قصتان قصيرتان جدا

خاص-ثقافات

* دانكان وايت /ترجمة : د.محمد عبدالحليم غنيم

 (1)

النار أيضا حارة

      كنت أرقد بجوار آن ، بينما كانت هى تغط فى النوم العميق ، لم أستطع النوم ، نظرت إلى  الساعة ، كان الوقت يشير إلى الرابعة صباحا .

     أغلقت عيني .

     حاولت أن أتخيل نهرا ، نهر نظيف بأسماك فضية تقفز من الماء .

     ولكن ما أن وجدت النهر اللطيف وخيوط الصيد البيضاء الهشة تتدافع حتى شممت رائحة ما . رائحة حريق .

     فتحت عيني

    كنت قد رقدت لبضعة ثوانٍ ، شممت ، أستطيع أن أشم ، ثمة رائحة حريق

    قلت :

  • آن

    وخزتها

  • اصحى .. اصحى .

    قالت :

  •  ماذا ؟

    قلت :

   – حريق .

    –  ماذا ؟

     قلت :

  • هناك حريق .. ينبغي أن نخرج .

    نهضت ، ارتديت ملابسى ، وأخرجت آن من السرير ، ألقيت عليها بالروب ، فلبسته وخرجنا من هنا .

     خرجنا من الشقة ونزلنا على قلبتين كاملتين من السلم إلى الشارع ، كان السلم مضاء طوال الليل بمصابيح بيضاء صارت الآن صفراء ، وقفنا فى العراء ونحن ننظر إلى المبنى .

     كان البرد شديدا ، وكنا نرتجف .

    قالت آن :

  • لم أر حريقا .

    قلت :

  • أبدا لن تريها .

   –  لم أر دخانا

    لم يكن أحد غيرنا فى الشارع ، لم يحضر كذلك غيرنا ، قالت :

  • أين عربة المطافئ ؟

  • قادمة .

  –  أيوجد أحد غيرنا هنا ؟

   انتظرنا . صوبت آن نظرها نحو الشارع ، ما زال لا يوجد أحد ، هزت آن رأسها :

  • لا يوجد حريق .

    قالت ذلك وهي تنظر إلى المبنى ، فقلت :

  • فقط انتظري .

    هزت رأسها وسارت عائدة نحو الباب ، فتحته ودخلت .

     وقفت فى مكاني استطعت أن أراها عبر الزجاج وهي تصعد السلم خلال الضوء الأصفر .

     كان الجو ما زال شديد البرودة ، راقبتها وهي تذهب عبر باب الحريق خارج بسطة السلم .

      لم أتحرك من مكاني ، أستطيع أن أرى الضوء فى السماء خلف المبنى ولكن بدون دخان .

       في نافذة الطابق الثالث كان الضوء مشتعلا وثمة رجل يقف ممسكا بالستارة إلى الخلف ، راقبته كان عاريا ، وكان يصوب النظر إلى الشارع ، ثم نظر إلىً ، نظرت إليه ، هز رأسه ، ثم تراجع إلى الخلف وأسدل الستارة ، لكن بقي الضوء مشتعلا خلفها ، بينما كانت كل نوافذ المبنى مظلمة ، عند ذلك برزت آن من نافذتها عبر الضوء الضعيف ، بيد أنها لم تكن تنظر نحوي ، ألقت آن من النافذة بنطلوني التحتاني وقميصي وكتبي ، ثم أغلقت النافذة وأطفأت النور .

      طارت أشيائي عبر طابقين فى الهواء ثم استقرت أخيرا فى الشارع ، شرعت فى التقاطها ثم وضعتها تحت إبطي ، وقفت معتدلا وأنا أحدق فى المبنى ، كان الضوء ورائي ، لقد سطعت الدنيا بالضوء ، لم يأت  أحد بعد ، ولم تأت سيارة الحريق . خبطت رأسي .

       فتح الباب وخرج الرجل الذي كنت قد رأيته عاريا فى النافذة إنه يرتدى ملابسه الآن كاملة ، مر بي دون أن ينظر نحوي ، إنه فى طريقه إلى العمل .. هززت كتفي ، خلف المبنى كانت الشمس قد بزغت ، استدرت وسرت بعيدا فى ضوء النهار ، ربما كان من السهل أن يٌطفأ الحريق ، لقد تركتهم يفعلون ذلك .

(2)

لا يرى


     عادت آن  من العمل . وضعت حقيبتها . اتجهت مباشرة إلى الثلاجة ، أخرجت النبيذ و أخذت كوباً . نظرت إليها . هزت رأسها وقالت :
– لقد كان يوماً صعباً .

     أومأت برأسى موافقاً . أخذت مشروبها و جلست فى مقابلتى وراء منضدة المطبخ . شربت قليلاً . ثم نظرت إلى الجدران . ظلت تنظر إليها لوقت طويل . نظرت أنا إلى الجدران لأرى ماذا يكون هذا . ليس هناك من جديد فى الجدران .

     قالت :
– يجب أن تكون حريصاً .

    رفعت كأسها ، ثم وضعته ثانياً . أضافت :
– عليك أن تحترس . من الممكن أن تتوقف عن رؤية الأشياء .

    قلت :
– تتوقف عن رؤية الأشياء ؟

     أومأت برأسها و شربت من نبيذها . ثم نظرت إلى نفسها ، كانت ما تزال ترتدى معطفها  وقفت ، خلعته ، ثم علقته على الشماعة . جلست مرة أخرى . قالت :
– سرت طوال اليوم دون أن أرى أى شىء .

      قلت :
– كيف عرفت ؟

    نظرت إلى :
– لا أعرف . لكن الليلة لم أستطع تذكر موعد تغيير القطارات .

    هززت كتفى ، قلت :
– يحدث ذلك طوال الوقت .
– ربما .

     عادت إلى النظر إلى الجدران من جديد ، فقلت :
– إلام تنظرين ؟
– لا شىء .

      راقبتها و هى تقف ، ثم  وهى تسير نحو الباب ، بجوار الباب ثمة نبات أخضر على رف . وقفت بجوار النبات ، أمسكت بورقة و تطلعت إليها . خرجب من الغرفة .

     جلست أنا هناك . عندئذ رن جرس التليفون . رن الجرس ثلاث مرات . لم أتحرك . رفعت آن السماعة و قالت :
– مرحباً
–  ….
– من ؟
– أأنت متأكد ؟ ما هو الرقم الذى تريده ؟
– آن من ؟
– الرقم خطأ .
وضعت السماعة .

        قالت :
– رقم خطأ .

        لم أستطع أن أراها ، كانت فى الغرفة الأخرى . لذلك نهضت .  . كانت فى الحمام . لم يكن الباب مغلقاً ، تمشيت وقلت :
– هل الرقم خطأ ؟

        قالت :
– لقد رأيت حادثاً اليوم .

        كانت تجلس فوق التواليت ، كانت تنورتها ملتفة حول ركبتيها ، انحنيت عند مدخل الباب . قلت :
– ماذا ؟

        أومأت برأسها .
– رجل عجوز صدمته سيارة .

       قلت :
–  خراء .
– لابد أنه كان فى عمر الثمانين

       هززت رأسى وقلت :
– عليك أن تصل إلى سن الثمانين حتى تصدم بسيارة .

      نظرت آن  نحوى فقلت :
– هل كان بخير ؟
– لا أعتقد ذلك . كانت السيارة تسير بسرعة شديدة .
– أوه !

        بحثت عن الورق ، نشفت ، ثم قفت و شدت السيفون . راقبتها و هى تشد التنورة و تعيدها إلى مكانها . قالت :
– لم يكن منظره على ما يرام .

     نظرت نحوى
– لم يرى هذا .

     خرجت آن و عادت لتجلس إلى منضدة المطبخ .

      فكرت فى طبخ بعض الطعام و أعطيت اهتماماً أكثر بالتفاصيل . تخيلت الرجل العجوز ، راهنت أنه يعرف شيئاً أو اثنين . أن تصل إلى سن الثمانين دون أن تهتم كثيراً .

     نظرت نحو آن  . لم تكن لتفهم ذلك  .
البعض منا يسبر أكثر من الآخرين دون أن يرى الكثير على الاطلاق.

—————

دانكان وايت/ Duncan white

يعيش دانكان وايت ويعمل في لندن حيث لا شيء سهل. يكتب القصص القصيرة جدا.  يعمل حاليا على الانترنت في موقع  Thundersandwich.com. ويعتقد أن الكتابة شيء “صعب / غير ملزم / وضرورية”.

شاهد أيضاً

يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت

(ثقافات) يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت حسن حصاري منْ يمُدُّ لي صوْتا غيرَ صوْتي الغائِب؟ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *