حرائق ايروس.. رواية حامد البغدادي

* احمد العتبي

“هذه مقالة قد يجدها البعض صادمة جريئة، ولكنها إن وجدتموها كذلك فهي قد جاءت لتحلل رواية إتصفت بالثورة على الزيف والخداع والغش، والجرأة في عرض كل ذلك، الى حد القسوة على بعض القراء الذين ينتظرون رواية رومانسية فيها قصة حب عظيمة، لن تجدوا تلك القصص في حرائق ايروس ابدا، ومحتوى هذه المقالة سيناسب محتوى الرواية التي تحلل منها بعض مبناها ومعناها فإن شئتم اكملوا وإن اتصفتم بقلوب ضعيفة وصفات رومانسية حالمة، فاتركوها وشأنها”

لاينفك استاذنا حميد المختار يتحفنا بالمزيد من النتاجات التي تُحدث في الغالب ضجة لاتُحدثها مثيلاتها من المصنفات الروائية المكونة من مباني تمثل خروجا عن كثير من المسكوت عنه في أفعالنا السرية التي نخجل من إعلان فعلها، ولكننا نبوح بها إلى صديق أو قريب أو ربما حبيب، وبين صفحات الكتب، وخبايا العقول من الرؤى والأفكار ..

وعلى أنَّ من يقرأ لحميد المختار يلاحظ بشكل واضح لايقبل الشك صياغاته الأسلوبية متمثلة بوسائله للتعبير عن فكره بواسطة المبنى التركيبي والكلامي، وهي تتجه إلى كونها مكملة لبعضها البعض في صنع عوالمه الروائية التي أظن أنها لاتستقطب العوام وبسطاء القراء بشكل عام، بداية بما قرأته له من صحراء نيسابور فالمسالك والمهالك مرورا بمأوى الثعبان وحتى أعوام الذئب..

ولكنه هذه المرة فاجأنا كبركان غاضب ثار قاذفا حممه في كل حدب وصوب حتى لتثور ثائرة الناس ضده في سيل عارم من تقاذف الفعل ورده.

يطلب حميد المختار من قراءه إنصافه وعدم اعتبار ما ورد في اعترافات البطل خارجا عن نطاق العقلنة أو الأخلاق، ويصف فعله الكتابي ذلك بأنه: (محاولة لإنقاذ البشرية من الهلاك) ص87.

الفضاء الروائي:

تقع احداث رواية (حرائق ايروس) مؤطرة ضمن الإطار الجغرافي للعراق على أيام النظام السابق، حيث السجون عامرة بالمساجين بحق وبدون وجه حق، وحيث حزب البعث وفلسفته واهدافه الاستراتيجية ومأثورات قائده المؤسس. ونجد النص التالي يمثل تلك الحقبة (وفق وجهة نظر الرواية) خير تمثيل:
(عرضوا لنا أفلاما غاية في السادية تظهر علماء من ألمانيا متخصصين في التعذيب الجسدي يعلمون رجال الامن كيفية نزع الاعترافات من المعتقلين عن طريق قلع الأظافر أو حرق الأجساد أو الإخصاء عن طريق الكهرباء التي تثبت اسلاكها على الاعضاء التناسلية للرجل ….. تغتصب زوجة المعتقل امامه أو يلاط بأحد اطفاله او يلاط به امام زوجته واطفاله) ص193.

مبنى الرواية:

يمكننا تقسيم رواية حرائق ايروس الى قسمين:

اولهما: المقدمة الصادمة بصوت الراوي العليم تارة، وبصوت عبود أو حامد تارة أخرى..
( – هل قرأت في التاريخ عن الحاكم بأمر الله؟
– نعم سيدي.
– وهل عرفت انه حينما يخرج لمراقبة البيع والشراء في ايام الازمات كان يأخذ معه عبدا غليظا …. وكان اذا اكتشف مخالفة عند احدهم، فإن العقاب يتم فورا بأن يجعل عبده الغليظ يضاجع المتسبب في أذية الناس، هل سمعت بذلك؟
– لا سيدي لم اسمع!
– اذا سيكون دورك هكذا) ص36.

ومن ذلك الحوار نستطيع أخذ فكرة عن محتوى القسم الأول الذي هو تمهيد لكا سيليه من مضمون هو أعمق وأشد وقعا ووطأة على القارئ وعلى البطل ذاته.

وثانيهما: جزء الرواية الأهم (مرايا الاجساد الشبقة) أو رواية حامد البغدادي، وهي تمثل ثلثي الرواية.. ويفتتحها باقتباسين أحدهما من كتابات (فرويد) ويصف فيه الإيروس بأنه تصاعد نرجسية اللبيدو الى مبدا اللذة، وانه طاقة تقود بالفعل الى ذروة الحياة الروحية ص87. وكل الافتباسات التي سترد في هذا المقال المقتضب ستكون من ذلك الجزء..

ويستطيع من يحلل المبنى السردي للرواية جعلها تندرج ضمن المظلة الاجتماعية الفرنسية بشفراتها وأعرافها كما نادى بها (رولان بارت)، وبعضٌ ممن طوروا مفاهيم أجناس الأدب للمؤسة الاجتماعية الفرنسية تلك. وهي التي تضئ فيها الكتابة Ecriture معالجاتِ عدة أمور، ومنها قضية المؤلف وتأويلها النقدي وفاعلية القراءة Lecture وعلاقة النص بالعالم حوله وعملية تطبيعه وإضفاء صبغة الواقعية عليه. ويرد ضمن النص الروائي تطبيقات كثيرة لذلك منها تصريح البطل:
(بعد المخاضات العسيرة والطويلة تلك التي قضاها صاحبي متسلقا حبائل الحزب السرية، وحين علم المسؤولون هناك بحقيقة طولي ومميزاتي الفريدة رحبوا بصاحبي وأفسحوا له الاماكن الواسعة بينهم خصوصا عند عوائلهم) ص101.

ومنها قوله يصف صراعات الحياة وتقلباتها في تلك الرواية والعوالم السفلية للبشر فيها: (ان الاخلاق ذاتها في عرفنا فقدت اخلاقها، وبات دستورنا من صنع ايدينا نحن، نضع فيه ماتشتهي الانفس، لا ماتشتهي العقول، فالعقول في افول) ص77-78

يتسم أسلوب النص ولغته بخصوصية حميد المختار ذاته في صنع عوالمه الاجتماعية-الانسانية: (لم أكن أتحدث كثيراً ولا أحب الكلام، وهو ليس من واجبي، أنا أعمل بصمت تام، ربما أثير أصوات النساء اثناء اللقاءات الحميمة، حين ذاك تكون اللغات منطفئة غائبة، ثمة لغة الهمس واللمس والتداخل، إنها بالتالي لغة الجسد الذي لايحب الكلام على الإطلاق) ص119.

كسر الحواجز:

وعلى أننا لانستطيع الجزم بصحة حرائق ايروس وتميزها بالجودة والابتكار بشكل مثالي إلا أنه لا يمكننا في الوقت ذاته إغفال أثرها وتأثيرها الفني.
وان شئنا الحديث عن التابوهات التي قدمها لنا المختار فيها نقول انها تابوهات ايروتيكية، بكل ما للايروتيك من معنى:
(كنت أصاب بنوع من السعار المبكر الذي يجتاحني حالما ألمس ظلالها المتطاولة وهي تمرق من امام البيت بينما كنت اقتعد زاوية مظلمة لا يراني فيها أحد، كنت كصاحبي تماما ولذا فأنا أتحدث بلسانه العاجز عن القول ، صرت أتطاول حين اسمع صاحبي يلهج باسمها ويحاول استحضاري كي افيق من غيبوبتي الطفولية) ص133-134 .

هو يستحضر مشاهد كثيرة لم يجرؤ أي كاتب على الكتابة عنها قبله، ضمن ما قرأت، كمشاهد وصف الأعضاء والأثداء والأرحام والمشيمة والشبق والشذوذ منذ الطفولة والمراهقة وحتى الكبر، بكل المسميات وكل الأسماء وكل الصور اللغوية والوصفية منذ بداية الرواية وحتى نهايتها.

ختام وعِظة:

يستحضر الروائي حوارا إنسانيا عظيما تتجسد فيه فلسفته وفلسفة الرواية ورسالتها بين السيدة الفاسدة والبطل جاء في بعضه:
( – انت ايضا، من تكون حتى تقارن نفسك بالبشر انت جثة متفسخة.
– ولماذا تجلسين معي، لكاذا تمنحيني جسدك واسرارك القذرة؟
– انا اخذ الذي يعجبني ويشبع رغبتي سواء هنا او في مكان اخر، وانت لاتملك ان ترفض.
– لا بل استطيع الرفض
– انت لاتستطيع ان تفعل شيئا ايها الحيوان.
– لا، انت لا تعرفيني اذا، انا قادر على فعل اي شئ هنا او في اي مكان آخر…) ص251.

شاهد أيضاً

العتبات والفكر الهندسي في رواية “المهندس” للأردني سامر المجالي

(ثقافات) العتبات والفكر الهندسي في رواية «المهندس» للأردني سامر المجالي موسى أبو رياش   المتعة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *