكم المعاصرة . وكذلك ان يكون مالكا القدرة  على مقارعة مطبّات وتعقيدات الواقع اليومي المعاصر بكل احراجاته….

ونحتاج هنا أن نلاحظ أننا نعتمد، في كل ذلك، على المرجعيّة الدريديّة حول الفلسفي والجامعة ، والفلسفي واليومي ومواقفه المخصوصة من تدريس الفلسفة وغيرها، حيث بدا دريدا  متمسّكا بأنّ الفلسفي يحمل في طيّاته كل الحلول لمشاكل العصر وأنّ الجامعة( وهي الحاضنة) لابد أن تكون دون شروط  sans condition . وقد سبق، ان بلور جاك دريدا هذا في أكثر من موضع، ولكننا نصرّ على محاضرة بعينها، كان قد ألقاها في جامعة ‘‘ستانفورد’’  Stan-ford  بكاليفورنيا  Californie، في شهر أبريل/نيسان 1998 تحت عنوان مطوّل صاغه كما يلي‘‘ مستقبل المهنة أو الجامعة دون شرط، مايمكن أن يحدث غدا بفضل الانسانيات’’[1].

فالمقاربة الدريديّة لم تكن يوما تخصصية أو ذات منحى انعزالي أو اقصائي ، اذ نجده يخلط الفلسفي بالادبي بالعلمي وباللّساني، فليس هناك فلسفي في برج عالي . بل يتعلّق الأمر رأسا بفعاليّة التفكّربما هي جوهر العنصر الفلسفي – الانساني برمّته . فالتفكيك الدريدي لم يكن عملا مبتكرا بقدر ما كان استراتبجبا جامعة لفعاليّة التفكير ككل، انه عملية استعادة للصيغة التساؤليّة للفكر. واذا كان العصر هو عصر التحولات كالعولمة وانتشار الفضاء الافتراضي واقتراب الانسان من الانسان وسرعة الاتصال والتواصل وازدهار الحائط الأزرق، فان مهمة الفلسفي والجامعة اصبحت أكثر عسرا…

واذ يتعلق حديثنا، في هذا المقام، بالتركيز على مهمة الفلسفي من حيث هي مهمة  عمليّة أصيلة، فان ذلك لا يجب أن ينسينا التواشج العميق بين المعارف والمناهج، درءً للتخصُّص والانعزاليّة…

  • التشخيص الفلسفي لمشكلات الواقع المعاصر:

** الفلسفي، صورة ملتبسة : 

     في مشهد عجيب يظهر الفيلسوف في عين مغايرة، هي صورة ‘‘ رجل يسير ناظرا الى أعلى، منشغلا بمراقبة النجوم والأفلاك دون أن يعير اهتماما الى الطريق التي يسلك، فيقع في الحفرمتأوِّها. مما يثير سخرية احدى الخادمات في طرسوس(مدينة يونانية) ..كيف له أن يبصر هناك في حين لا يرى ما هنا..’’ هل كان الشاعر اليوناني أريستوفانيس[2] على حق، حين ألبس الفلاسفة تلك الصورة الساخرة والبلهاء؟ أليس للفيلسوف اليوم ذات الايقونة ونفس الرمزية: الرجل الغريب الذي يأتي أفعالا غامضة ويقول قولا ملتبسا ويسلك أمورا غير معهودة…أليس هذا هو‘‘ التفلسف’’ في عصر النات والحائط ‘‘ الأزرق’’ المتحرك ؟

يبدو الأمر أسوأ بكثير عند فيلسوف التفكيك جاك دريدا، الذي يرى ان المتفلسف اليوم ، في مخمصة كبرى، حتّى أنّه لا يقدر أن يكِفّ عن نفسه أهوال المعيش اليومي، وهو تثقِل كاهله أثقال التقليد والعاميّة وأحمال الرداءة والاسفاف، و تحيطه الأحكام المسبقة والمغالطات من كل جانب. والأمر أدهى وأمرّ في ما يتعلّق بالمكرور والمعاود من برامج التدريس الى خطط الجامعة وصولا الى استراتيجيّات أكل عليه الدهر فبليت وانخرطت في قطيعة كبرى مع الواقع المعاصر[3]. فاذا تعلق الأمر بتقوُّل الواقع نجده يتصدى لانجازه ولكنّه يصطدم بعدم أهليّة يخلعها عليه  شرذمة العامّة قائلين‘‘ كيف للمجنون أن يتحدّث في شأن العامّة والمجتمع’’؟…

** تشخيص أزمة الفلسفي:

 تعود هذه الصورة المتأزِّمة الى جذور بعيدة، ربما أعتاد التشخيص التقليدي على تثبيتها عن قصد أو من دونه، وترتكز أساسا على ‘‘ الصورة النمطيّة’’ للمتفلسف، وتجد أصلها في البرامج الدراسية ، من حيث التقسيم التقليدي للمعارف الفلسفية الى:-فلسفة قديمة-فلسفة وسيطة-فلسفة حديثة ومعاصرة…الخ، أو من حيث ترتيب مجالاتها بحسب المجالات الكانطية المحنّطة: المجال المعرفي-المجال الاخلاقي-المجال المعياري- المجال الانتروبولوجي…الخ. والأزمة تتعمّق أكثر حين تبتعد الاهتمامات عن الواقع، اذ يجد طالب الفلسفة، مثلا، نفسه مغتربا عن واقعه وعن ذاته، فما يدرسه داخل المدرج هو في قطيعة تامة مع معيشه اليومي، ومنفصل تماما عن واقعه الفعلي..فما مردُّ هذا؟

يلاحظ دريدا في هذه المحاضرة أن غياب استراتيجيا استشرافيّة هو مكمن الدّاء، وذلك بسبب عجز الجامعة وهشاشة دفاعها أمام كل السّلطات المتحكِّمة فيها والمحاصرة لها والسّاعية الى امتلاكها [4].

وقد تمتد جذور الأزمة الى الفيلسوف نفسه ، حين يكون عاجزا حقًّا عن ادراك الوصل الاجباري بين الأفعال المعرفيّة والأفعال الانجازيّة، وما قد ينجرّ عنها لاحقا من انفصال بين خطابات معرفيّة وأخرى انجازيّة [5]. وهنا يكمن الاعضال التاريخي في الفصل بين النّظر والممارسة، وما يستتبع ذلك من ابتعاد عن الجانب الواقعي المعيش والرّاهن، والانخراط في طوباوية مقيتة. ممّا ولّد الازمة الحقيقية للفلسفي..

فما هي الحلول النظريّة الممكنة ؟؟

  • الفلسفي ومهمة استشراف المقبل:

          بقدر ما يصرّ كثيرون على استفحال الأزمة وتجذّرها تاريخيّا منذ انبثاق الميتافيزيقا، فان درّيدا لا يرى بدّا من استأصال أسباب راهنة وتعرية المسكوت عنه، كشفا لحقيقة الدّاء وطلبا لحلول فعليّة.  وبالعودة الى سؤال الجامعة، يلاحظ دريدا أن تجسيد الفلسفي الحقّ يقتضي لزاما، أن تكون ‘‘جامعة دون شرط’’      sans condition ‘‘( وهي لم توجد بعد)[6] ، بمعنى أنهايجب ان  تحوّل كل اقتدارات الفلسفي الى واقع مباشر ومجسد وفعلي، كما يظهر في النقاط الموالية:

أ** اعتبار مبدأ اللاشرطية أصيلا في الانسانيات وفي الفلسفي دون سواهما. فضاء النقاش والعرض التحليلي واعادة البلورة..[7]

ب** الاقرار بأن الصيغة التساؤليّة هي من صميم الفكر والتفكّر بدلالته الفلسفية ..

ج** الاقرار بحاجتنا الملحّة للفلسفي من حيث هو مالك لسلطة السؤال وممارسته لفعالية الشك والتحليل والنقد والتفكيك…

د**  قراءة الحدث أو ‘‘الما- يحدث’’ هو عمل مرتبط أساسا باعادة انتاج هذه الاحداث، وهو في ذات الوقت عمل فلسفي بامتياز بمعنى هو من صميم العمل الفلسفي. ولعل دريدا يرمي بذلك الى تحويل الفكر الى حدث..

ه** اعتبار الانساني الأفق المقبل لكل التقاطعات والاشتراك والتأليف بين المعارف والبحوث والاختصاصات، وهو ما يجعل الفلسفي اهتمام متأصّل بالانساني..

و** اعتبار الفلسفي هو المؤهّل لرسم الاستراتيجيات والسياسات القادرة على حلحلة مشكليات اليومي والمعيش المركّب والمعقّد. ولن يتسنّى ذلك لنا الاّ بالتركيز عل آليّات معيّنة مثل:

        —: آلية التشخيص الدقيق للاحراجات والمعضلات والتناقضات..

        —: آلية التحليل والتجزئة والتفكيك الصارم للعناصر ومحددات..

       —: آلية المقاومة والتحرر والتجاوز ورسم البدائل المناسبة والناجعة..

ز** اشتراط نموذج الانساني كمقياس للصلاحية وللفاعلية المنتظرة لكل البرامج والمهام المرجوّة في اطار مجاوزة المعضلات مثل العمل، الدراسة، السياسة الاجتماعية، الاداريات، الاقتصاد…الخ.

   وفي كل ذلك لابد أن يلتحف الفلسفي بجبّة علوم التحكم المعاصرة باعتباره علما انسانيا صريحا، وهو ما يجعله سيبرنيطيقا حقيقية للحدث كما يحدث، ولو حدث بطريقة مغايرة هل كان فعلا سيحدث كذلك ؟

 ومساءلة وجوه الحدث المقبل والاستعداد لكل امكانات حدوثه في تنبّئيّة دقيقة، بعيدا عن التخمين والافتراض النسبي..

 

 

الخاتمة:

في خاتمة هذه المحاورة المتواضعة مع فيلسوف التفكيك الحقيقي، نكاد نتبيّن حقّا ذاك الخيط الهادي الرّابط بين الفكر كفعاليّة تساؤليّة من ناحية أولى، والمعيش اليومي كفضاء متحيّن وفعلي، من ناحية ثانية. ولعلّ أهمّ ما نتوصّل اليه هو: أنّ المطلوب الآن هو الفهم الملحّ للمعيش اليومي المعاصر فهمًا فينومينولوجيًّا- لا كما يظهر- بل كما يدركه وعينا، والحدث كما يحدث – ولو حدث بطرق أخرى – فعلينا أن نتجشّم عناء توقّع فهم مقصده والدلالات التي يحيل اليها، ثم الاستعداد له. وفي كل ذلك على الفلسفي ، ان كان يروم التميّز، ان يرسم ملامح استراتيجيا البدائل، ليكون بحق استشراف سيبرنيطيقي يضاهي علوم التحكم المعاصرة نجاعة واقتدارا…

  صفاقس: جويلية 2017.

1) ورد هذا النص مع مجموعة نصوص أخرى لجاك دريدا في كتاب ‘‘ إستراتيجية تفكيك الميتافيزيقا’’ على امتداد الصفحات 103/150، ترجمه وقدّم له د.عزا لدين الخطابي طبع إفريقيا الشرق، المغرب،2013….حيث وضّح الكاتب أن المطلوب أن توجد جامعة دون شروط مسبقة دون تقييد دون حدود مسبقة تمنع الحرية….وفي ما يخص الشاهد هنا فهو من الصفحة 103

) [2]

3) يشير دريدا إلى دور انغلاق الجامعة وخضوعها التام للأطر الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وكذلك  منع حرية التعبير والنشر ، في تشكل أزمة الفلسفة. ج د ش،  ص 106

) يشير دريدا أن الجامعة هي فعليا دون سلطة تماما. ج د ش، ص109.[4]

) إشارة هنا إلى أعمال أوستين في التفريق بين أفعال الكلام الانجازية وأفعال الكلام التقريرية، ص 113.[5]

6) يميز دريدا في نصه هذا بين صيغتين: الاولى‘‘ دون شرط’’ والثانية ‘‘لامشروط’’، ويرمي بذلك الى اثبات أن الجامعة حين تكون مستقلة فهي بذلك تكون مفتوحة للجميع ومعرّضة للهجوم من قبل السلطة السياسية او الشركات الكبرى او المؤسسات الدولية..ص109.

) ج د ش، ص111.[7]

شاهد أيضاً

طه درويش: أَتكونُ الكِتابَة فِردَوْسَاً مِنَ الأَوْهامْ؟!

(ثقافات) طه درويش: أَتكونُ الكِتابَة فِردَوْسَاً مِنَ الأَوْهامْ؟! إلى يحيى القيسي لَمْ نَلْتَقِ في “لندن”.. …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *