في الأمازيغية والعربية والأصول

خاص- ثقافات

*كفاح جرار

وعي ماسينيسا السابق لأبناء قومه

((هل أجمل من كوننا أمازيغ بثوب عربي وعربا بثوب أمازيغي؟.

أماخير نلا ذمازيغن سلبسا نوعرابن نغ ذعرابن سلبسا نمازيغن؟ أسا واكثر نوسان اعدان أشحال مناغ إلوكان نلا إركلي ذمازيغن سلقدر تاعرابثناغ، أوذعرابن سلقذر لعشقناغ إفرنسا إغلان أومازالت ثستعمراناغ.

اليوم وأكثر من أي وقت مضى كم تمنيت لو كنا جميعا أمازيغ بقدر عروبتنا، وعربا بقدر عشق معظمنا لفرنسا التي كانت وما زالت وستظل استعمارية)).

أقول ذلك بغض النظر عن “عظم النظام” الذي يلقيه للعوام لكي يتلهون ببعضهم، ويعطونه فرصة الاستفراد فيهم، لتكريس قضائيته وأبويته، لقد أحضروا العربة والسياس، ثم ذهبوا يبحثون عن الحصان أو الثور الذي يجر عربتهم، وهذا بالضبط الذي كان بخصوص الأمازيغية، فالبداية تكون بتحضير القاعدة المادية والمعنوية والأدبية والبيداغوجية، ثم تصدر القرارات والمراسيم لشرعنة العمل، لكنه العبث بالعظام.

بعيدا عن الرسمنة والدسترة والكلام الساذج المبسط والمقعر عن الهويات والوطنيات والإثنيات، فتلك قضايا لم يعرفها من سبقنا، وقد يكون “العصملي” بحق أكثر وعيا وإنسانية وتفهما وتحضرا من أبناء العصر، بخصوص هذه القضية اللغوية تحديدا، وهو بمنطق المختلفين المتخالفين المتحذلقين غريب اليد واللسان، جاء بتركيته فاستوعب الجميع الذين يتساءلون اليوم ببله عن حقيقة هويتهم؟ بل لم تكن عند المتقدمين والمتأخرين بمثابة مشكلة تستحق الطرح، فقد برأ منها السابقون الأولون، رغم الخلافات الحادة التي كانت قائمة مثلا بين دولة المماليك ودولة الزيانيين، ودولة المرينيين والحفصيين مع الزيانيين والهلاليين، لدرجة أن قضت دولة بني مرين على دولة تلمسان الزيانية، ولم يخبرنا التاريخ أن أحدا من هؤلاء احتج على ابن خلدون لأنه كتب أخبار العرب والعجم والبربر بلغة العرب.

وإذن هي مشكلة وإشكالية (نحن) من اخترعها أو وقع فيها، أو شجعها ونماها وعززها، وما زال فينا من يغذيها ويرعاها، لأن فيها حياته وسر بقاءه، فهل أكثر من الأمازيغ بعد الصحراء من قاوم ودافع عن العربية، ولا أقول الإسلام، فتلك مسألة أخرى، تعم ولا تخص، يوم كانت الأمة تحت محك سيف الفرنسة وخنجرها.

الخديعة الرومانية

المتناطحون على أولوية اللسان يتجاهلون أو لا يعرفون، أن عدة أباطرة عربا حكموا روما، كان منهم ماكرينوس الذي لم يعمر طويلا في الحكم، وإنما تكمن أهميته لأنه كان من أصول عربية بربرية، فقد ولد في شرشال المورية القيصرية، كما حكمها أيضا فيليب العربي الذي مهد بتسامحه الديني لاعتناق روما الديانة المسيحية.

فهل وجد الرومان مع شدتهم وغلظتهم ودمويتهم، غضاضة في أولئك الرجال الغرباء الذين ساسوها، كما نجد نحن اليوم، وخاصة من ذوي القلوب المشبوهة المريضة الذين يغازلون مجموعة بربرية بعينها، ليس حبا بهم ولا دفاعا عما يسمى قضيتهم وانما لدق إسفين أعمق وأشرس فكن قبائليا/ شاويا/ مزابيا وليس إباضيا/ صنهاجيا/ ترقيا/ شلحيا وضع ما شئت من توصيفات قبلية، فجميع هؤلاء ينتمون إلى العرق الأمازيغي الفينيقي، كما انتمى العرب قبلا إلى يمن وشام وعراق وحجاز، وجميعهم من الكنعانيين وما انبثق عنهم، وذلك هو التاريخ الذي يستحق أن يتمثل ويقتدى به ويكون.

العلاقة الرومانية مع العرب قديمة جدا، وتميزت بالحروب والعداء، سواء في عهد روما الوثنية أو المسيحية، وفي عهدها الجمهوري كما الامبراطوري، كما تميزت علاقة الرومان بالنوميديين القدامى بالشك وعدم الثقة، وكانت قمة الظلم أن يساق الثوار من ملوك نوميديا إلى روما لإعدامهم والتنكيل بسيرتهم، وقد كان بإمكان الرومان قتلهم في بلادهم، ولكنهم أبوا إلا أن يسوقوهم كالثيران الكسيرة إلى جمهور روما الثمل بنشوة النصر المزيف، ليتملى ويتشفى بالسباع النوميدية الأسيرة التي فكرت أن تقول لروما: لا، ثم “دارت الأيام ما بين بعاد وخصام” كما غنت كوكب الشرق، أو تقعرت الأحداث، وما أشد التقعر الذي تردت فيه الأمة، فجاء الأحفاد ليرفعوا الروماني مجددا على أبناء جلدتهم، وعلى شريكهم في الثقافة والتاريخ، والروماني للتذكير هو أول من يعلم أن ثوار نوميديا ما كانوا ليهزموا لولا غدر بعض الأهل بهم، فهي الخيانة إذن، (صيفاقس يوغرطة على سبيل المثال) ومن مظالم التاريخ المستمرة المصطلح الذي أطلقه الرومان والإغريق على النوميديين، بغير المتحضرين وغير المتمدينين، فهلا خيبنا ظنهم بنا؟.

رحمة تاريخية

متى سنكف عن رجم تاريخنا المشترك بحجارة الجهل والإلغاء، وإلا بم ستجيبون زعيما مثل القذافي ساعة وقف سائلا شباب ليبيا الثائرين: من أنتم؟.

من أنتم يا جهال العصر؟. ترجمون أنفسكم بما عجزت فرنسا الاستعمارية عن تكريسه طيلة سنوات عظيمة من القهر، ثم جاء من يستقوي بالعدو على الصديق، فقط من باب النكاية والحقد.

من حق الملك صيفاقس أن نترحم عليه، وهو الذي أجاد نسج تحالفاته رغم هزيمته، أو نترحم على الملك ماسينيسا الذي غلبت عاطفته مفاتيح عقله، فبنى تحالفات كان هو أكثر من يكرهها ولم يقتنع بها، فالرجل الذي وضع النظام القانوني للغة الأمازيغية، اختار الحرف القرطاجني لكتابة لغته، ولم يختر الحرف اليوناني وهو الذي كان مفتونا ببذخ الإغريق وترفهم، كما تجاهل الحرف الروماني، الذي كان من باب أولى أن يلجأ إليه، لكنه شعر بغربة وبرودة إزاء هذه اللغة، فلم يخترها لبني قومه، وإنما هو حرف قلبه الذي طعنه، وحليفه الذي غدر به، أي هانيبعل القرطاجي، الحليف المحترم المنتحر؟.

وإذن.. “التيفناغ” هي حروف قرطاجنة وأبجديتها، ومن يزعم غير ذلك فهو يهرف ويفتري، وقد غلب ماسينيسا لهجته على بقية اللهجات النوميدية وكتبها بحرف الفينيق الكنعاني، لأنه ببساطة وجد نفسه فيها، وهي مسألة انتماء بالأساس، كما غلب القرآن الكريم لهجة قريش على بقية لهجات العرب، فرفعها رفعة للسان قريش الذي تناسب في البدايات مع عالمية الدين، وقد كانت بكة البيت الحرام هي محج جميع الناس، وهؤلاء “الجميع” يعرفون لسان سدنة البيت وخدامه وسقاة أهله.

تخاريف

تلك هي هرطقات العقل وتخاريفه، وكل العجب من الذين يقدسون العقل ويرفعونه فوق كل قيمة ومثال وكينونة، إنهم يجهلون أن الأسطورة ما هي إلا نتاج العقل، وكما يقال في كل أسطورة، بعضا من الحقيقة، ولم يعبد الإنسان الوثن الحجري إلا بعقله، بل قد شحذ عقله لتبرير تلك العبادة والشرعنة لها، ما يعني أن العقل مثل صاحبته النفس قد يهوي ويشتهي وينكسر، والسؤال التاريخاني هنا، هب لو أن الجزائر مثلا لم تعرف وجود العنصر العربي، وظلت بربرية أمازيغية بل و”تامزغا” كما يحلو للمؤدلجين الوصف، هل كانت فرنسا ستستعمرها؟.

بالتأكيد سوف يكون ذلك، ولن تتحرر إلا بثورة شرسة مثل نوفمبر، وإن حدث كل ذلك، هل كانت فرنسا ستخلق في الجزائر البربرية مشكلة ثقافية وإثنية وتاريخية، مؤكد كانت ستفعل، فمن برأيكم سيكون وقود تلك المشكلة الاستعمارية؟.

من جهة ثانية، تشكلت جميع الدول الجهوية التي قامت في بلاد المغرب العربي من العنصر البربري، بدءا بالدولة الإدريسية الشيعية في المغرب الأقصى، وجارتها الدولة الرستمية الإباضية، ودولة الأغالبة أيضا، وما تلا وتتابع من دويلات كالعبيديين، المرابطين، الموحدين، والحفصيين والمرينيين والزيانيين لاحقا.

مع هذه الدول، يضحي طرفة ومن باب المزاح الوصف المتداول للمنطقة بـ “المغرب العربي” فلم يكن فيها من العروبة غير دينها ولغتها أليس ذلك مدهشا؟.

والحق يقال، ألم تعرف لغات الناس جميعا باسم الشعوب والدول، فقد أعطت اللغة/ اللسان للأقوام ثقافة وجنسية، فنقول الأمة الألمانية من اللسان الألماني، والأمة الروسية من اللغة الروسية، والأمة الفارسية من اللغة الفارسية، فهل نستكثر على العربية هذه الميزة الطبيعية؟.

ثم كيف نفهم تبني تلك الأقوام اللسان العربي والدين الإسلامي، ولم يكونوا مكرهين على ذلك، كما يزعم بعضهم كذبا وزورا، بل صنعوا ذلك عن طواعية وقناعة، ولو وجدوا ثقافة ودينا أفضل مما جاءهم مع الفرسان الفاتحين، لما توانوا لحظة عن تبنيهما، لقد وجدوا في الدين الثقافي والثقافة الدينة الوافدة أنفسهم، وعندما تجد نفسك في ثقافة فذلك يعني أنك وجدت هويتك وحددت انتماءك، ولعل في إمامة عبد الرحمن بن رستم خير مثال على ذلك، حيث اختاره أعيان البربر من لواتة ورجالة ونفزاوة مع نفوسة ولماية ونصبوه حاكما عليهم، وهو الفارسي الغريب، لقد جمعهم الإسلام ووحدتهم العربية، بإرادتهم الحرة، ثم يأتي من جهلة الحاضر من يتشدق قائلا: إن دين العرب ولغتهم فرض بالقوة، فإن صحت وصدقت مزاعمك فاطلب من أمك وأبيك وجدتك أن يتخلوا عن دينهم وانتمائهم، من يحمل اسما عربيا عليه أن يخجل من اسمه فقط؟.

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *