إشكالية الرواية السعودية.. أزمة قارئ وأزمة مبدع

خاص- ثقافات

*سلطان الحويطي

كل شيء يبدأ بفكرة حتى الموت ، هكذا همست لنفسي وأنا أسترجع كل ما أحطت به في هذا الكون من وقائع وأحداث  ومعارف على شكل شريط متلاحق !. ووقفت في نهاية الأمر على أن الرواية هي الفكرة الجهنمية التي استجلبها الإنسان ليؤكد وجوده في هذا الكون ويرفع عقيرته بالنداء مازلت قادراً على الصمود !.

يصرخ في وجه الموت ،ويغوص في أعماق الحياة، يعصف بالثوابت ويتربع فوق النجوم. ليؤجج الصراع مع الذات والحياة و الذي لا تحتويه سوى الرواية التي  تتيح لخيال الإنسان أن يرتع كيفما شاء ليأتي بالإبداع و بالجديد وبالتغيير.

الرواية أداه لتغيير العالم هكذا يجب أن نتعاطها بعيداً عن العبثية !. الرواية تجعلك تمسك بأطراف العالم بكلتا يديك !. هذا العمل الإنساني العظيم ساهم بشكل أو بآخر في تغيير المجتمعات التي نمت فيها الرواية بشكل سليم . من ناحية إحياء شخصية القارئ وتشكيل وجدان المجتمع

ولكن السؤال الذي يحوم في الأفق البعيد : أين الرواية السعودية من كل هذا ؟ وللإجابة على هذا السؤال الشائك سأستعرض تاريخ الرواية السعودية والتحولات التاريخية والاجتماعية والسياسية التي مرت فيها و أثرت بها .

بدأت تتشكل هوية الرواية في السعودية بمحاولات خجولة غير مكتملة من الناحية الفنية ، كرواية التوأمان ل ” عبدالقدوس الأنصاري” الصادرة في العام 1930م . ورواية فكرة ل “أحمد السباعي ” الصادرة عام 1948م . وغيرها من المحاولات التي لم تتجاوز حدود الحجاز.

وفي أواخر الخمسينات من القرن الواحد والعشرين ظهرت الرواية السعودية  مكتملة من الناحية الفنية كرواية ثمن التضحية ل ” حامد حسين دمنهور ” الصادرة عام 1959م . و توالت بعدها الروايات فظهرت رواية ودعت آمالي ل ” سميرة خاشقجي ”  عام 1961م .

والملاحظ على بداية الرواية السعودية حتى إرساء قواعدها أنها تجاوزت الكلاسيكية إلى الرومانسية مما افقدها قوه تكمن في قوة المفردة على أقل تقدير وربما هذه القفزة جاءت بسبب فترة التيه الحضاري التي أعقبها ظهور النفط مباشرة.

وقد شكلت “هند عافر ” في تلك الفترة  استثنائية وان كانت على استحياء بإدخالها  نمط الأدب البوليسي في العام  1972 م ورغم إن الروايات في تلك الفترة كانت مكتملة من الناحية الفنية إلا أنها تعاني من ضعف  من ناحية الصياغة و المضمون وهذا أمر طبيعي في عمليه التدرج التي تمر بها الرواية.

 إلا انه  وفي منتصف تسعينات القرن الماضي حدث ما أخر اكتمال نضج  الرواية السعودية بسبب تدافع الأكاديميين، والصحافيين،والشعراء ،والفنانين التشكيليين ، لساحة الرواية وكل هؤلاء لا يحفلون بالجوهر ولا يملكون أدوات كتابة الرواية فجعلوها تتعاطى مباشرة مع الواقع المعاش دون استشراق أو فلسفة أو فكر جديد . فانحصرت حول نقل قضايا المجتمع كما هي :الزواج ,الحب ,الطلاق ,قضايا المرأة نقل الواقع بتفاصيل مملة وقد ساهم الثراء الذي تلى النفط بلا شك في هذه السطحية . وبهذا انغمس كتاب الرواية في واقعية تشبه لحد كبير الواقعية التي ظهرت في أوربا عقب الثورة الصناعية . فأصبح الروائي السعودي في تلك الفترة كمصور يحمل كاميرا ويلتقط صور للواقع ! دون أضافه إي لمسه إبداعيه وهذا السرد التسجيلي أضر بالرواية السعودية لأنه مفترض على الروائي أن يتجاوز مرحله الانفعال مع الحدث لمرحله التأمل ويضيف رؤيا فكرية وإبداعيه جديدة.

و ليست مهمته  نقل الواقع بحذافيره  أو حتى معالجته !. بل مهمته تكمن في تعرية الواقع والمجتمع وإدخال  القارئ في حاله من الدهشة تساهم في تشكيلة وعيه . وكذلك على الروائي أن يسموا بالرواية عن حيثيات الحياة اليومية بأن يجعلها تتحرك في المساحة بين العلم واللاهوت !، ويبحث عن المعنى مجرداً .

وقد دخل إلى عالم الرواية في تلك الفترة  الأديب “غازي القصيبي” مقحما نفسه في هذا المجال محطماً   كل قواعد الرواية في البناء فمعظم ما كتب “القصيبي ” لا يعدوا كونه مسرحيات يستعرض فيها مخزونه الثقافي والمعرفي والفكري الذي ليس عليه خلاف أبدا ولكنه  استغل الشهرة التي يتمتع بها  ليخرس النقاد في تعالي واضح حيث انه يقول “إن ما يكتبه ليس رواية حتى يسلم من تشدق الناقد”  ! وبالرغم من ذلك يخرج النص كرواية ويتداول كرواية أيضاً. و شتان بين قول “القصيبي ” و “تولستوي” الذي قال عن روايته العظيمة الحرب والسلام أنها ليست رواية ‘ فقط لأنه حول فصول كاملة من الرواية لنقاشات فلسفيه بدلا من السرد الأدبي.

وقد سار على نهج “القصيبي” أدباء تلك الفترة ك “تركي الحمد” و”عبده خال” وغيرهم .

الا أن ” القصيبي” لم يكتفي بتحطيم مجاديف النقاد بل  نحر المبدعين الشباب في زمنه بتقديمه لرواية عابثة  ممهدا بذلك لظهور نصوص الانحلال في الشكل والمعنى  .

تقول “رجاء الصانع “في لقاء تلفزيوني عن ماتسميها رواية : <<عندما كنت أكتب رواية “بنات الرياض ” كان كل ما يشغلني هل ستعجب غازي القصيبي ام لا ؟ >>. لأنه هو من يحدد إن كنت كاتبه أم لا .

وبعد هذه العثرة  أصبحت الرواية السعودية تمر بانتكاسه وظهرت السير الذاتية والرواية المكانية وكل هذه تأتي دون أن يكون هناك فكرة ملحه بل الكتابة لأجل الكتابة فتحشر الشخوص ويؤتى بموضوع مستهلك حتى يخرج لنا عمل يضاف للأعمال الركيكة .

ومن العوامل المهمة التي ساهمت في هذه الإشكالية هو القارئ الموجة الغير قادر على تمييز الأدب الجيد من الرديء فالتكتل الإعلام لتعزيز مفهوم معين جعل القارئ في إشكاليه المعنى السائد  .

فالأزمة لدينا تكمن  في القارئ كما هي في المبدع .

وكل هذه العوامل ساهمت في تأخر  نضوج الرواية السعودية حتى العقد الثاني من الألفية الثالثة لنجدها تدخل في مرحلة ازدهار غير مسبوقة وباتت السمة الأساسية لها ترقى للجيد في الإنتاج والمضمون ولكن هذه الطفرة في الرواية تحتاج لاهتمام من قبل المؤسسات باحتواء الإبداع وإقرار جوائز للسرد بكافة أشكاله وبهذا تستطيع الرواية السعودية  أن نرسي قواعدها و تنافس بقوة على المستوى العالمي .

 

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *