رعاة إميل سيوران

*يوسف أبولوز

عدد غير قليل من كتاب العالم (الشعر والرواية) بشكل خاص، جاؤوا إلى الأدب من الحقول.. والحقول هذه كلمة مفاجئة في بداية هذه المقالة.. فما الرابط بين الكتابة وحقل ذرة أو حقل عباد الشمس؟؟.. بل ما الرابط بين الكتابة ورعي الماشية.. ثم،.. كم من البيئات الزراعية أنجبت شعراء خالدين في الذاكرة البشرية على مدى حركة الزمن؟؟.. ثمة علاقة إذاً بين الكائن الذي هو الشاعر أو الروائي، وبين التراث والحصى والينبوع والشجرة.. ومن هؤلاء «إميل سيوران» الذي نُقل إلى العربية في حيزات ترجمانية قليلة، كما هو مثبت في الموسوعة الحرة، فله أربعة كتب فقط عرفها المترجمون العرب «..الفضل في إصدارها يعود إلى دار الجمل ومقرها ألمانيا ويديرها الشاعر العراقي المقيم هناك خالد المعالي..».. غير أن سيوران كما هو معروف لقارئه: كاتب وفيلسوف يكتب باللغتين الرومانية والفرنسية، وهذه معلومات «كمبيوترية» متاحة حتى للأطفال، غير أن المعلومات دائماً ما هي سوى سطور في جواز سفر أو في بطاقة هوية.. الأهم من ذلك هو توظيف المعلومة نحو الكتابة، فمن اللافت في حياة هذا الكاتب الذي كان وهو في العشرين من عمره يحب هتلر، إنه كان صديقاً للرعاة.. كان يصغي للقصص التي يحكيها الرعاة تاركاً خلف ظهره أي تناقض كان يعيشه.
محب الرعيان هذا القادم إلى الفلسفة من الحقول له كتاب «مثالب الولادة» نقله إلى العربية الشاعر والمترجم التونسي آدم فتحي بلا مقدمة حول سيوران، وبلا مقدمة للنص المترجم، والواقع أنه ليس نصاً.. بل «خريطة نصوص» هي عبارة عن «شذرات» فلسفية، شعرية، فكرية، تأملية.
بعض الشذرات مكثف في عشر كلمات، وأطولها جاء في حوالي 150 كلمة مقطعة، ومتدرجة على 12 فصلاً، لكن لا يحمل الفصل أي عنوان، بل شذرات وراء شذرات، ولكن من المؤكد أن ثمة مناخات فلسفية، تعمدها «سيوران» في مثل هذا التقطيع المتدرج.

لا أصوات للرعاة في «مثالب الولادة».. ولكنه «سيوران» المتدفق، والفكري، والفلسفي بقوة «هتلرية» مواربة أو غامضة أو حتى غير موجودة إلا في سيرته الذاتية.
يقول: «حاولت أن أعرف، بدافع وسواس مشوه، ما هي على وجه الدقة الأشياء التي تعبت منها، وقررت أن أضع لها قائمة».
وفي مكان آخر يقول: «يلعب العقل دور معكر الصفو بالنسبة إلى كل أفعال الحياة».
ويقول: «المتعصب للكآبة المضمرة منذور للتفوق في كل مهنة، باستثناء مهنة الكاتب».
كان «سيوران» يعاني من الأرق.. كان مريضاً بالأرق، ولكنه لم يكن كئيباً أبداً.. وكيف لشخص يصغي لحكايات الرعيان ويأتي إلى الفلسفة من الحقول أن يكون مكتئباً أو كئيباً..؟؟
لا تقترب الكآبة من رجل يقول: «..لا تنظر إلى الأمام ولا إلى الخلف.. انظر في ذاتك لا خوف ولا حسرة.. لن يغوص أحد في ذاته ما دام عبد الماضي أو المستقبل».
_______
*الخليج الثقافي

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *