لوحات عالمية بين الشهرة والغلاء

*خلود شرف

الفن يعكس حالة فردية إنسانية يعيشها الفنان، كما أنه يعكس العصر وحالته التي يتمثل بها الفنان في ظل هذه المرحلة. فقيمة العمل الفني تحددها عوامل كثيرة من أبرزها ظروف ولادة العمل الفني، فرب لوحة تختزل لغة شعب، وألمه وفرحه، ومأساته. تعيش اللوحة أكثر من حياة صانعيها. غالباً ما تحتفظ المتاحف باللوحات الفنية المشهورة خاصة المؤرخة ما قبل العام 1800، والتي نادراً ما تُباع، ولا يزال عشاق الفن يقتنون الأعمال الفنية رغم ارتفاع أسعارها، وتعتبر الموناليزا التي رسمها الفنان ليوناردو دافنشي أهم اللوحات العالمية والأكثر غلاء، بالرغم من أنه لم يتم تداول هذه اللوحة في البيع والشراء إلا هناك تقدير مادي من الخبراء على أن قيمة اللوحة تقارب 750 مليون دولار. واللوحة لها أكبر قيمة تأمين كلوحة فنية في العالم.
لوحة لاعبو الورق

 

 

من أثمن اللوحات الفنية في العالم، لوحات لاعبو الورق، هي مجموعة من اللوحات الزيتية، the  Card Players لبول سيزان، وهو فنان فرنسي (1839-1906) اشتغل على الشخوص، بنقل الحالة النفسية وأحاسيسها التصويرية. ويعتبر سيزان العتبة الأولى التي أثرت بالفن باتجاه التجريد والتكعيبية، فانتقل فن التصوير باتجاه الفن الحداثي وقام بتدريس ما بعد الانطباعية، تمتاز اللوحات بأنها تجسيد للمدرسة الانطباعية بروح سيزان، فغنى اللوحة باللون، هو بلوغ اللوحة نحو الكمال حسب رأيه، لوحات لاعبي الورق نجد بها السمكات اللونية والايحاءات البسيطة، التي أعلنت بداية مرحلة التغيير في تاريخ الفن، والمنعطف الأساسي لولادة مدارس فنية جديدة، والتي تعد من أهم اللوحات في العصر الحديث، فبدلاً من توحيد الحيز المكاني بطريقة المنظور الهندسي، أعاد اكتشاف رؤية جديدة للمنظور، بإعطاء الأهمية الشكلية واشتغال المكان والأهمية اللونية لكل مكونات اللوحة، منح الفنان كل أجزاء اللوحة الأهمية ذاتها، ووحد شدة الألوان في جميع الأجزاء. فخضعت بذلك لرؤية فنية جديدة خارجة عن النمط التقليدي.

إلا أن لوحة واحدة من لوحات سيزان بيعت للعائلة المالكة في قطر بمبلغ 300 مليون دولار. تختلف اللوحات بعدد اللاعبين، وبحجم اللوحات، وتمتاز بنقل حالة نفسية كامنة بين الخطوط التي تنقل مشهدية انطباعية للترقب. هي حالة في غاية التركيز والانتباه بأسلوبية حركية.

وقد صور سيزان خمس لوحات للاعبي الورق، مستمداً فكرة اللوحات من أجواء منطقته الباريسية، وهي إعادة اكتشاف للحيز والخطوط، لوحة مؤلفة من خمسة شخوص، هم ثلاثة لاعبين ومتفرجين، موجودة بمتحف اللوفر، ومجموعة من أربعة شخوص بمتحف اللوفر، والأخرى بمعهد كورتولد بلندن، ولوحتين للاعبين فقط في متحف اللوفر.

لوحة الصرخة

رُسمت هذه اللوحة في العام 1893the Scream للفنان النرويجي إدفارت مونتش، تتميز اللوحة بأسلوبها التعبيري، لكن ثمّة حالة إنسانية عميقة تحملها اللوحة رغم بساطتها، بالإضافة إلى أن اللحظة التي تم خلق اللوحة بها، مقترنة بحادثة حقيقية عاش الفنان بهواجسها. فلوحة الصرخة هي صرخة ادفارت الفنان، وصرخة كل إنسان في هذا الزمن الصاخب، وهي من أشهر أعماله، هي حالة نفسية وذهول يعيش به الإنسان، حالة تشعر بالضيق فيزفر بها الفنان من خلال خطوط الزيتي لوجه تعبيري، ايحاء صادم لكل من التواء الوجه واليدين والجسد والأفق، لتصير دماً كما رآها الفنان، تتمتد الضربات اللونية على كامل جسد اللوحة، بنفس الالتواءات، ثمة شخصين يمشيان، دونما اكتراث أحدهما لما يجري في هذا الجسر الذي يعبره الثلاثة، حالة شبيهة بهوس العالم بالحرب في مناطق ما على الأرض، بينما ينغمس الآخرون في مشاغلهم، وهو نفسه الصراع الذي يعيشه المرء وسط كل هذا التدهور الذي تعيشه البشرية.

توحي الألوان بقيم العمق والحالة النفسية الآيلة للنهاية، ومنها صرخت اللحظة، وقد بسط الفنان اللوحة بأبعاد ثنائية بدون ايهام بالبعد الفراغي، واستخدم الخطوط الهندسية المتمثلة بالمستقيم الذي بنى عليه الجسر، وأما الخطوط المنحنية، فتمثل باقي اللوحة، لا نجد ظلال أو ايحاءات ظلية.

يقول ادفارت مونتش: “كنت أمشي بالطريق بصحبة صديقي، وكانت الشمس تميل نحو الغروب، عندما غمرني شعور مباغت بالحزن والكآبة، وفجأة تحولت السماء إلى لون أحمر، أحمر بلون الدم، توقفت واسندت ظهري إلى القضبان الحديدية، من فرط احساسي بالإنهاك والتعب، واصل الصديقان مشيهما، ووقفت هناك ارتجف، ارتجف من شدة الخوف الذي لا أدري سببه، وفجأة سمعت صوت صرخة، تردد صداها طويلاً عبر الطبيعة المجاورة.

بيعت اللوحة بمزاد علني في نيويورك ب 190 مليون يورو متجاوزة أسعار لوحات بيكاسو التي بيعت احداها ب 80 مليون يورو.

  اللوحة رقم 5، 1948

قام برسم اللوحة الفنان الأميركي جاكسون بولوك، الذي عاش حياة مأساوية لم يظهر هذا البؤس في لوحاته، ويعتبر أحد أهم من تبنى ما سمي بالرسم الحركي، فلم يكن ثمة تخطيط في رسم اللوحة، أو تأمل موضوع يتم بناء اللوحة عليه، بل كان يتعامل مع اللوحة على أنها مساحة لصراع الذات، تعرض اختلاجاتها وذبذباتها، وتلونها، وسعيها، دونما هدف من هذا السعي سوى ملأ الوجود بالحياة التي تمتلكها هذه الذات. فقد هجر بذلك التعامل مع الريشة.

كان يختبر اللون برشّه على اللوحة المفروشة على الأرض بحركة سريعة، لكن اللوحة لا تعطي انطباع العشوائية أو اللاهدف، فاللوحة يبدو وكأنها منظر لعالم من تلسكوب، أو لمشهد تحت مجهر، تبدو وكأنها انطباعات لحركات سريعة تركت آثارها اللونية في المكان، فلا يمكن الوقوف أمامها رغم الخطوط اللونية الرفيعة المتداخلة والتي تملأ مساحة اللوحة بحساسية عالية، لا يمكن الوقوف أمامها إلا وتلامس الحركة المتلاطمة لحركة الإنسان على الأرض دون جدوى. صراع مع النفس واللوحة وصراع الوجود، هذا هو اختزال اللوحة الفنية التي كانت في حوزة المنتج ديفيد جفن وقد بيعت في العام 1906 بمبلغ 140 مليون دولار لرجل الأعمال المكسيكي ديفيد مارتينيز.

لوحة البورتيه لآديل بلوخ باور Portrait of Adele Bloch Baure

هذه اللوحة للفنان النمسويّ غوستاف كليمنت، حيث قام برسم زوجة فريديناند بلوخ  باور 1907

رجل الأعمال النمساوي الذي كان يرعى الفنان، تمتاز الأعمال التي قام رسمها كليمنت، بالزخرفة وبالمساحات الممتلئة باللون الذهبي، قام برسم اثنان من البورتريه للسيدة آديل، بالإضافة إلى رسمها كموديل ضمن لوحتين، كلها تتشابه بحضور اللون الذهبي، وبالزخرفة الكثيرة، والتفصيلية على ثوب السيدة. اشترى الملياردير رونالد لودر اللوحة بمبلغ 135 مليون دولار.

لوحة بورتريه الدكتور جاشيه

فان كوخ الفنان الهولندي (1853-1890) الأسطورة الأكثر بؤساً على هذه الأرض، عاش حياته الفنية ولم يبع سوى لوحة فنية واحدة علماً قد رسم حوالي 1000 لوحة، طوال مسيرته الفنية، انتحر بقطعه لأذنه ضمن حادثة غريبة، بعضهم قال بأنه قطعها لأجل امرأة، وبعضهم يقول بأن خلافاً نشب بينه وبين صديقه الفنان بول غوغان، ويبدو أن صديقه من قطعها له عند عضه، أو ربما هو قطعها بسبب غضبه. لكن يؤكد الباحثون بأنه مصاب بمرض الصرع، حيث حاول ابتلاع لوحاته الخاصة، والمفاجئ ما أكده الطب الحديث بالاطلاع على ملف الفنان، بأنه كان يعاني من مرض فيير، وهو مرض يصيب بدوار شديد وأعراض آلام في الأذن الداخلية، ونوبات حادة. مات منتحراً بعد يومين من إطلاق الرصاص في حالة اكتئاب شديدة.

فان كوخ هو صاحب بورتريه الدكتور جاشيه 1890، تعد من أشهر لوحاته والتي رسمها تعبيراً عن امتنانه لدكتوره والذي أصبح صديقه المقرب، علماً أن فان كوخ لم يمتلك أصدقاء في حياته، رسم اللوحة في الأشهر الأخيرة من حياته، تعد اللوحة من اللوحات ما بعد الانطباعية، حيث أصبح أسلوبه فيما بعد مدرسة من المدارس التشكيلية. في العام 1990 بيعت اللوحة ب 33 مليون دولار، وقيمتها الحالية، 139 مليون دولار.

مفارقات غريبة ما بين بؤس الفنان، وغلاء لوحاته وشهرتها بعد موته، مفارقات تكمن بها الريبة ما بين اقتناء اللوحات بأسعار خيالية، بينما أطفال العالم يموتون من الجوع، والأمراض، والحروب وما شابه، العالم مهووس بلحظة امتلاك، وكأنما امتلاك لوحة بسعر باهض يشفع لممات صاحبها. أو يشفع لطفل يموت.
__________
*مجلة صور

 

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *