الوظيفة للكاتب من أجل لقمة العيش خيار مر

*حازم خالد وأحمد رجب

القاهرة – ما تزال مهنة الكتابة والإبداع في العالم العربي عملا إضافيا لا يسمن ولا يغني من جوع، فكل المبدعين العرب حتى المشاهير منهم، لهم وظائف أخرى يعيشون من دخلها، بالرغم من أن مهنة الكتابة في الغرب مهنة مربحة ويعيش من دخلها حتى متوسطي الموهبة.

وهو ما اتفق معه الروائي صنع الله إبراهيم، الذي علّق على هذا الموضوع قائلا “أغلب المبدعين لا يستطيعون أن يجعلوا إبداعهم مصدرا ثابتا للرزق أو لكسب العيش، يحققون به توازناً في حياتهم يكفي متطلباتهم”. مشيرا إلى أن هذا الوضع في العالم العربي هو على النقيض تماماً من شأن أي كاتب في أوروبا متوسط القيمة، فشغله هو همه الأول، ويعيش على إنتاجه بشكل أساسي.

وأضاف إبراهيم “إن هذه المسألة كان من الممكن أن تمثّل خطرا كبيرا علينا، لولا زوجتي التي كانت تعمل بشكل ثابت، وقد مكّنها هذا العمل من تغطية الضرورات الشهرية المنتظمة. ثم إن عدم وجود مطالب كثيرة لديّ مكّنني من أن يكون إبداعي هو همي الأول”.

مهنة غير مربحة

أما الروائي يوسف القعيد، فيقول “الكتابة مهنة غير مربحة. الأديب اليوم إما أن يكون موظفا وإما أن يلاقي الأمرّين”. ويؤكد القعيد أن مهنة الأدب غير مربحة أبداً في بلادنا، وأكبر دليل على ذلك أن الكثير من الأدباء الكبار كانت لهم مهن أخرى يعتمدون عليها في كسب الرزق، مثل توفيق الحكيم ونجيب محفوظ، حيث حوّلا البعض من رواياتهما إلى أفلام سينمائية أو مسلسلات تلفزيونية أو إذاعية.

ويوضح أن بُعد الكاتب أو المبدع بصفة عامة عن مجال إبداعه من خلال الانغماس في عمل للكسب المادي يؤدي إلى أمرين: الأول أن يتحوّل الكاتب عن مسار كتابته الإبداعية، ويكتب كتابة أخرى تدر عليه الربح، والأمر الثاني أن ينسى الكاتب الكتابة تماما ويتفرّغ لممارسة عمله الحرفي، لكن يوسف القعيد يشير إلى احتمال ثالث وهو أن تنطبع طبيعة الحرفة التي يعملها الأديب على عالمه الإبداعي الخاص، وهذا الأمر عادة ما يعود بأثر سلبي، وينتج عنه انحدار في مستوى الكتابة لدرجة الابتذال في بعض الحالات. الناقد إبراهيم فتحي، يؤكد على فداحة المأساة لكنه يخفف من حدّتها بعض الشيء، حيث يقول “معظم الأدباء والكتّاب هم في الأصل موظفون، صحيح أن وظائفهم بعيدة في الغالب عن الإبداع، إلا أن أغلبها أعمال إدارية في وزارة الثقافة، وبما أن الأدب متصل بالسياسة في بعض جوانبه، فمن المتصوّر أن نجد أدباء وروائيين وشعراء يحتلون وظائف كبيرة أو صغيرة في المؤسسة الثقافية، إلا أن الكثير من هؤلاء الأدباء يتجهون إلى الصحافة من أجل الربح السريع، ورغم الآثار السلبية التي تترسخ في نفسية الكاتب نتيجة بعد هذه الوظائف عن الكتابة، بما فيها من رضوخ وانصياع للسلطة الثقافية، فيصبح المبدعون مجرد تابعين لها.

أما الروائي محمد المنسي قنديل، وهو طبيب، فيقول “الكاتب وخصوصا المبتدئ يحتاج إلى بعض الانتشار، مما يدعوه إلى توزيع معظم نسخه مجاناً على الأصدقاء والمثقفين ليضمن الانتشار، وبالتالي لا يحصل على أي دخل عن طريق الكتابة”. ويضيف “أنا لست ثريّاً، ولكني استطعت أن أوفّر من عملي المستمر في عدة أقطار قدرا من المال يكفي لسد احتياجاتي الأساسية، وأحلم باليوم الذي أتفرغ فيه لكتابة القصة والرواية، لكنّ هذا الحلم بعيد للغاية”.

أما القاص سعيد الكفراوي، فيقول “من المستحيل أن نجد كاتبا عاش من كتابته فقط، ولا يوجد مبدع في العالم العربي كله عاش من نتاج قلمه، بل تتطرّق تفاصيل الحياة لدى هؤلاء الأدباء إلى درجات مأساوية نتيجة الاعتماد على الأدب، وعدم القدرة على التآلف مع أي عمل آخر، لذلك نجد كل المبدعين والأدباء الكبار يلتحقون بوظائف حكومية ليعوّضوا الفقد المادي والمعنوي الذي يبذلونه في عملية الكتابة”.

ويضرب الروائي مصطفى نصر أمثلة قابلها من الأدباء والكتاب الموهوبين فيقول “قابلت في حياتي بالإسكندرية العديد من الموهوبين، فقرهم كان حائلا بينهم وبين الاستمرار في الحياة الأدبية، معظمهم لم يحصلوا على قدر معقول من التعليم. فعملوا أعمالا يدوية. كانوا وسط خيارين أحلاهما مر، فلو عملوا أعمالهم اليدوية العادية؛ لن يجدوا الوقت الكافي للقراءة ولتطوير كتاباتهم، وإذا ضحّوا بمهنهم وعملوا أعمالا بسيطة ليجدوا الوقت للقراءة والمتابعة؛ عاشوا في ظروف معيشية صعبة”.

المبدع موظفا

يرى الكاتب والناقد محمد عطية محمود أن الاعتماد على احتراف الكتابة في البيئة العربية تحديدا أمر بالغ الصعوبة وقد يصل إلى الاستحالة، حيث الظروف لا تسمح للكاتب أن يُعيل نفسه بالأساس من ناتج كتاباته.

ويؤكد “وربما كانت المعاناة والهموم التي يلاقيها الكاتب وسط انشغالاته، عاملا مهما في إذكاء نار التجربة الإبداعية، فيكافح من أجل المقاومة ويظل هاويا للكتابة بروح الاحتراف الداخلي بغض النظر عن وقوعه في أسر الوظيفة الروتينية. كثيرون حاولوا احتراف الكتابة، ولكنهم فوجئوا بأن معينهم قد نضب، ولم يجدوا روح الكتابة التي كانت تتملكهم وهم يلتقطون الوقت والمكان وسط انشغالهم بوظائفهم كي يبدعوا”.

وفي رأي القاص سمير الفيل، فإن مهنة الكاتب قد تفرض عليه أعباءً إضافية، فمسألة الكتابة تحتاج بالقطع إلى تفرغ وأجواء هادئة، لا ضجيج فيها، كي يواصل مشروعه الإبداعي، فلو أن الكاتب كان يعمل في مهنة ليست لها علاقة بأجواء الكتابة فقد يبذل جهدا مضاعفا ليكون في وضع الهدوء والتأمّل وقوة الملاحظة التي هي ركائز الكتابة الواعية.

ويرى الشاعر أشرف البولاقي أن عملية الإبداع عملية في غاية التعقيد، وليست كما يتصوّر البعض أنها مجرد قرار يتخذه المبدع للكتابة فيكتب، وليست موهبة فقط، ربما تكون كذلك في البدايات الأولى، لكنها بمرور الوقت تتحوّل إلى عملية حيوية تتعلق بإفرازات المخ وهرموناته، ويختلط فيها النفسي بالعصبي، ومِن ثَمّ فإن تأثير الوظيفة على المبدع سلبًا أو إيجابًا ليس أمرًا ثابتًا أو مطردًا يمكن الحكم عليه حكمًا عامًا، فهناك من تؤثر عليه وظيفته، وهناك من لا تؤثر، قد تعيق البعض من الوظائف أصحابَها، وقد تَدفع وظائفُ أخرى أصحابَها إلى الأمام. كثيرون أبدوا دهشتَهم من رتابة وظيفة الروائي نجيب محفوظ، وكثيرون لو كانوا مكانه واستسلموا لها لقضت عليهم، لكن محفوظ استثمرها استثمارًا حسنًا.

أمّا ما يخص مهنة الصحافة وتأثيرها على عدد كبير من المبدعين تأثيرًا سلبيًا، فيرى البولاقي “أن الأمر ليس على إطلاقه أيضًا، فقد كان إحسان عبدالقدوس وأنيس منصور ومصطفى أمين يعملون في الصحافة، ومن المعاصرين كثيرون كذلك، وما يزالون يمارسون إبداعاتهم. المشكلة موجودة فقط عند البعض من ناحية، وتظهر في مجتمعنا العربي أكثر من غيره من ناحية أخرى بسبب عيوب ومثالب المهنة في بلادنا، وليست ارتباطًا شرطيًا دائمًا، لأن شروط وضوابط مهنة الصحافة في البلاد العربية فيها من غياب الحرفية، وغياب مناخ الحريات، وقلة المصادر، وصعوبة تداول المعرفة ما يدفع الصحافيين بعيدًا عن إبداعهم إنْ كانوا من ممارسيه”.
________
*العرب

 

شاهد أيضاً

طه درويش: أَتكونُ الكِتابَة فِردَوْسَاً مِنَ الأَوْهامْ؟!

(ثقافات) طه درويش: أَتكونُ الكِتابَة فِردَوْسَاً مِنَ الأَوْهامْ؟! إلى يحيى القيسي لَمْ نَلْتَقِ في “لندن”.. …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *