جدَليّة أساليب الوجود بينَ اليقين والحدس في قصيدة “أساطير يوميّة” لرياض الصّالح الحسين

خاص- ثقافات

*د. مازن أكثم سليمان

                                            

 

نصّ قصيدة (أساطير يوميّة):

“الوقت/القبلة..

رأيتُ أنَّ الأرض مثلَّث برمودا واسع/يبتلع الأطفال والشَّجر والفلّاحين/ثُمَّ اكتشفتُ، فيما بعد، أنَّ الأرض كرويّة/ففكَّرْتُ بوجود بعض الأمكنة/لا يبتلعُ فيها الماء شيئاً/أمكنة صغيرة جدّاً…/على سبيل المثال:/ثمَّةَ رجُلٌ يُقبِّلُ امرأةً/دونَ أنْ ينظُرَ إلى ساعتِهِ.

***

الولد/الفتاة..

إذا لم تحبَّني /أيُّها الولدُ اللَّطيف/سأردُّكَ إلى أُمِّكَ…/_إذا لم تحبّيني /أيَّتُها الفتاةُ الشِّرّيرة/سأردُّكِ إلى القبر./وأنا أتذكَّرُ أنَّ بينَ شجرة اللَّيمون والمُستنقع/بينَ الهواء والضَّفائر السّاطعة/بينَ الأسنان الجائِعة واللَّحم/بينَ الموسيقى والغُبار/بيني وبينَ أُمّي/بيني وبينَ قبري:/فتاةً لطيفة/وولداً شرّيراً!”.

 

نصّ المُقارَبة:

ينهضُ عالم هذِهِ القصيدة المُؤلَّفة من مقطعين على أربعة انبساطات تراكُبيّة لأساليب الوجود، وهيَ أساليب تفتَحُ فَجوة الجدَل بينَ الذّات الشّاعرة الوقائعيّة والذّات الشِّعريّة الافتراضيّة على صراع مجازيّ عميق بين اليقين والحدس، حيث تتخلَّقُ بؤرتُهُ الكيانيّة في تلافيف الموضوعة الأثيرة في شعر رياض الصّالح الحسين المُتعلِّقة بسؤال (العدالة) الوجوديّ الفرديّ والجمعيّ محلِّيّاً وكونيّاً.

المُنبسَط التَّراكبيّ الأوَّل لجدليّة أساليب الوجود:

تتحدَّدُ أساليبُ الوجود في مُنبسطِها الكيانيّ الأوَّل في السُّطور الشِّعريّة الثلاثة الأُولى في المقطع الأوَّل المُعنون بـِ: (الوقت/القبلة)، مُفتتحاً القصيدة به: “رأيتُ أنَّ الأرض مثلَّث برمودا واسع/يبتلع الأطفال والشَّجر والفلّاحين/ثُمَّ اكتشفتُ، فيما بعد، أنَّ الأرض كرويّة“.

يبدأ هذا المُنبسَط بفعل (رأيتُ) الحامل الدَّلالة البدئيّة في النَّصّ، وهيَ دلالة تتجاوز فعل (الرُّؤية) العيانيّة اليوميّة إلى فعل (الرُّؤيا) الكشفيّة الكُلِّيّة (ثُمَّ اكتشفتُ)، والتي لا تمنَحُ فَجوة المجاز حُرِّيَّتها الحدسيّة الشّاملة بالانفتاح؛ إنَّما تطويها على موقف شبه يقينيّ يميلُ فيه الجدَل لصالح مُطابَقة الذّات الشّاعرة الوقائِعيّة لرؤيا سوداويّة على حساب الاختلاف التَّخييليّ الذي كانَ يُمكِنُ أن تبسُطَهُ الذّات الشِّعريّة الافتراضيّة نحوَ المُحتمَل والمُمكن والمَجهول، فالإشكاليّة البُؤريّة ها هُنا ذا ليسَتْ في غياب العدالة بفعل الدلالة المَجازيّة المحدودة آنيّاً لـِ (مثلَّث برمودا) الذي (يبتلع الأطفال والشَّجر والفلّاحين)، بل في أنَّ هذا الابتلاع كُلِّيّ شموليّ يرتبطُ بطبيعة الأرض الفيزيائيّة/الموضوعيّة (الكُرويّة) بوصفِها مكاناً تنتفي فيه أو منه (العدالة)، لتكونَ أساليب الوجود هُنا ميّالةً إلى تعيين مُطابَقة يقينيّة أكثر من افتتاح فَجوة حدس مُتعدِّد الدَّلالات، وهو الأمر الذي يرتبط مُباشرةً بعتبة العنوان الفرعيّ للمقطع (الوقت/القبلة)، إذ يسودُ (وقتُ) الخراب سيادةً كُبرى، وتنتصِرُ حياة/موت ابتلاع الأطفال والشَّجر والفلّاحين وجميع أهل كوكب الأرض الكُرويّ.

المُنبسَط التَّراكُبيّ الثّاني لجدليّة أساليب الوجود:

تمتدُّ أساليبُ الوجود في مُنبسَطِها الكيانيّ الثّاني على بقيّة السُّطور الشِّعريّة التي يتألَّف منها مقطعُ القصيدة الأوَّل، وهيَ: ” ففكَّرْتُ بوجود بعض الأمكنة/لا يبتلعُ فيها الماء شيئاً/أمكنة صغيرة جدّاً…/على سبيل المثال:/ثمَّةَ رجُلٌ يُقبِّلُ امرأةً/دونَ أنْ ينظُرَ إلى ساعتِهِ”.

ينتقِلُ الشّاعر في أساليب الوجود هُنا إلى حركيّة شبه انقلابيّة على المُنبسَط الكيانيّ الأوَّل، حينما يتجاوَزُ الرُّؤيا الأوَّليّة والاكتشاف الأوَّليّ (بسوداويتهما العميقة) بخدعة مجازيّة ينهَضُ فيها فعل التَّفكير (ففكَّرتُ) على ما هو أبعد من دلالة وظيفة (التَّفكير) التَّصوُّريّ نفسِهِ بما هيَ دلالة عقليّة منطقيّة، إلى تخليق مسافة رؤيويّة (مُتفائِلة) تُمثِّل ليبيدو (دفاعيّ/هُجوميّ) ضدّ يقينيّة غياب العدالة الأرضيّة، عبرَ بُؤرة بديلة ينزاح منها (الماء) بوصفِهِ عامل هدم دلاليّ هُنا (ففكَّرْتُ بوجود بعض الأمكنة/لا يبتلعُ فيها الماء شيئاً)، ويُستبدلُ بالأمكنة الكبيرة التي يسود فيها ابتلاعُ الحياة الإنسانيّة الحيويّة، (أمكنةً صغيرة جدّاً…) كما يقولُ الشّاعر، تواجهُ (هذِهِ الأمكنة وأساليب الوجود فيها) القبحَ اليقينيّ بحدسٍ جماليّ يفتِّت مركزيّة زمن غياب العدالة في عتبة العنوان الفرعيّ (الوقت/القبلة)، ويمنَحُ رايةَ الاختلاف الأخّاذ لتُعليها لقبلة المُنتصِرة على عامل الوقت (ثمَّةَ رجُلٌ يُقبِّلُ امرأةً/دونَ أنْ ينظُرَ إلى ساعتِهِ)، بوصفِ هذِهِ القُبلة بينَ الرَّجُل والمرأة مُعادِلاً وجوديّاً جماليّاً لبُؤرة تحقُّق (العدالة) بتحطّيم الزَّمانيّة الخطِّيّة المُطابِقة لأساليب وجود الذّات الشّاعرة الوقائِعيّة السَّوداويّة، واستبدالِها بزمانيّة مُطلقة (دونَ أنْ ينظُرَ إلى ساعتِهِ) تميلُ فيها فَجوة المجاز جدليّاً لصالح اليوتوبيا التَّخييليّة التي تأتلِفُ مع أساليب وجود مُغايِرة للذّات الشِّعريّة الافتراضيّة التي تُنقِّبُ عن فَجوةٍ تفاؤليّةٍ حدسيّة قد يُقدِّمُها الحُبّ في العالَم.

المُنبسَط التَّراكُبيّ الثّالث لجدليّة أساليب الوجود:

يأتي عنوان المقطع الثّاني في القصيدة (الولد/الفتاة) كي يستكمِلَ تخليق الرُّؤيا بما هيَ انبساط أساليب وجود جدَليّة في عالم النَّصّ بين اليقين والحدس، إذ يُمثِّل المُنبسَط التَّراكُبيّ الثّالث شبه نكوص في الصُّعود المجازيّ التَّخييليّ الذي وصفتُهُ بالرُّؤيا الانقلابيّة (المُتفائِلة) في المُنبسَط التَّراكُبيّ الثّاني في المقطع الأوَّل، ففيه قالَ الشّاعر: “_إذا لم تحبَّني/ أيُّها الولدُ اللَّطيف/سأردُّكَ إلى أُمِّكَ…/_إذا لم تحبّيني أيَّتُها الفتاةُ الشِّرّيرة/سأردُّكِ إلى القبر”.

إنَّ اللِّيبيدو (الدِّفاعيّ/الهُجوميّ) الذي أرادَ الشّاعر عبر أساليب وجودِهِ أنْ ينتصِرَ لرؤيا العدالة رمزيّاً، بالميل إلى ذات شعريّة افتراضيّة تحتفي بالقبلة بما تنطوي عليه من دلالة (حُبّ وحُرِّيّة وحياة)، يتعرَّضُ هذا اللّيبيدو لبدء خلخلة نكوصيّة تبدأ بإعادة عقارب زمن عالم القصيدة إلى الزمن الخطِّيّ التَّشاؤميّ المُعادي للاحتفاء بإمكانيّة تخليق رؤيا العدالة، حيثُ يُشير حرف الشرط (إذا) في المُنبسَط التَّراكبيّ الثّالث إلى الشَّكّ في مدى قدرة أساليب الوجود الحدسيّة على الانتصار على يقين الخراب الذي سادَ منذ بداية انفتاح عالم القصيدة، وهُنا يظهَر عامل أكثر مُباشرة لصالح حسم الصِّراع الجدَليّ بينَ أساليب وجود الذات الشّاعرة الوقائِعيّة والذّات الشعريّة الافتراضيّة باتّجاه الموقف الرُّؤيويّ السَّوداويّ اليقينيّ، وحامِلُ هذا العامل يكمنُ في الخلل الوجوديّ الكامن في علاقة الحُبّ التي نهضَتْ بها (القُبلة) في المقطع الأوَّل، حيثُ  يُخيِّم البُعد الدَّلاليّ لعتبة عنوان المقطع الثّاني (الولد/الفتاة) منذ المُنبسَط الثّالث، بسيادة أساليب وجود تُضيِّقُ فَجوة المَجاز عبر فقدان الثِّقة بقدرة الحُبّ التعويضيّة (إذا لم تحبَّني _ إذا لم تُحبّيني)، على مُواجَهة قُبح العالم ويقينيَّة الخراب فيه بجَمال الحُبّ وحدسيّة احتمالاتِهِ المفتوحة على الخلاص والحُرِّيّة.

يتأكَّدُ هذا المنحى التَّأويليّ في المُقابَلة الثُّنائيّة الضِّدِّيّة التي تكشفُها أساليب الوجود في هذا المُنبسَط الثّالث، حيث تتحلَّلُ وَحدة الجَمال المُتجسِّدة بـِ (القبلة/الحُبّ)، لتتفتَّت زمانيّة التَّخييل اليوتوبيّ للذّات الشِّعريّة الافتراضيّة، وتفصمُ بهذا التَّفتُّت وَحدة (الرَّجُل/المرأة) أو حسب عنوان المقطع (الولد/الفتاة)؛ إذ نلاحظ أنَّ هذِهِ المُقابَلة الثُّنائيّة الضِّدِّيّة تمنَحُ (الولدَ) صفة (اللَّطيف) من قِبَل (الفتاة)، في حين يمنَحُ (الولدُ) لِـ (الفتاة) صفّة (الشِّرّيرة)، وهُنا يبدأُ تحلُّل وَحدة (الحبّ) الحدسيّة جزئيّاً عبر الشَّكّ الذي أسَّسهُ حرف الشَّرط (إذا)، وصولاً إلى ميل عميق لسيادة (يقين الخراب وغياب العدالة) من جديد على أساليب وجود عالم القصيدة، ولا سيما عندما يُستكمَلُ هذا التَّحلُّلُ الجَماليّ بالتَّضادّ القبيح الآخَر الذي يفضَحُ الخلل (الوجوديّ/الإنسانيّ) في علاقة (الولد/الفتاة)، حيثُ النِّيّة الحسنة لِـ (الفتاة) بردّ (الولد) إلى أُمِّهِ (رمز الدِّفء والعطف والمحبّة)، في حين يُريد (الولد) ردّ (الفتاة) إلى القبر (رمز البُعد والفِراق والكراهيّة)!

المُنبسَط التَّراكُبيّ الرّابع لجدليّة أساليب الوجود:

تحسمُ أساليب وجود المُنبسَط التَّراكبيّ الرّابع والأخير في عالم القصيدة حركيّة الصِّراع الجدَليّ بين (اليقينيّات المُسَبَّقة) التي تُهيمِنُ دلاليّاً على الذّات الشّاعرة الوقائِعيّة، و(رغبة الحدس والاختلاف) التي تتلاشى عند الذّات الشِّعريّة الافتراضيّة بالتَّشظّي المجازيّ والرَّمزيّ الذي يُحدثُهُ إخفاق (القبلة/الحُبّ) أمام سطوة (الوقت الخطِّيّ الوقائِعيّ السَّوداويّ) الذي يحوزُ عوالِمَ هذا المُنبسَط الوجوديّ الأخير، مُعمِّماً يقينيّة غياب (العدالة)، وانتصار (الخراب): ” وأنا أتذكَّرُ أنَّ بينَ شجرة اللَّيمون والمُستنقع/بينَ الهواء والضَّفائر السّاطعة/بينَ الأسنان الجائِعة واللَّحم/بينَ الموسيقى والغُبار/بيني وبينَ أُمّي/بيني وبينَ قبري:/فتاةً لطيفة/وولداً شرّيراً!”.

يبدو للوهلة الأُولى أنَّ الشّاعر في هذا المُنبسَط يُقيم قطيعة دلاليّة مع زمانيّة عالم القصيدة، حينما يبدأُهُ من فكرة (التَّذكُر)، المُتمحورة حول (الأنا)، كأنَّهُ يوحى للحظةٍ عابرة أنَّهُ يُريد أنْ يُغادِرَ عالمَ القصيدة، باللُّجوء مجازيّاً إلى عالم الذّاكرة الجميل أو المُتفائِل الذي يُمكِنُ أنْ تنهَضَ به وَحدة (أنا أتذكَّر) بوصفِها تعويضاً عن وَحدة (القبلة/الحُبّ)، أو عودةً إليها وانغماساً بها؛ أي بوصفِها وَحدة رمزيّة تُوسِّع فَجوة اليوتوبيّ التَّخييليّ الذي في طريقِهِ إلى التَّحطُّم والانغلاق في أساليب وجود عالم هذِهِ القصيدة، والذي يستطيع عبرَها (أي عبرَ هذِهِ الوَحدة التَّعويضيّة) أن يلوذّ بمُعادل (دفاعيّ/هُجوميّ) جديد يُنقِذُ ما يُمكِنُ إنقاذُهُ أمامَ سطوة (يقين القبح وغياب العدالة) بأساليب وجود (حدسيّة) مُنفتِحة على تعدُّديّة (الحُبّ والجَمال والاختلاف).

لكنَّ هذا التَّقليب التَّأويليّ ليسَ في حقيقة الأمر سوى حُلم الذّات المُمزَّقة في جدلها (ورُبَّما هو أيضاً حُلم ذات المُتلقّي القارئ) الذي لا يصمُدُ أبداً أمامَ فداحة دلالات المُنبسَط الأخير، فظرف المكان (بينَ) الذي يحكُمُ أساليب وجود هذا المُنبسَط يُعيدُ ربط جميع مُستويات حركيّة المُنبسَطات الأربعة وعتبات العناوين في عالم القصيدة، ويُفجِّرُها في قفلةٍ مُباغِتة تخلقُ مسافة توتُّر مجازيّ ورمزيّ وتأويليّ مُتشظِّيّة الدَّلالات، وأليمة الرُّؤيا؛ إذ يُحسَمُ هُنا الصِّراع الجدَليّ لصالح الذّات الشّاعرة الوقائعيّة التي تُحطِّمُ بمُطابَقتِها لِـ (يقين الخراب وغياب العدالة) أيَّ أمَلٍ باستكمال الانقلاب الجماليّ الذي يُمكنُ أن تفتتحَهُ احتمالات (حدسيّة) كانَ يُمكن أنْ تُهيمِن يوتوبيّاً وتخييليّاً على أساليب وجود تقترِحُها الذّات الشِّعريّة الافتراضيّة.

كذلكَ تعودُ بُؤرة عنوان المقطع الأوَّل (الوقت/القبلة) لتُلقي بظلالِها الثَّقيلة على مُنبسَط هذِهِ القفلة التَّراجيديّة، حينما يقتحِمُها الزَّمنُ الخطِّيُّ القبيحُ مُزيحاً أسبابَ حياة (القبلة)، ومُتحالِفاً في إزاحتِهِ هذِهِ مع (الولد) على حساب (الفتاة) في عنوان المقطع الثّاني (الولد/الفتاة)، حيثُ يكتمِلُ تفتُّتُ وَحدة (الحُبّ/القبلة) نهائيّاً، ويفصلُ اكتمالُ هذا التَّفتُّت فصْلاً حدِّيّاً (بينَ) كُلّ جميل وقبيح في عالم القصيدة: (بينَ شجرة اللَّيمون والمُستنقع/بينَ الهواء والضَّفائر السّاطعة/بينَ الأسنان الجائِعة واللَّحم/بين الموسيقى والغُبار/بيني وبينَ أُمّي/بيني وبينَ قبري”، لتتلاقى جميعُ المَسارات الدَّلاليّة في مسافة توتُّر القفلة، التي تقلبُ صفتي (الولد والفتاة) السّابقتيْن في حوارهما في المُنبسَط التَّراكُبيّ الثّالث، وذلكَ بإسناد صفة (اللُّطف) إلى (الفتاة)، وصفة (الشَّرّ) إلى (الولد)، كأنَّ الدَّلالة تأخذنا في النِّهاية نحوَ خُلاصة تجعلُ مصدر (يقين الخراب في الأرض) والرُّؤى السَّوداء التي استسلمَتْ في أساليب وجود القصيدة أخيراً إلى محوريّة (نفي العدالة)، إلى سيادة الفكر الذّكوريّ على العالم، أو كأنَّ الشّاعر يُحمِّلُ الرَّجُلَ مسؤوليّةَ تفكُّك وحدة (الحُبّ/القبلة/الجَمال) لصالح تسلُّط وَحدة (الكراهيّة/الوقت المُدمِّر للبشر/القبح)، وهو الأمر الذي يُمكنُ إيضاحُهُ بالمُعادَلة الآتية:

_ الولد = الوقت = القبر.

_ الفتاة = القبلة = الحُبّ.

إنَّ إخفاق الذّات الشِّعريّة الافتراضيّة في تخليق عالم مُنفتِح (حدسيّاً)على كيفيّات انبساط الحُبّ والجَمال والحُرِّيّة، أمام سُلطة مُسَبَّقات الذّات الشّاعرة الوقائِعيّة المُثقلة بِـ (يقينيّات) خراب العالم وغياب العدالة _وهيَ المسألة التي نهَضَ بها فعل التَّذكُّر في المُنبسَط التَّراكُبيّ الأخير_ قد رسَّخَ هذا الإخفاق موضوعة تضييق فَجوة أساليب وجود عالم القصيدة مجازيّاً ورمزيّاً، ومنعَ تخليق أي فضاء يوتوبيّ تخييليّ حُرّ تنتقلُ عبرَهُ الرّؤى من سمة القَبْليّة السوداويّة، إلى سمة انفتاح دلالات أساليب وجود عالم القصيدة على مُمكنات المُحتمَل والمُختلِف والمَجهول.

لعلَّ هذا الأمر يتأكَّد أخيراً بتأويل عتبة عنوان القصيدة: (أساطير يوميّة)، إذ من المُفترَض أنْ تُخرِجَ الأسطورة أساليبَ الوجود من البُعد العيانيّ اليوميّ الآنيّ المُسَبَّق والشّائِع والتَّقليديّ، لتقديم حلول واقتراح طرُق حياة  مُغايِرة وجديدة، وهيَ المسألة التي عجزَت هذِهِ القصيدة عن تقديمِها، لا بوصف هذا العجز حُكم قيمة فنِّيّاً عليها، على العكس من ذلكَ، إذ تُثبِتُ هذِهِ القصيدة قدرات فنِّيّة نادرة لشاعرٍ نادر، لكنَّ سُلطة الذّات الشّاعرة الوقائِعيّة المُشبَعة بالهزائِم والسَّوداويّة قد هيمنَتْ على عالم القصيدة الجدليّ في ظلّ الإخفاق (الحدسيّ) لـِ (الحُبّ/القبلة)، وإخصاء إرهاصات (الحياة/العدالة)، حيثُ يبدو حُلْمُ (الحُبّ/الحُرّيّة/الجَمال) ليسَ سوى أسطورة من الأساطير التي تبتلِعُها الحياة اليوميّة (اليقينيّة) بتوحُّشٍ مُريع في عالم الخراب الوجوديّ الإنسانيّ الذي اختبرَهُ الرّاحل الكبير رياض الصّالح الحسين.
___________
* شاعر وناقد سوري

 

 

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *