المكتبة الشخصية.. عشق الكتاب من أول نظرة

*القاهرة: عيد عبد الحليم

تمثل المكتبة الشخصية في حياة المثقف ركناً أساسياً من تكوينه الثقافي والمعرفي، لذا يحرص المثقفون والمبدعون دائماً على تكوين مكتباتهم الخاصة منذ مراحل مبكرة، يضيفون إليها الجديد في عالم الثقافة والمعرفة، وبعض المثقفين يحرص على إهداء مكتبته قبل رحيله لإحدى المؤسسات الثقافية والجامعية.
يقول الشاعر محمد سليمان: «كانت أول مكتبة أعرفها في قريتي بالمنوفية، وكنت وقتها تلميذاً في المدرسة الإعدادية، وكان يسمح للتلاميذ الكبار بالاستعارة، أما أمين المكتبة فلم يسمح لي بالاستعارة لأنني صغير السن، لكنه سمح لي بالقراءة في المكتبة، وكنت أجلس إلى جوار صاحبها وأقرأ وكان يصحح لي؛ لأنه كان أزهرياً لم يكمل تعليمه. كانت هذه أول مكتبة استفدت منها، وكانت هناك معارك أدبية بين رواد المكتبة.
بعد ذلك عندما انتقلت إلى القاهرة بدأت أكون مكتبتي الخاصة بداية بشراء كتب من سور الأزبكية، وكان الكتاب بخمسة قروش، وبدأت أجمع منذ ذلك الوقت الكتب لتكوين مكتبة لكنني كنت أنتقل من مكتبة إلى أخرى، والآن عندي مكتبتان، الأولى في بيتي والأخرى عند أحد أقاربي. نحن من الأجيال التي اهتمت بتكوين مكتبة ورقية، أما الأجيال الجديدة فهي مهتمة بالنشر الإلكتروني والثقافة الإلكترونية».

ويتابع: «اشتريت أكثر من نسخة من بعض الكتب في طبعات مختلفة وإخراج مختلف، وحتى الآن لا أجد نفسي إلا وسط الكتب، الأصدقاء الحقيقيون هم الكتب، الكتب على مدار نصف قرن عشته كانت هي كل شيء بالنسبة لي، لكن أولادي يتعاملون مع اللاب توب والكمبيوتر، ومن النادر أن يقرأوا كتباً ورقية، إنهم ينتمون إلى جيل مختلف، ثقافتهم كونية وسريعة. أهم الكتب التي أحرص على اقتنائها هي الأعمال الشعرية، وهناك بعض الأعمال النقدية والتراثية، والأعمال القصصية وبدأت في اقتناء كتب لمدرسة شعراء المهجر، أحفظ تقريباً كل أشعار إيليا أبو ماضي، وانشغلت كثيراً بالمسرح وكتبت مسرحيتين شعريتين، وانشغلت بكتب التصوف الإسلامي، وكتب الفلسفة.
أنا شخصياً لا أنشغل بمستقبل المكتبة، الأمر متروك لأولادي، إهداء هذه الكتب لمؤسسات معرفية وثقافية، ولفترة كنت أزوّد المدارس الثانوية المجاورة لي ببعض الكتب التي تخصني، وأحياناً كنت أرسل بعض الأعمال الإبداعية لمكتبات وزارة الثقافة المجاورة، أولادي يعملون في مجالات قريبة من الأدب والصحافة، ولذلك لا أخاف على مصير مكتبتي بعد رحيلي».
أما الشاعر محمد الشهاوي فيؤكد أن المكتبة الشخصية هي الركن الأساسي في تكوين أي مبدع، فهي تضم الكتب التي قرأها على مدار سنوات عمره المختلفة، ويضيف: «أعمل على إهداء مكتبات وزارة الثقافة بعض الكتب الخاصة من مكتبتي، حتى يستفيد منها زوار هذه المكتبات، فقيمة الكتب ليست في تخزينها، أو وضعها على الأرفف؛ بل بكثرة المستفيدين منها».
أما الناقدة د. منى طلبة، أستاذة الأدب المقارن بجامعة عين شمس، فتقول: «إن المكتبة بالنسبة للناقد والمثقف الجامعي هي كل حياته، الأهل كان لهم دور في تكوين مكتبتي الشخصية، فمنذ طفولتي كنت أحب القراءة، وكانت مكافأتي عند التفوق في الدراسة أو الهدية لي هي الكتاب، كذلك كنت في مدرسة الراهبات، وكانت هناك حصص مخصصة للمكتبة في المرحلة الثانوية، وإلى الآن أتذكر البحوث التي كنت أعدها في ذلك الوقت.
في المرحلة الجامعية كان مثلي الأعلى د. طه حسين، وكنت أريد أن أسافر إلى فرنسا، وبعثت من الدولة وحصلت على الدكتوراه من فرنسا، وكان هناك أساتذة يساعدونني، فكان من حظي أن من أساتذتي د. سيزا قاسم، ود. نبيلة إبراهيم، ود. عبد القادر القط، ود. أحمد كمال زكي، الذين أحسوا بشغفي بالمعرفة. حياة الإنسان مرتبطة بمجموعة من الأفراد في الحياة العامة والجامعة».
وتضيف: «الكتب الفرنسية عندي لها الغلبة في مكتبتي، خاصة كتب العلوم الإنسانية والفلسفة، لأن مدارس النقد الحديثة مرتبطة بالفلسفة، حيث دخلت بقوة في جميع مجالات المعرفة، وأكثر من أثر فيّ جاك دريدا، وبول ريكور، حيث ترجمت لهما عدة كتب، إضافة إلى كتب الأدب والتراث العربي لبعض الكبار مثل أبي العلاء المعري، وكليلة ودمنة، إضافة إلى كتب د. مصطفى ناصف، ولطفي عبد البديع، ود. فريال غزول، ود. سيزا قاسم، ود. هدى وصفي، ود. نبيلة إبراهيم».
تقول د. منى طلبة: «كل مكان لي أعيش فيه هناك مكتبة في كل مكان، في البيت في غرفة المكتب وفي الصالة وفي غرفة ابني، وكانت لي مكتبات في فرنسا وفي دول أخرى عملت بها، حيث كنت أجدد مكتبتي، وابني محب للأدب ويكتب القصة القصيرة، على الرغم من أنه خريج كلية علوم. أحرص على إهداء كتب من مكتبتي لمكتبة الجامعة، حتى ينتفع بها أكبر عدد من القراء».
ويقول الفنان التشكيلي عز الدين نجيب: «موضوع المكتبة شغلني كثيراً في الفترة الأخيرة مع تقدم العمر، ولا بد أن أفكر في مصير مكتبتي التي تشغل شقة كاملة. عملت كل ما أستطيع لاستحداث أماكن وأجنحة لها، هناك كثير من الكتب التي اشتريتها تحتاج للقراءة.
كان آخر ما انتهيت إليه من عامين بعد حصولي على جائزة الدولة التقديرية، أن أتبرع بها لمركز مشتول السوق بالشرقية؛ بلدتي التي ولدت فيها، وقمت بعمل إجراءات مكثفة مع وزير الشباب ووزير الثقافة وقتها، د. جابر عصفور، ليكون هذا المركز للشباب وللثقافة يخدم أهل المنطقة، وبعد حصولي على الموافقة لم يتم شيء حتى الآن، بسبب بيروقراطية الموظفين التي أجهضت المشروع، وهذا ما يذكرنا بما كانت تنويه الفنانة الراحلة إنجي أفلاطون، التي تبرعت بأعمالها للدولة، لإقامة متحف خاص بها. لكن لم يتم ذلك إلا بعد سنوات طويلة».
تعلمت حب المكتبة من أبي يقول عز الدين نجيب حيث وجدت في بيتنا خزانة صغيرة بها بعض الكتب التراثية والأدبية. وعن مصير مكتبته يقول: «لا زلت حتى الآن أفكر في مصير مكتبتي، أفكر حالياً في إهدائها لقصر ثقافة كفر الشيخ، الذي أسسته في الستينات في عهد وزير الثقافة د. ثروت عكاشة، مشيراً إلى أن وزارة الثقافة ليس لديها اهتمام بالمثقفين بعد وفاتهم. وأقترح أن ينشأ في وزارة الثقافة بنك للأعمال الفنية للراحلين، بمجرد أن يهب الأديب مكتبته للوزارة، توزع كتبه على المكتبات التي تنشئها في المحافظات».
___________
*الخليج الثقافي

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *